قضايا وآراء

مشكلتان وما نزال نعاني منهما.. رحم الله المستشار البشري

محمود عبد الله عاكف
1300x600
1300x600

منذ أكثر من ثلاثين عاما في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي عندما تأسس مركز الدراسات الحضارية بالقاهرة؛ كان الهدف هو القيام بالبحوث والدراسات في المجال السياسي والاقتصادي والعمل على نشرها، بالإضافة إلى دعم المجموعة البرلمانية ذات التوجه الإسلامي في مجلس الشعب، حيث إنه مع الانتخابات للدورة البرلمانية لعام 1987-1990 في مصر، فاز أكثر من خمسين عضوا يمثلون التحالف الإسلامي لحزب العمل والأحرار والإخوان المسلمين، وكان تحت شعار الإسلام هو الحل.

وقد ساهم المركز في كثير من القضايا والموضوعات التي كانت تطرح في البرلمان، مثل مشروعات القوانين والخطط والموازنات العامة للدولة، كما ساهم أيضا في مساعدة النواب في تقديم الأسئلة والاستجوابات في القضايا المختلفة. وكان للمركز عدد من المستشارين من أبناء الفكر الإسلامي، منهم الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور أحمد كمال أبو المجد والدكتور سيد دسوقي والدكتور محمد عمارة والأستاذ فهمي هويدي والدكتور محمد سليم العوا والدكتور حسن الشافعي والدكتور عبد الوهاب المسيري والدكتور أبو بكر متولي، وغيرهم أمد الله في عمر من يعيش بيننا ومتعه بالصحة والعافية، ورحم الله من غادرنا وأسكنه فسيح جناته إن شاء الله.

في بداية عام 1990 تم التفكير في إصدار تقرير حولي عن المركز بعنوان "الأمة في عام"، وتم الاتفاق على أن يكون التقويم الهجري هو الأساس للحولية وكان عام 1411 هجريا، وتم تحديد يوم الاجتماع الأول في أوائل شهر محرم لمناقشة المحاور وتوزيع الباحثين المساعدين والمقررين. وقدر المولى أن يكون ذلك اليوم هو يوم الحادي عشر من محرم، الموافق للثاني من آب/ أغسطس 1990، وهو اليوم الذي قام فيه صدام حسين بغزو الكويت. وتحول الاجتماع - الذي كان يرأسه سعادة المستشار طارق البشري كمشرف عام على التقرير ويساعده الدكتور كمال المنوفي، وكيل كلية الاقتصاد، رحمهما الله - إلى نقاش حول موضوع الساعة وقتها، وعن أبعاد هذا الغزو ورد فعل القوى الغربية وموقف الدول العربية وجامعة الدول العربية، وغير ذلك من جوانب.

والتقرير الأول صدر عن الأمة المصرية، تلاه تقرير عن الأمة العربية في عام 1412، ثم تتالت التقارير عن الأمة الإسلامية بعد ذلك. وتم الانتهاء من التقرير الأول في منتصف عام 1991.

وقد تناول باكورة التقارير عدة محاور وناقش عددا من القضايا التي عاشتها مصر خلال ذلك العام، من أهمها قيام مبارك بحل مجلس الشعب دون أن تنتهي الدورة البرلمانية، كما لم يلتزم بقرار المحكمة الدستورية بخصوص قانون الانتخابات، وتم إجراء انتخابات برلمانية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1990، وقد قاطعتها الأحزاب السياسية كافة، عدا الحزب الوطني، وهو الحزب الحاكم، وحزب التجمع، ولم تشارك باقي الأحزاب كحزب العمل أو حزب الأحرار أو حزب الوفد أو جماعة الإخوان المسلمين في تلك الانتخابات.

