هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتواصل جرائم القتل المتعمدة في مدن الداخل الفلسطيني المحتل؛ حتى وصلت مؤخرا حد استهداف قادة العمل الخيري من أبناء الحركة الإسلامية المحظورة والتي تتعرض لاعتداءات كثيرة منذ عدة سنوات على يد الاحتلال.
ويعتبر قتل القيادي في الحركة محمد أبو نجم قبل عدة أيام في مدينة يافا منحنى خطيرا تمر به مدن الداخل؛ حيث سبق ذلك محاولة اغتيال القيادي سليمان اغبارية بعد إطلاق النار عليه من مجهولين.
ويرى مراقبون أن جرائم القتل هذه باتت تهدف إلى تمزيق النسيج المجتمعي للفلسطينيين وسط تشجيع صامت من شرطة الاحتلال التي لا تقوم بأي دور لمنع الجريمة ومحاسبة مرتكبيها.
المحلل السياسي توفيق محمد من الداخل المحتل يقول لـ"عربي٢١" إنه بعد اندلاع هبة القدس والأقصى عام ٢٠٠٠ كان هناك قرار غير معلن من حكومة الاحتلال بتفكيك النسيج المجتمعي للفلسطينيين بالداخل.
وأوضح أنه قبل هذا العام لم تكن مدن الداخل تشهد مثل هذه الجرائم؛ ولم تكن حتى أحداث العنف موجودة أصلا بهذه الصورة، ولكن بعد هبة القدس والأقصى والتي شكلت علامة فارقة في الداخل خرج كل الفلسطينيين مع كل انتماءاتهم الدينية والسياسية للدفاع عن المسجد؛ باعتباره رمزا دينيا ووطنيا وفلسطينيا.
واعتبر محمد أن هذا الأمر كان ضوءا أحمر للاحتلال؛ فكان قراره غير المعلن بتفكيك النسيج الاجتماعي لأهالي الداخل منذ ذلك التاريخ، وبدأت بالفعل أحداث العنف تتصاعد بشكل غير مسبوق.
اقرأ أيضا: غضب بـ"أراضي48" بعد مقتل قيادي بالحركة الإسلامية (فيديو)
وأشار إلى أن شرطة الاحتلال عمدت إلى القضاء على عصابات الإجرام في المدن التي يسكنها المستوطنون كـ "نتانيا" و"كريات شمونة"؛ مبينا أنه في المقابل شهدت مدن الداخل تصاعدا في وجود عصابات الإجرام في كل المدن والقرى ولا يكاد يخلو مكان منها.
وأكد أن جرائم الاعتداء والقتل المتواصلة وصلت ذروتها في العام ٢٠٢٠ بواقع ١١٣ ضحية؛ كما تواصلت منذ بداية العام الحالي ووصلت حصيلتها إلى عشر ضحايا خلال أقل من شهر.
وأضاف: "ما يميز العام الحالي الجديد هو استهداف قيادات إسلامية كالدكتور سليمان أحمد الذي تعرض لمحاولة اغتيال؛ واغتيال القيادي محمد أبو نجم في يافا".
ورأى محمد أن أذرع الأمن الإسرائيلية بإمكانها القضاء على هذه الظواهر مثل السلاح المنتشر بسهولة؛ ولكنها تتعمد عدم القيام بذلك، حيث كان وزير الأمن الداخلي السابق "جلعاد أردان" صرح أن ٧٠٪ من السلاح يأتي من معسكرات قوات الاحتلال.
وأشار إلى أنه قبل أسبوعين تمت سرقة ٩٠ ألف رصاصة من معسكر للاحتلال؛ وأن هذه الكمية بحاجة لشاحنات وليس شاحنة واحدة ليتم تحميلها، متسائلا: "أين كانت العيون المراقبة إن وجدت؟".
وأكد أن الاحتلال معني بوصول الذخيرة لأيدي عصابات الإجرام بالداخل؛ وأن أحد الصحفيين الإسرائيليين قال معقبا على خبر سرقة الرصاصات إنها ستقتل من وُجدت لقتله، أي أنها أعدت لقتل الفلسطينيين سواء بالضفة وغزة أو ستصل لعصابات الإجرام وبالتالي سيقتل بها الفلسطينيون.
وقال محمد إن مسألة الجريمة موجودة في كل المجتمعات البشرية سواء العربية أو غيرها؛ ولكن هناك سلطة ودولة وقوة يتم عن طريقها ردع الجرائم، ولكن في الداخل ليست هناك دولة معنية بوقف هذه الجرائم.
وتابع: "لو كانت نسبة المجرمين في المجتمع ١٪ فهذا معناه ١٧ ألف شخص في مدن الداخل، وهذا باعتبار جيش كامل بإمكانه أن يخلخل أساسات المجتمع كله إذا لم توجد دولة تقاوم هذه الفئة الضالة".
