هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالا للصحفية "نسرين مالك"، اعتبرت فيه أن على المملكة المتحدة التفكير بانحرافها الخاص نحو اليمين، لا سيما أن رئيس وزرائها، بوريس جونسون، قام أخيرا بانتقاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ضوء الأحداث الأخيرة في واشنطن.
واستهلت "مالك" مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، بالإشارة إلى أن الكاتب أليستر كوك قال ذات مرة: "كما هو الحال دائما، يُصدم البريطانيون بشكل خاص من الابتذال الأمريكي الأخير، ثم يحتضنونه بحماس بعد عامين".
وبحسب الكاتبة، فإن تلك طريقة لطيفة للقول إن البريطانيين يتخلفون دائما عن الأمريكيين ببضع سنوات، ويقلدونهم ثم يتظاهرون بأنهم توصلوا بأنفسهم إلى ما يحاكوه، أو توصلوا إلى نسخة بريطانية فريدة منه.
وعلى سبيل المثال، فإن تورط بريطانيا في حرب العراق كان إلى حد كبير -كما كتب الرئيس جورج دبليو بوش في مذكرة داخلية قبل أشهر من العمل العسكري- مسألة اتباع للقيادة الأمريكية. ويتوقف قدر كبير من العلاقة الخاصة بين البلدين على هذه المظاهر، حيث يمكن للطبقات السياسية البريطانية -التي ترغب بالادعاء دائما بأن أمتها هي المتفوقة بين الأمتين وأنها القوة العظمى الأصلية- الإعجاب والطاعة أثناء التمسك بتخيل أن المملكة المتحدة بلد أكثر انضباطا وأقل عرضة لتجاوزات الطرف الآخر.
وضربت مارجريت تاتشر على هذين الوترين، متزلفة للرئيس الأمريكي، رونالد ريغان، عندما قالت إنهما "لديهما معتقدات متطابقة تقريبا"، على الرغم من أنهما من "خلفيتين مختلفتين تماما". وفي أول زيارة لها إلى البيت الأبيض، قالت إن البلدين "متشابكان بشكل لا ينفصم"؛ لأن جورج واشنطن نفسه "كان من الرعايا البريطانيين حتى بعد عيد ميلاده الأربعين".
لكن بعد ذلك أصبح دونالد ترامب رئيسا وأزعج هذا التوازن الدقيق بين التملق والغطرسة. لقد تباهى علنا بالتأثير على بريطانيا الذي كان دائما يمارس في الخفاء، وأهان تيريزا ماي، وأهان عمدة لندن صادق خان، وانتقد دوق ودوقة ساسكس.
وبحسب الكاتبة، فقد تباهى ترامب بقوة أمريكا وابتذالها دون أي صقل لأي خطاب أو التزام بأي بروتوكول. وأصبحت الدولة التي يرأسها أكثر من مجرد دولة يسودها التساهل غير اللائق، بل أصبحت مكانا أكثر قتامة، حيث خرج المتعصبون البيض، بدعم من البيت الأبيض نفسه، في الشوارع.
ومع تراجع السمعة هذه، أصبح لأمريكا ترامب فائدة جديدة للبريطانيين: فهي ليست مكانا تتطلع إليه بريطانيا سرا، بل مكانا تختلف عنه بريطانيا؛ مكانا يوضح لماذا يجب عدم مقارنة الأشياء هنا بمدى سوء الوضع هناك. دولة تصارع مشاكلها، بينما نرقبها من مسافة آمنة ونأسف على تدهورها.
سواء كانت حروب أمريكا الثقافية، أو أزمتها العرقية، أو خضوعها لسياسات اليمين المتطرف وتفوق البيض، فهذه أشياء لا تنطبق بدقة مع خطوط الصدع البريطانية. فأمريكا المسكينة، كما وصفتها الكاتبة، هي ذلك البلد الذي لم نعد نشارك فيه المعتقدات أو التاريخ المتشابك بشكل لا ينفصم.
وبدأ التباعد بشكل جدي في صيف حركة احتجاجات حياة السود مهمة، لكن اقتحام مبنى الكابيتول كان الخط الفاصل الأخير.