كما أنه كان العام الذي حدثت فيه أزمة الخليج الثانية كما ذكرت، ورصد التقرير رد الفعل الشعبي تجاه الأزمة، وخصوصا عند السماح للقوات الأمريكية بعبور قناة السويس، أيضا مع قرار إرسال قوات مصرية للمشاركة في قوات التحالف الدولي الأول بقيادة الولايات المتحدة - الذي تكرر في أفغانستان 2001 ثم في العراق 2003 - وهي الأزمة التي أسقطت النظام العربي. وكانت مصر قد عادت للجامعة العربية عام 89 بعد تجميد عضويتها لمدة عشر سنوات نتيجة اتفاقيات كامب دايفيد. كما تناول التقرير المحور الفلسطيني وبدايات مؤتمر مدريد لحل القضية، بالإضافة لعدد من القضايا الاقتصادية والثقافية التي عاشتها مصر في ذلك العام.

وقد تم الاتفاق مع المستشار البشري ليكتب مقدمة التقرير الأول، وكانت المقدمة بعنوان "مشكلتان". وتناول الأستاذ طارق قضيتين مهمتين مرت بهما مصر خلال العام الذي صدر فيه التقرير؛ أولهما قضية داخلية نتيجة قيام مبارك بحل مجلس الشعب في تشرين الأول/ أكتوبر 1990، وهي قضية نظام الحكم، والقضية الثانية أو الحدث المهم الثاني كانت أزمة الخليج الثانية، وهي قضية العلاقة مع الآخر وغزو العراق للكويت، الذي بدأ في الثاني من آب/ أغسطس 1990 وانتهى بتحرير الكويت في نهاية شباط/ فبراير 1991، وكيف تدخلت القوات الغربية تحت ما دشنته أمريكا باسم التحالف الدولي، وتم إرسال قوات عربية للمشاركة في تحرير الكويت. وبدأ سعادة المستشار مقدمته:

 

 


ثم تناول الأستاذ طارق كل قضية بشيء من التحليل والتقييم، فتكلم عن قضية نظام الحكم أو ما اصطلح عليها بالديمقراطية، وأنه ليست مجرد انتخابات، ولكنه بناء متكامل بهياكله وقنواته ومؤسساته. ثم تحدث عن الواقع، فأكد أننا كما قال: "نحن" جميعا في وضع تابع؛ نحن كعرب وكمسلمين وأفارقة وآسيويين تابعون للقوى الغربية، وفي معظم مجالات الحياة إن لم تكن جميعها؛ من اقتصادية إلى علمية وفكرية واجتماعية وبالطبع سياسية، وغير ذلك من مجالات. وتحدث عن محاولات الوحدة والفشل في تحقيقها، مما يساعد ويدفع في طريق التبعية، ثم تناول قضية اختلاف المفاهيم وترتيب الأولويات، وأنه نتيجة لذلك يجب أن يكون هناك حوار دائم وشفاف، ولكن للأسف فنحن نعاني من غياب الحوار الصادق الفعال.

كما تناول ما كان يطلق عليها "القوى المحجوبة عنها الشرعية"، وأثر هذا الحجب على مصداقية النظام السياسي وفاعليته. ثم تحدث عن النظام الحزبي والفصام الحادث في الشرعية الحزبية، وما يتبع ذلك من ضرورة وجود تعددية حزبية حقيقية وليست صورية في المجتمع. وختم الحديث عن المشكلة الأولى بأن هناك إمكانية للحل والتصحيح، تعتمد على تماسك الجماعة السياسية، وأن تحدد الأهداف العليا، وأن يفسح المجال للجميع للمشاركة.

