هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أشار تقرير نشره موقع "بلومبيرغ" وأعدته دونا أبو ناصر، وترجمته "عربي21"، إلى أن السعودية تحاول التأكيد على المصالح الوطنية المحلية، في مرحلة حرجة تمر بها المملكة بدلا من التركيز على قيادة العالم الإسلامي والدفاع عن قضاياه.
وانشغلت المملكة السعودية منذ العهد الأول لتعاقب ملوكها على الاهتمام الكبير بالوزن الإقليمي والحضور الإسلامي بوصفها الدولة التي تعتبر نفسها راعية للحالة الإسلامية في العالم، رافضة أي شكل من أشكال المزاحمة على هذا الموقع.
واستشهدت الكاتبة في إطار بدء التقوقع السعودي والإنكفاء على الملفات الداخلية المختلفة على حساب الخارجية المعنية بالإسلام والمسلمين، بتصريحات دبلوماسي صيني في السعودية دافع فيها عن معاملة بيجين للمسلمين في إقليم تشنجيانغ، وسط شجب دولي بشأن معسكرات الاعتقال التي فتحتها بلاده لملايين المسلمين من أقلية الإيغور.
ولم تكن تعليقاته مهمة مثل المكان الذي نشرت فيه. ففي مقال نشرته صحيفة سعودية مهمة في تموز/يوليو قال الدبلوماسي الصيني تان بانغلين إن الحزب الشيوعي الصيني توحد مع مسلمي الإقليم بطريقة أدت إلى "تغيرات عظيمة".
وجاء هذا الكلام من القنصل العام الصيني في جدة التي لا تبعد سوى 70 كيلومترا عن أقدس البقاع لدى المسلمين وهي مكة. وفي وقت اتهمت فيه الولايات المتحدة وأوروبا الصين باضطهاد المسلمين الإيغور وغيرهم من الأقليات المسلمة.
وتعلق الكاتبة أن منح الدبلوماسي الصيني مساحة للدفاع عن سياسات بلاده يعكس الحسابات السياسية الجديدة في ظل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومنح الأولويات المحلية لسياسة أكثر انفتاحا وهو ما يخدمه جيدا في ظل تغير الإدارة الأمريكية رغم معارضتها لما يحدث في إقليم تشنجيانغ.
وترى الكاتبة أن الموقف السعودي بات يتشكل من خلال الحسابات التجارية والوقائع الجيوسياسية وظهور الطاقة النظيفة المنافسة للنفط والتحدي من تركيا على زعامة العالم الإسلامي.
وبدا هذا واضحا في موقف المملكة من القضية الفلسطينية التي ظلت وعلى مدى عقود تدعم حق الفلسطينيين بدولتهم، ولكنها اليوم أقل دعما لهم، وفي نفس السياق التزمت الرياض بالصمت من قضية المسلمين في كشمير واضطهاد حكومة الهند القومية لهم بل وأقامت علاقات تجارية معها في وقت باتت تتجه فيه باكستان نحو تركيا للتعاون معها.
وأشارت الكاتبة إلى أن جوزيف بايدن، الرئيس الأمريكي الجديد تعهد في أثناء حملته الانتخابية بمعاملة السعودية كدولة منبوذة. وذلك بعد أربع سنوات دافئة مع إدارة سلفه دونالد ترامب.
ولن تكون السعودية والحالة هذه، مرتاحة لحديث الإدارة معها بشأن حرب اليمن وحقوق الإنسان والموقف من إيران.
ويتوقع أن يحدث توتر في ملف الصحفي جمال خاشقجي، الناقد لولي العهد والذي اغتيل في داخل قنصلية السعودية بإسطنبول عام 2018. وبخاصة بعدما أعربت مديرة الاستخبارات الوطنية الجديدة أفريل هينز عن استعدادها لنشر تقرير المخابرات الأمريكية بشأن الساعات الأخيرة لجريمة قتل خاشقجي داخل القنصلية.
إلا أن التراجع عن التدخل في الخارج باسم الدفاع عن المسلمين قد يحقق بعض النقاط لدى السعودية عند إدارة بايدن.
