كتاب عربي 21

الإمارات تشتري الترام!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
في الصعيد استمعنا لرواية الذي اشترى القطار، ومثله الذي اشترى العتبة الخضراء، فلما جئنا للقاهرة قيل لنا إنه اشترى "التروماي"، وهو الاسم الدارج للقطار المسمى "الترام"، الذي كان يربط بين بعض المناطق في العاصمة المصرية، ويعد أحد معالم محافظة الإسكندرية! وإن استمر الحال بالنسبة للعتبة الخضراء، مع تغير بسيط في اسمها، فسكان القاهرة لا ينطقون الاسم كاملاً، فهي "العتبة"، وصاحبنا اشترى "ميدان العتبة" الشهير، عند أول زيارة له للقاهرة.

ويقال إن الواقعتين حصلتا فعلاً، فهناك من تم تضليله فاشترى القطار في قول، والترام في قول آخر، وهناك من اشترى بالفعل "ميدان العتبة"، وتم تحرير عقود ملكية من البائع "النصاب" لهذا المشتري "الساذج"، وقيل إنهما واقعتان قديمتان حررت بهما محاضر رسمية في الشرطة ونظر فيهما القضاء!

وسواء كان ذلك صحيحاً أم من أساطير الأولين، فالشاهد أن المصريين يستخدمون الواقعتين في التدليل على البلاهة المفرطة، فيقول أحدهم لن أشتري الترام، بمعنى الوهم، أو تريد أن تبيع لي العتبة في وصف الآخر وقدرته على النصب وتغافله عن ذكاء الطرف الآخر، بيد أن أولي الأمر منهم في الإمارات اشتروا الترام فعلاً، ولم تكن هذه البضاعة سوى "نشأت الديهي"، بحسبانه الخبير في الشأن التركي، باعتباره كان يعمل في قناة "تركية" الناطقة باللغة العربية، ويملك مقطعا لنفسه وهو يستقيل على الهواء، رفضاً منه لأردوغان، وانحيازاً للمسار الجديد، الذي دُشن بالبيان العسكري الذي ألقاه عبد الفتاح السيسي يوم 3 تموز/ يوليو 2011!

وقد أنتج هذا التصور من خلال هذه الواقعة الاعتقاد بأنهم وقعوا على كنز ثمين في معركتهم ضد تركيا، وإن بدت إلى الآن معركة من طرف واحد، وقد احتشدوا وأطلقوا موقعين إلكترونيين للشأن التركي من القاهرة، أسندوا إدارتهما وربما ملكيتهما لنشأت الديهي، وقد اشتروا قناة تلفزيونية تبث من القاهرة أيضاً، وأسندوا إدارتها لنشأت أيضاً، وسيسندون ملكيتها في المستقبل القريب له، وهي قناة "تن" التي حصل إبراهيم عيسى على ترخيصها عشية تنحي مبارك، وأطلق عليها اسم قناة "التحرير"، ثم باعها إلى أن وصلت إلى المشتري الإماراتي، فهل كانت الإمارات هي المالك الحقيقي منذ البداية؟!
خطتهم تقوم على شراء صحف قديمة، وعدد لي أسماء بعض هذه الصحف التي في خطتهم، بجانب تأسيس صحف حديثة وقنوات تلفزيونية، فهم يستهدفون شبكة إعلامية ضخمة!

شراء ترسانة إعلامية:

ربما كتبت هنا أنني استقبلت في مكتبي بعد الثورة من قدمه لي زميل بأنه رجل أعمال كبير في مجال تجارة الطائرات، ولم يكن لي به سابق "معرفة"، وأدهشني عندما عرض علي صفقة شراء جريدة "الأحرار" التي كنت أشغل منصب رئيس تحريرها، وحاولت إفهامه دون جدوى أنها صحيفة حزبية، لا يمكن بيعها، فعرض أن يشتري الحزب أيضاً، واحتشدت وأنا أقول له إنها صحيفة مثقلة بالديون، ومحملة بالعاملين فيها، فماذا عليهم من ذلك كله، وبإمكانه أن يؤسس صحيفة بدون أن يدفع ملايين الجنيهات مقابل ذلك إلا ما سينفقه عليها، ويختار العاملين فيها بعناية، ووفق مقاييسه، فعلق بأنه يشتري تاريخاً وباعتبار "الأحرار" أول تجربة حزبية بعد انقلاب يوليو 1952. وقال إن خطتهم تقوم على شراء صحف قديمة، وعدد لي أسماء بعض هذه الصحف التي في خطتهم، بجانب تأسيس صحف حديثة وقنوات تلفزيونية، فهم يستهدفون شبكة إعلامية ضخمة!