وأكد أن ما ينقص مدن الداخل هو فقط وجود القوة الرادعة لهؤلاء لأن القوة الموجودة وهي الاحتلال تشجع وتغض النظر عن الجرائم، لافتا إلى أن التوعية والمحاضرات والندوات ولجان الإصلاح موجودة ولكن تغيب القوة التي تكبح جماح العنف الذي بات سرطانا يتفشى داخل المدن.
مجموعات حراسة
أما الناشط لؤي الخطيب فيقول لـ"عربي٢١" إنه لا توجد صدفة في قضية الجرائم بالداخل الفلسطيني المحتل.
ويرى بأن قضية إغفال فك ملفات هذه الجرائم هي في البداية كانت ضمن منهجية معينة؛ حيث توهم قوات الاحتلال القتلة ومن يرتكب هذه الجرائم أنه لا توجد محاسبة مهما فعلوا.
اقرأ أيضا: الخطيب لـ"عربي21": الاحتلال مسؤول عن محاولة اغتيال "إغبارية"
ويؤكد أن المجتمعات الأكثر سلمية لو كانت دون وجود شرطة تردعها لأصبحت الجرائم بازدياد لأن كل شخص سيفعل ما يحلو له، وأن ما يحدث بالداخل هو وجود ست عائلات ذات تاريخ في الإجرام ومعروفة لدى الجميع من أدواتها وعداءاتها ومعروفة أسلحتها ومن يعمل معها.
ويضرب الخطيب مثلا عن قضية قتل بين عائلتين قبل عدة سنوات راح ضحيتها ١٥٠ شخصا ولم تحرك الشرطة الإسرائيلية ساكنا في ملاحقة القتلة ولم تحقق أو تبحث في هذه الجرائم إلا مرة واحدة حين قُتل بالخطأ مستوطن خلال إحدى الشجارات، وحينها تم التحقيق والبحث والملاحقة خلف المتسببين بقتله واعتقالهم وإعطائهم أحكاما عالية.
ويرى الناشط بأن الاحتلال وضمن جرائم القتل اليومية والفوضى العارمة وإطلاق النار؛ تقوم المخابرات الإسرائيلية باستهداف النشطاء والقيادات الفاعلة، حيث يقومون مثلا بتسريب معلومة حول شخص ما أنه يحارب توزيع المخدرات وهو ما يجعله كفيلا بالاستهداف.
ويوضح بأن الاحتلال يقوم باستهداف هؤلاء الأشخاص المؤثرين بطريقة غير احترافية من أجل عدم الشك بأنه يقف وراء ذلك، لافتا إلى أن مقتل القيادي في الحركة الإسلامية محمد أبو نجم أمر مستغرب في ساحات الجريمة لأنه لا يوجد له أي نشاطات ضد الجرائم أو توزيع المخدرات؛ وهو ما يثبت أن الاحتلال يستغل الفوضى العارمة لاستهداف القيادات والفاعلين؛ وهو ما يساهم في التصعيد واستهداف الفلسطينيين لتفكيك النسيج المجتمعي بشكل نهائي.
أما الحل فيكمن بحسب الخطيب في الجهد الجماعي لدى من يتحلون بالقوة والجسارة ومن يستطيعون تخطي كل الحواجز والمعيقات القانونية، لأن الجرائم تحدث عادة تحت غطاء القانون الإسرائيلي.
ويضيف: "باعتقادي لا يفل الحديد إلا الحديد؛ وهذه المجموعات الإجرامية ليست لديها أي مرجعيات قانونية أو عشائرية أو عائلية لأن هناك غطاء قانونيا لن تسمح إسرائيل من خلاله بالاعتداء عليها ولا تسمح للقانون بأن يلاحقهم".
وأشار إلى أن أهالي مدينة كفر قاسم كانوا خاضوا تجربة في تشكيل لجان حراسة كانت تهدد المجرمين؛ وتشكلت من أشخاص لديهم انتماء ديني ووطني قاموا بتشكيل مجموعات للتصدي للجرائم والمجرمين، معربا عن اعتقاده أن هذا ربما يكون الحل الأكثر احتمالية في ظل عدم نجاح المسيرات وإغلاق الطرق.
وأوضح أن هناك حلا آخر يكمن في نقل المعركة للمدن التي يسكنها المستوطنون وإغلاقها بالمظاهرات أو نقل الثقل لعائلات الإجرام المعروفة لدى الجميع؛ بحيث أنه كلما حصلت جريمة قتل يتم التظاهر بالآلاف أمام منازل ومقرات العائلات المشاركة في الجريمة وتحميلها المسؤولية ودفعهم باتجاه كسر قوتهم.
وأكد أن تشكيل المجموعات الضاربة بالضفة كان نموذج مدرسة للتصدي لهذه المجموعات الإجرامية، وأن قضية التظاهر أمام مراكز الشرطة أصبح المجرمون يقابلونها باستهداف شخص في منطقة أخرى، وفي كل مرة يُعرف القاتل ولكن المواطنين لم يصلوا بعد إلى مرحلة كسر الحاجز ولكنهم اقتربوا منها كثيرا.