اقرأ أيضا: جونسون ينتقد ترامب ويتهمه بتحريض المتظاهرين
ووفق "مالك"، فقد أصيب بوريس جونسون بالذهول من "المشاهد المخزية"، وأدان "بلا تحفظ" تحريض ترامب للجمهور، على الرغم من أنه لم يكن لديه الكثير ليقوله عندما كان ترامب يبني الزخم للتمرد في الأسابيع السابقة.
وكان انتقال رئيس الوزراء من المشاهدة إلى الإدانة النشطة جزئيا، لأن المشاهد في واشنطن العاصمة كانت صادمة للغاية بحيث لا يمكن السكوت عنها. لكن العامل الأكثر أهمية هو أن ترامب في طريقه للخروج، ويمكن التنصل منه دون التعرض لخطر رد فعل أو أزمة دبلوماسية، "ولو حدثت الأحداث في مبنى الكابيتول في منتصف فترة رئاسة ترامب، كنت أراهن على أن الكثير من المسارعة في التنديد، من تويتر إلى جونسون، كان سيغيب"، بحسب الكاتبة.
ومرة أخرى، تساعد الظروف المملكة المتحدة على النأي بنفسها، والتظاهر بأنها لم تكن متواطئة في صعود ترامب، وأنه لم يكن هناك أي مساعدة وتحريض من الرئيس وأنصاره المتطرفين (على الرغم من رفض إدانة حظره السفر لأمريكا على المسلمين، وفرش "أكثر السجاد الأحمر حمرة" في استقباله).
وتخدم المشاهد في الكابيتول غرضا مفيدا، وهو حجب المسار الذي أدى إلى درجات المبنى: بالصور الملونة والغنية للغاية، ومع العديد من الشخصيات الحيوية، ننشغل بالتفاصيل، ونفشل في رؤية كل شيء، الشرايين التي تغذيهم.
وكان التمرد مجرد نقطة واحدة في سلسلة متصلة لا تشمل ترامب والحزب الجمهوري فحسب، بل مساحة بأكملها من السياسات المحافظة، وهو يشمل أولئك في الكونجرس الذين لم يتنصلوا تماما من ترامب، والنقاد المحافظين المحترمين الذين، حتى لو نبذوا أفعال الرئيس الأكثر تطرفا، لا يزالون يرددون مزاعمه، مثل النخبة اليسارية المتآمرة التي تكره "أمريكا الحقيقية". إن العلاقة التي تربط ترامب بالعنصريين البيض في الشارع أكثر عمقا مما يخدم الكثيرين أن يعترفوا به، وفق "مالك".
وفي المملكة المتحدة، "نحن عرضة لنفس دوافع الإنكار – استخدام الأحداث الكبيرة في الأسابيع القليلة الماضية للادعاء بأن الاختلاف في الدرجة يعني الاختلاف التام. والحقيقة هي أنه على الرغم من عدم تعرض البرلمان للاقتحام، فقد تعرض أعضاء البرلمان البريطاني للتزاحم وسوء المعاملة وهم في طريقهم إلى العمل من مؤيدي بريكسيت، واغتيل أحد هؤلاء النواب على يد قومي يميني متطرف، وكاد أن يُغتال آخر".
وبحسبها، فإن حرب الثقافة البريطانية قوية للغاية، لدرجة أن لدينا "غوغاءنا" الذين يتشاجرون مع الشرطة، ويستجيبون لصفارات الكلاب من حكومتنا. لدينا أقسام محترمة في وسائل الإعلام تنشر نظريات تآمرية حول اليقظة والنخبة، والآن تعظ ضد ارتداء الأقنعة والإغلاق. عندما يخرج اليمين المتطرف إلى الشوارع، ويودي بحياة الأبرياء ويهاجم الديمقراطيات، يكون ذلك نتيجة كم هائل من التواطؤ والرضا عن النفس.
وتختم بالقول: "مثل بانوراما، عندما تجتمع هذه التفاصيل معا فإنها تخلق صورة أكبر. اليوم تلك الصورة هي دونالد ترامب. عندما يرحل، سيتم تفكيك بانوراما الصور مرة أخرى، وستختار كل من أمريكا والمملكة المتحدة عدم رؤية ما يمكن أن تخلقه هذه القطع معا".