عندما سألته من أنتم؟ أجاب: مجموعة من رجال الأعمال المصريين نشاطنا في الخارج، وقد وجدنا في الثورة المبرر للعودة لخدمة الوطن، وهذه الترسانة الإعلامية ستكون مهمتها مساندة الفريق أحمد شفيق في حال نجاحه.

فعدت أسأله: وإذا سقط؟ تكونون كما صاحبنا الذي اشترى الترام؟! فبدا لي أن الموضوع أكبر من لحظة انتخابية طارئة ليست هي نهاية العالم.
بعد الثورة كان هناك كثيرون قدموا أنفسهم على أنهم مصريون يعملون في الخارج، وفي دول غربية، ويبدون استعدادهم لتمويل صحف وأحزاب، وبدا لي أنهم يستكشفون الأجواء ويدرسون الحالة، ولم أنشغل وقتئذ بسؤال من وراء هؤلاء؟!

وعموماً، فلم يكن الأمر مستغرباً، فبعد الثورة كان هناك كثيرون قدموا أنفسهم على أنهم مصريون يعملون في الخارج، وفي دول غربية، ويبدون استعدادهم لتمويل صحف وأحزاب، وبدا لي أنهم يستكشفون الأجواء ويدرسون الحالة، ولم أنشغل وقتئذ بسؤال من وراء هؤلاء؟!

بيد أن خطة صاحبنا في الهيمنة على الساحة الإعلامية حدثت بعد ذلك، وكانت الإمارات سباقة من خلال امتلاك قناة فضائية "من الباطن"، هي "الحياة"، قبل الثورة، وكان المعلن أنها مملوكة للسيد البدوي شحاتة، رئيس حزب الوفد فيما بعد، والهدف أن تكون قناة إخبارية لمنافسة قناة الجزيرة، لكن رئيس مجلس الشورى صفوت الشريف تدخل بعد الترخيص المبدئي وأوقف ذلك، ولم يوافق إلا على قناة منوعات، ليس لأنه اكتشف المالك الحقيقي، فلا أظنه تعرف عليه إلا بعد زوال ملكه، ولكنه كان يؤمن بأن نشرة الأخبار عمل من أعمال السيادة، فلا نشرة إلا في الإعلام الرسمي. ومما قاله عندما اعترض على ترخيص "الحياة"، إن الدولة هي التي تقوم بمنافسة الجزيرة إذا أرادت، وليس رجال الأعمال!

استباحة نشأت الديهي:

ولم يعد سراً الآن أن قناة "تن" مملوكة للإمارات، مع خلاف بسيط هو القول إنها مملوكة لرجل أعمال إماراتي، لديه حرج من إعلان اسمه، بما يؤكد أن المالك الحقيقي هي دولة الإمارات، وبعد أن تم إغلاق القناة بسبب خسارتها، فالآن تشهد توسعات ضخمة بها. وهناك رؤية بضرورة نقل ملكيتها في الوثائق لشخص نشأت الديهي، وللقوم تجربة مع تمويل وسائل إعلام بالقاهرة مملوكة على الورق لأشخاص مصريين!

القناة ستكون موجهة ضد أردوغان، وذلك بجانب الموقعين، مع تأسيس مركز أبحاث لاستكمال الملف، وهذا كله سيديره نشأت باعتباره الخبير المتخصص في الشأن التركي، وهذه هي البوابة التي دخل منها على الإماراتيين.."الخبير المتخصص في الشأن التركي"، لكن لم ينتبهوا إلى أنهم اشتروا الترام، فكيف حدث ذلك؟!

بعض الذين لا يجدون حرجاً في استباحة الخصم، ولو بالخروج على قيم المجتمع وعلى قواعد مكارم الأخلاق، يصرحون حيناً، ويلمحون أحياناً، بأن استقالة نشأت الديهي على الهواء من القناة التركية الناطقة باللغة العربية، هي بعد القبض عليه في قضية أخلاقية، جرت وقائعها في شارع تقسيم بإسطنبول، فأراد أن يحمي نفسه بهذه الاستقالة، ولكي يتمكن من الهرب للقاهرة، ويصبح أي كلام بعد ذلك عن هذه القضية يوحي بأنها رد فعل للنظام التركي على استقالته، وتلفيق عُرف بالأجهزة الأمنية بالضرورة!

والواقعة كلها غير صحيحة من أولها لآخرها وبكل التفاصيل التي تروى تصريحاً، وتلميحاً يُغني عن التصريح، وبإمكان نشأت الديهي أن ينسفها من جذورها بجملة واحدة، لكنه لم يفعل، وإذا عُرف السبب بطل العجب!

