هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تساءل موقع "ميدل إيست آي"، عن أسباب مواصلة إيران عزمها على مواصلة العمل على تطوير برنامجها الصاروخي.
وذكر الموقع في تقرير لجودت بهجت، أنه منذ انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، فقد كثر النقاش حول ما إذا كانت إدارته ستعود للانضمام إلى صفقة النووي مع إيران وكيف يمكن لذلك أن يتحقق. ووفقاً لوزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن فإنه "إذا عادت إيران إلى الالتزام الكامل بما عليها من واجبات بموجب الصفقة فلسوف تفعل الولايات المتحدة نفس الشيء ثم سوف نستخدم ذلك مع حلفائنا وشركائنا، كمنصة لبناء اتفاقية أطول مدى وأكثر قوة والتعامل مع عدد من القضايا الأخرى الصعبة في العلاقة مع إيران".
ويشكل برنامج إيران الصاروخي مصدر قلق رئيسي لواشنطن. إلا أن طهران قالت إن وقف البرنامج غير وارد، وأعلن الرئيس حسن روحاني أن ذلك غير قابل للتفاوض، بينما قال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إن طهران لن "تنخدع" بالعرض الأمريكي للتفاوض ولن تتخلى عن برنامجها الصاروخي والفضائي.
وتابعت: "بالفعل، منذ أن فاز بايدن بالانتخابات أكدت إيران مراراً وتكراراً عزمها على الاحتفاظ بقدراتها الصاروخية بل وتوسيعها. وفي الشهر الماضي، كشف الحرس الثوري النقاب عن قاعدة صاروخية جديدة تحت الأرض في إقليم هورمزغان الجنوبي. وفي وقت مبكر من هذا الشهر، دشن وزير الدفاع ورئيس الجيش في إيران مصانع تنتج صواريخ محمولة على الكتف ووقودا صلبا مهجنا للصواريخ المستخدمة في القتال البري".
ودشنت وزارة الدفاع لتوها حامل ستالايت يسمى "زولجينة"، لديه القدرة على حمل أقمار يصل وزن الواحد منها إلى 220 كيلوغراما ووضعها في مدار على بعد 500 كيلومتر فوق الأرض.
وأخذاً بالاعتبار إصرار الولايات المتحدة على تحجيم برنامج إيران الصاروخي وعزم طهران على المضي في توسيع وتعزيز قدراتها، فإن من الحكمة التدقيق في القوى التي تقود هذا البرنامج وكذلك الدور الذي تلعبه الصواريخ في عقيدة الحرب غير المتماثلة لدى الجمهورية الإسلامية.
وخلال الأعوام الأخيرة، تطورت ترسانة إيران الصاروخية لتصبح الأضخم والأكثر تنوعاً في الشرق الأوسط، رغم أنها ليست الأشد فتكاً أو الأطول مدى. فقد طورت قوى إقليمية أخرى، مثل إسرائيل، قدرات هائلة أيضاً.
بالإضافة إلى تطوير قدرات عسكرية ذاتية ومحلية، فإن إسرائيل لم تزل ولعقود هي أكبر مستفيد من المساعدات الأمريكية، وقد حصلت على دعم عسكري وتكنولوجي غير مشروط من القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة. وفي عام 2008 أجاز الكونغرس قانوناً يقضي بأن تحتفظ إسرائيل "بتفوق عسكري نوعي على جيرانها". ولتكريس هذه السياسة أكثر فأكثر، فقد وقع الرئيس باراك أوباما قبل مغادرته منصبه بشهور قليلة على حزمة مساعدات لإسرائيل بقيمة 38 مليار دولار، وهو ما يعتبر أكبر حزمة مساعدات تلقتها أي دولة على الإطلاق.
إلا أن برنامج إيران هو الذي يعتبر في نظر الغرب أشد إثارة للخلاف، وهو الذي يجذب اهتماماً سياسياً وأكاديمياً أكبر بكثير من غيره في الجوار.
اقرأ أيضا: FP: إحياء الصفقة النووية يمنح أمريكا نفوذا أكبر على إيران
القدرات الناشئة
وتعود جذور برنامج إيران الصاروخي إلى سبعينيات القرن العشرين عندما كان الشاه يسعى إلى جعل إيران القوة الإقليمية المهيمنة. وقبل وقت قصير من سقوط النظام البهلوي، كانت إسرائيل منهمكة في تنفيذ مشروع بعدة مليارات من الدولارات لإدخال تحسينات على صواريخ أرض-أرض متطورة لبيعها لإيران، ثم سرعان ما توقف هذا البرنامج بشكل مفاجئ مع قيام الجمهورية الإسلامية.