اقرأ أيضا : MEE: كيف أثّر تقارب السعودية والهند على العلاقة مع باكستان؟
وتنقل الكاتبة عن المحللة إيملي هوثورن في مركز "ستراتفور" بتكساس والذي يقدم النصح لعملائه بشأن المخاطر الجيوسياسية "قد ينظر السعوديون إلى أن بناء دولة حديثة تركز على الاقتصاد أهم من مواصلة الحفاظ على دور القيادة للعالم الإسلامي".
وتضيف هوثرون: "هي مقامرة وقد تنجح من ناحية منح السعوديين بعض النفوذ". وحتى وقت قريب كان من النادر قراءة كلمات دافئة تمدح الحزب الشيوعي في الصحافة السعودية المطبوعة.
ففي الثمانينات من القرن الماضي سمحت المملكة لأبنائها بالسفر إلى أفغانستان والمشاركة في قتال الشيوعيين إلى جانب المجاهدين.
ومنذ تولي الملك سلمان الحكم عام 2015 توطدت العلاقات مع الصين. وقام مع ابنه بزيارات منفصلة إلى بيجين.
وفي رحلته عام 2019 بدا ولي العهد مدافعا عن اضطهاد الصين للمسلمين ووقع مع الحكومة اتفاقية بـ 10 مليارات دولار لبناء مجمع تكرير للبتروكيماويات.
وأعلنت شركة هواوي هذا الشهر عن فتح أكبر متجر لها خارج الصين في العاصمة السعودية. وأعلن وزير الاستثمار خالد الفالح في تغريدة عن "فرحته" بالأخبار.
وتقول أبو ناصر إن التغيرات بدأت بشكل بطيء بعد هجمات أيلول/سبتمبر 2001 التي شارك فيها 15 سعوديا من بين 19 مهاجما ولكنها تسارعت بعد صعود ولي العهد إلى السلطة قبل أربعة أعوام.
وبضغوط من الحكومة الأمريكية شنت الحكومة حملة ناجحة ضد خلايا تنظيم القاعدة في السعودية.
وقرر الملك عبد الله الإعلان عن 23 أيلول/سبتمبر كيوم وطني والاحتفال بتأسيس المملكة. وهو ما أغضب المحافظين الذين اعتبروا العيد الوطني مخالفا للإسلام.
ولكن محمد بن سلمان حد من سلطتهم بعد صعوده وسمح بالحفلات وبقيادة المرأة للسيارة وغير ذلك.
وتشير الكاتبة للخلاف التركي- الفرنسي الذي دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاتهام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتحريض في قضية قتل المدرس الفرنسي الذي عرض صورا مسيئة للرسول على تلامذته.
ولم يلم السعودية التي كانت كما تقول أول من يلام على الهجمات الإرهابية. وتشير إلى أن السعودية في ظل محمد بن سلمان، ستحاول الموازنة بين دورها في حماية وخدمة المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة وتسهيل الوصول إليهما وتوفير الخدمات وتوسيع الحرمين بشكل يسمح بمشاركة عدد أكبر من الحجاج.
وفي نفس الوقت أشارت القيادة السعودية إلى أن حل مشاكل العالم الإسلامي ليس واجبها. وبعد إلغاء الهند الوضع الخاص لكشمير في الدستور الهندي عولت باكستان التي تعتمد على تحويلات العاملين الباكستانيين على السعودية لتولي ملف الدفاع عن مسلمي كشمير، لكن الأخيرة لم تفعل.
وبدلا من ذلك عمقت الرياض علاقاتها التجارية مع الهند التي أصبحت مع مصر في الربع الثالث من 2020 من أكبر المستثمرين في السعودية.
وحلت تركيا محل الرياض في باكستان، حيث افتتح وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو قنصلية جديدة في إسلام أباد ووقع عددا من العقود منها عقد لصناعة الأفلام.
وتقول هوثورن إن السعودية ربما خسرت لعبة القوة الناعمة أمام تركيا في الوقت الحالي لكنها ربما تحاول متابعة لعبة أخرى، خاصة أن مستوى التضحية لدى تركيا بمصالحها الاقتصادية من أجل القوة الناعمة محدود.