أما المشكلة الأخرى وسماها "كارثة الخليج"، وهي مشكلة العلاقة مع الآخر الأجنبي وتدخله في الشأن الداخلي للدول واستباحة الحقوق كافة، وكيف أن التصرفات العنترية الفردية تجر الأمة بأكملها إلى مستنقعات لا سبيل للخروج منها وشبهها بحرب 1967. وتحدث عن إمارات الخليج ومقومات الدولة وقارن بينها، وأشار إلى صيغ التوازن الاجتماعي في تلك المجتمعات وإمكانات التوفيق مع الأداء الوظيفي الدولي. ثم تحدث عن الأوضاع العربية وما وصلت إليه حال المنطقة، وتساءل في النهاية: هل نحن نعيش في استقلال حقيقي بعيدا عن هيمنة الدول الكبرى؟ وتناول قضية إرسال الجيوش العربية، وأنها تكون تحت قيادة القوات الأمريكية ثم مواقف القوى السياسية العربية تجاه الأحداث. وأخيرا تحدث عن النظام العالمي الجديد الذي كان قد بدأ يتشكل بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وحائط برلين وتوحد ألمانيا، وبداية الهيمنة الأمريكية على العالم. وختم حديثه بالتساؤل التالي:

 



ونحن ما نزال نعاني من المشكلتين، فنعيش في استبداد داخلي يزداد يوما بعد يوم، وعندما حانت فرصة لشعوب في المنطقة، لم تحسن توظيفها، وتم استدراجنا وعدنا إلى أسوأ مما كنا عليه. كما أننا نواجه تغولا خارجيا يُحكم سيطرته على العالم كله؛ ليس عسكريا فقط، بل اقتصاديا وثقافيا وفي مجالات الحياة كافة، آملا أن تخضع له البشرية لتسير على ما يخططه وأن ترى ما يراه. ولكننا على يقين بأنه طالما هناك من يرى الحقيقة الحق ويصدع بها، فسوف يأتي اليوم الذي نستعيد فيه حقنا وحريتنا.

ورحم الله الأستاذ طارق البشري وأسكنه فسيح جناته، وجميع أساتذتنا وإخواننا الكرام، وأن يجمعنا بهم ومعهم في الصالحين إن شاء الله، وأن يظلنا بعرشه يوم لا ظل إلا ظله سبحانه وتعالى. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

التعليقات (1)
محمد ماضي
الإثنين، 08-03-2021 07:36 م
ليست المشكلتان هما ما نعاني منهما بل مشكلة كبيرة بدأت منذ أكثر من أربعة عشرة قرنا و أدت إلى تخلف الأمة الإسلامية و تحكم الإستبداد بها إلى أن جاء المستعمر الأوروبي بأساليبه التي عرفت في فترة القرنين الماضيين فأحكم قبضته على مصادر الثروات الطبيعية في بلدان الشرق الأدنى و من ثم أحكم قبضته على شبه الجزيره العربية و أورث كل هذا إلى أميركا و ما عرف بالإتحاد السوفياتي آنذاك. اليوم نحن نعيش في عالم لم يعرف معنى الحرية و الديمقراطية يوما واحدا و لن يتغير عالمنا إلى الأفضل إلا بعد أن تكون هناك صحوة حقيقية و لست أعني هنا الخلافة فهذه ضرب من ضروب المستحيل و ليس من الممكن إعادتها و لكن، من الممكن أن تتشكل حركة إعادة نشر الوعي من دون عنف و لا دماء و تتكون مجموعة لا مركزية ذات خطة لنشر الثقافة الإسلامية بما يتناسب مع واقعنا المعاصر بعيدا عن خزعبلات الصهيونية، الأمبريالية و عدة إيديولوجيات أخرى لا تمت للواقع بصلة. إن ما جرى في ثمانينيات القرن المنصرم من تجنيد للطاقات البشرية و إرسالها إلى أفغانستان لتحارب روسيا بالوكالة عن الولايات المتحده هو خير دليل على واقع الأمة المرير و مدى إنتشار الجهل و التخلف على كافة المستويات في عالم لا يملك شيء واحدا يمكنه من التماشي مع متطلبات الحياة العصرية إلا هلوسات و إيديولوجيات مختلفة لا صلة لها بأية واقع و بعيدا عن تعاليم الإسلام هذا الدين الحنيف الذي قدم منهجا يمكنه من التكيف مع كل زمان و لكن، هيهات من أمة لا تعرف إلا الحمود الفكري و التخلف.