هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في مرسم داخل أحد أقدم الجبال في العاصمة الأردنية عمان (اللويبدة)، استطاع
الفنان التشكيلي الأردني، سهيل بقاعين تفجير مخيلة مكفوفين كليا وجزئيا ليبدعوا
لوحات فنية من خلال توظيف حاستي الشم واللمس!
"عبق اللون".. هذا ما أطلقه
بقاعين على مبادرته الفريدة من نوعها لتعليم الأطفال المكفوفين الرسم من خلال شم
الألوان وربطها بروائح طبيعية، فاستطاع الفنان ربط اللون الأحمر: برائحة بالكرز،
والأخضر بالنعناع، والأصفر بالليمون كي يتمكن الكفيف أو من لديه بقايا بصرية من
التعرف على اللون ورسم ما يتكون في مخيلته.
يقول بقاعين لـ"عربي21" إن "الهدف
من مبادرة عبق اللون هو كسر حاجز الخوف لدى من يعانون من مشاكل بصرية وحاجز اللون
والتفاعل مع الناس ودمجهم مع المجتمع من خلال العمل الجماعي، خصوصا أن مادة الرسم
غير متوفرة لهم في المدرسة".
ويتابع: "حاولنا خلق حالة جديدة
في الفن التشكيلي لإظهار مواهب الأشخاص من ذوي الإعاقة البصرية وإبراز قدرتهم على
الرسم، ولاقت هذه المبادرة إعجاب المجتمع حتى إن الملك عبد الله الثاني والملكة
رانيا زارا أكاديمية المكفوفين والتقيا الأطفال مما رفع من معنوياتهم".
وبدأت الفكرة عند بقاعين عندما ألهمته
وفاة والدته التي ضعف نظرها نتيجة مرض السكري، مما دفعه لتحويل وفاة والدته إلى دافع
لإبراز إبداعات الأطفال المكفوفين وذوي البقايا البصرية.
وكان التحدي بالنسبة لبقاعين هو كيف
يميز الكفيف ومن لديه بقايا بصرية الألوان؟ من هنا يقول: "لجأت إلى حاسة
الشم من خلال تخيل اللون بواسطة ربط اللون برائحة معينة ونجحنا هنا بمساعدة
الأطفال في استخدام الألوان والتمييز بينها".
ومن التحديات الأخرى، حسب بقاعين
"تحويل الإعاقة إلى طاقة وتحويل الخيال والحلم إلى حقيقة، وهنا اجتهدنا في التطوير
وكسر الحواجز، نحن كفنانين علينا مسؤولية مجتمعية ويجب أن تكون لنا بصمة، كان همنا
تنشيط مخيلة الكفيف ودفعه للإنتاج وتدريبه منذ الصغر من خلال أكاديمية الأطفال
المكفوفين".
يضيف: "ركزنا على الخيال وهو موطن
الإبداع، أومن بمقولة الرسام العالمي بيكاسو الذي قال إنه يرسم ما يحس وليس ما يرى،
عملنا على قراءة اللون من خلال الشم، وأضفنا شيئا لمخيلة 22 طالبا وطالبة، أبدعوا
وشاركنا في معارض ومسابقات عالمية مما عزز ثقة الأطفال في أنفسهم، بالإضافة
لمواجهة ما تعرضوا له من تنمر وعنف، وأسسنا لمهنة لهم في المستقبل".
بناء ذاكرة بصرية
يعمل بقاعين مع متطوعين مختصين بشؤون
الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية لتدريبهم على إنشاء ذاكرة بصرية قبل البدء بالرسم من
خلال ورشات تدريبية للتعرف على الأشياء من خلال حاسة اللمس والسمع.
المدربة وأخصائية التدخل المبكر للمكفوفين ايسل
أدهم تقول لـ"عربي21": "أستطيع بناء الخيال لدى طفلي الكفيف من
خلال وصفي الدقيق للمفهوم أو الشيء الذي بين يديه".
وتتابع: "عملنا على مفاهيم كثيرة
للكفيف وعملنا على بناء ذاكرة بصرية لهم، علمناهم عن طريق المجسمات والنماذج من خلال
حاسة اللمس مثل الحيوانات الأليفة، وهنا عملنا على الحساسية النفسية للمكفوفين
كسرنا حاجز الخوف من اللمس خصوصا للأعمار الصغيرة كي يشعروا بالأمان".
وتتابع: "علمناهم كيف يمسكون
القلم، والورق والدهان واللوحات، وعلمناهم رسوم الخطوط من خلال الخطوط النافرة
وتحسسها باليد".
الأطفال المكفوفون ومن لديهم بقايا
بصرية، عبروا عن سعادتهم بوجود مساحة توفر لهم مكانا للإبداع، تقول إحدى المشاركات:
"لا يجب أن نكون مبصرين كي نبدع نستطيع ذلك إذا ما توفرت لنا الإمكانيات
اللازمة، من التدريب، نحن نركز على الخيال والبصيرة، هذا جعلنا نتحدى
أنفسنا".
واستطاع الأطفال في المرسم ترجمة
مخيلتهم وأحلامهم للوحات فنية تحمل رسائل اجتماعية وسياسية.
ويعلق بقاعين في مرسمه "دارة
سهيل": "لوحات للأطفال تؤكد على عروبة القدس، ولوحات أخرى تنبذ العنف
المجتمعي، وأخرى للتوعية من آثار جائحة كورونا".
وحظي بقاعين بوسام الملك عبد الله
الثاني للتميز من الدرجة الثالثة نظير جهوده في مساعدة الأطفال المكفوفين على
الرسم.
ويحاول بقاعين أن يكرس مادة الرسم في
المدارس للأشخاص المكفوفين من خلال إثبات أن الإبداع مرتبط بالبصيرة وليس بالبصر،
كما يحاول تغيير نظرة المجتمع لهذه الفئة، وكسر الحواجز أمامهم.
ووظف الفنان التشكيلي الفن في مواجهة
ما يتعرض له الأشخاص ذوو الإعاقة من حواجز من خلال رسومات تنبذ التنمر والعنف،
داعيا المؤسسات الأردنية لدعم هذه المبادرات من أجل الاستمرارية.