لم تكن للقناة التركية في هذا الوقت استوديوهات في إسطنبول، فقد كانت تبث من أنقرة، ويمكن بطبيعة الحال تغيير الرواية، لتكون الحكاية في العاصمة التركية وليس في تقسيم، أيضاً يمكن للديهي أن ينسف الاتهام من جذوره بمجرد جملة واحدة، لم يقلها!
السبب في أنه لم يقل هذه الجملة فتخرس الألسن التي تروج لهذا الإفك، أنه سيخسر مبرر توظيفه إماراتياً، وأن الإماراتيين بمجرد نطقها سيكتشفون أنهم اشتروا الترام، فإذا كان المذكور قد أدخل عليهم الغش والتدليس بأنه خبير بالشأن التركي،


السبب في أنه لم يقل هذه الجملة فتخرس الألسن التي تروج لهذا الإفك، أنه سيخسر مبرر توظيفه إماراتياً، وأن الإماراتيين بمجرد نطقها سيكتشفون أنهم اشتروا الترام، فإذا كان المذكور قد أدخل عليهم الغش والتدليس بأنه خبير بالشأن التركي، لأنه عمل في تركيا وسط الأتراك، وربما ذهب بعيداً فقال إنه اخترق المخابرات التركية، ويعرف من الأخبار ما لا يعرفها غيره. فالحقيقة غير ذلك، وهذه الجملة هي "أنني لم أسافر لتركيا ولم أعمل في مقر قناتهم سواء في أنقرة أو في تقسيم"!

من القاهرة:

فظهور نشأت الديهي على شاشة القناة التركية الحكومية كمذيع كان في كانون الثاني/ يناير 2013، وليس قبل هذا التاريخ، فقبل هذا الظهور بأيام كان ضيفاً يُقدم بأنه "الكاتب الصحفي" الذي يساند الإخوان ويدافع عن الرئيس محمد مرسي، ولا نعرف "صحفيا في أي مؤسسة وكاتبا في أي صحيفة"، وليس هذا هو الموضوع!

فالموضوع أنه كان يقدم برنامجه الأسبوعي من القاهرة، وعندما أعلن استقالته على الهواء لم يكن هذا عشية الانقلاب؛ فقد ظل شهراً كاملاً بعده يقدم برنامجه على شاشة القناة التركية الحكومية، وهو عندما قدم احتجاجاً على انحياز أردوغان ضد ما أسماه مصر، كان من حسن حظه أن الأتراك في أنقرة الذين ينقلون البث الفضائي لا يوجد أحد فيهم يعرف العربية أو ما يقوله نشأت!

فلم يكن نشأت المذكور في أنقرة، أو إسطنبول، ولم يكن يمارس عمله من مقر القناة في الداخل التركي، بل والمهم أنه لم يكن معيناً في القناة التركية ليستقيل منها، فهو كان يعمل في شركة مصرية للإنتاج التلفزيوني، تتعاون مع الفضائيات الخارجية ومع القناة التركية كما مع غيرها، وهي التي استعانت به وفق خيارات اللحظة، حيث أنها شركة خدمات من القاهرة لقناة تركية مؤيدة لنظام الرئيس محمد مرسي، ونشأت الديهي إخواني أكثر من الإخوان!

والاستقالة من القناة التركية الناطقة باللغة العربية مضللة، لأن المستقيل لم يتعاقد معها، وعليه أن يظهر هذا العقد، وإذا وجد فالمفروض أنه في حوزته لا سيما وأنه لم يفعل ما فعله مراسل سابق لقناة المنار في القاهرة، عندما هاجم حزب الله النظام المصري ذات مرة، شن النظام حملة على الحزب، فوقف المراسل أمام الكاميرات في مؤتمر صحفي ومزق تعاقده مع المنار، وكانوا هناك يضربون كفاً بكف، لأنهم لم يحرروا له عقداً أصلا.


قلت إن المذكور بعد سنوات إقامته في تركيا قد لا يعرف من اللغة التركية سوى "أركاداش" بمعنى "صديق"، فتبين الآن أنه حتى هذه لا يعرفها، لأنه لم يعش في تركيا، سنة، أو شهراً، أو يوماً، ولأنه لم يكن يعمل أصلاً في هذه القناة، ليسقط مع هذا الادعاء أنه الخبير بالشأن التركي، الذي عايش الأتراك، واخترق المخابرات التركية.

لقد اشترى القوم الترام، مبارك عليهم!

twitter.com/selimazouz1


التعليقات (0)