ثم منذ الثورة التي اندلعت في عام 1979، لم تزل إيران –على النقيض مما عليه وضع خصومها في المنطقة– عرضة لحظر السلاح. وخلال الحرب مع العراق في ثمانينيات القرن العشرين، تعرضت القوات الإيرانية والمراكز الصناعية والسكانية لقصف صاروخي كثيف من قبل القوات العراقية. ومن رحم تلك المعاناة ولد برنامج إيران الصاروخي، حيث كانت طهران في البداية تستورد الأسلحة من بلدان مثل الصين وكوريا الشمالية وروسيا، إلى أن بدأت بالتدريج في تطوير قدراتها الذاتية المحلية.
إن نشوء برنامج إيران الصاروخي وتنامي قدرات البلد في هذا المجال لمما يسلط الضوء على الدور البارز الذي تلعبه الصواريخ في استراتيجية إيران الدفاعية الأشمل. وخلال السنوات الأخيرة، تبنى عدد من خصومها الإقليميين استراتيجيات الغرض منها مواجهة هذا التهديد المتصور.
ويعتقد أن إسرائيل تمتلك واحدة من أكثر الترسانات الصاروخية تقدماً في الشرق الأوسط. وفي نفس الوقت، ومن خلال التعاون مع الولايات المتحدة، أوجدت إسرائيل لنفسها منظومة دفاعية صاروخية متعددة الطبقات تشتمل على: الباتريوت، والسهم، والقبة الحديدية، ومقلاع داود. وفي مسلك مشابه، أبرمت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة صفقات للحصول على نظام ثاد Terminal High Altitude Area Defence (THAAD)، والذي هو منظومة دفاع جوي صاروخي من نوع أرض-جو، ويعتبر جوهرة التاج في منظومات الدفاع الصاروخية الأمريكية.
في مقاومة القيود المفروضة
أثناء المفاوضات التي تمخض عنها توقيع صفقة النووي في عام 2015، قاومت طهران بنجاح مساعي فرض قيود على قدراتها الصاروخية. ويذهب البعض إلى أن العقوبات المشددة التي فرضت على إيران كجزء من سياسة "الضغوط القصوى" التي مارستها إدارة ترامب نجحت في إضعاف إيران، وأنها في نهاية المطاف لا مفر من أن تخضع وتقدم تنازلات. لكنّ هذه الفكرة برمتها خاطئة بل ومضللة.
صحيح أن العقوبات وجهت ضربة قوية للاقتصاد الإيراني، وخاصة لقطاع النفط، ولكن تمكنت الجمهورية الإسلامية من الصمود والبقاء. بل ما لبثت صادرات النفط الإيرانية تتزايد منذ العام الماضي، ويتوقع أن ينمو اقتصاد البلاد في عام 2021. وعلى الرغم من أن إيران تضررت كثيراً بسبب جائحة كوفيد 19، فإنها أطلقت هذا الشهر حملة تطعيم ضخمة.
وبالرغم من التحديات الاقتصادية القائمة، فإنه يبدو أن الحكومة الإيرانية لا تواجه ما يستحق الذكر من معارضة منظمة على نطاق واسع. وكانت آخر مظاهرات ضخمة قد أجريت في أواخر عام 2019. وبالطبع فإن ذلك لا يعني أن كل شيء على ما يرام في إيران، بل تواجه البلاد الكثير من المشاكل، غير أن ما هو مؤكد أن سياسة الضغوط القصوى لم تجبرها على الاستسلام.
وتحتاج الولايات المتحدة والقوى الأوروبية وحلفاؤها في المنطقة إلى الاعتراف بأن لدى إيران هواجس أمنية، وينبغي عليهم التأمل في الأسباب التي تدفع إيران نحو الإصرار على امتلاك وتطوير قدرات صاروخية واستعدادها لدفع ثمن باهظ في سبيل تحقيق ذلك.
المشهد الأمني الإقليمي
يشير التباين الضخم في الإنفاق الدفاعي بين إيران وجيرانها إلى أن التوازن العسكري الشامل في الإقليم بحاجة إلى التفاوض بشأنه.
ويمتلك خصوم إيران في المنطقة أكثر الأسلحة الأمريكية والأوروبية تقدماً. ولا يمكن فصل برنامجها الصاروخي عن سباق التسلح الإقليمي، ولا يمكن التطرق له بما يكفي إلا ضمن حوار أوسع حول المشهد الأمني الإقليمي.
وفي الشهر الماضي دعا وزير خارجية قطر، البلدان العربية في الخليج إلى الدخول في حوار مع إيران. لقد آن للقوى الإقليمية أن تتفاوض حول بنية أمنية جديدة وأن تقر بما لدى مختلف مكونات المنطقة من مخاوف مشروعة.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)