هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر: شهادة سامي شرف" (سبعة أجزاء)
المؤلف: سامي شرف
الناشر: المكتب المصري الحديث، 2018
ما أكثر كتب المذكرات والشهادات التي صدرت عن عصر جمال عبدالناصر، على مدار أكثر من نصف قرن منذ رحيله في 28 أيلول (سبتمبر) عام 1970. أيضاً ما أكثر الكذب المزيف فيها والمغالط على نحو فادح، وما أندر الجاد الجدير بالاحترام بينها، الذي يتوخى أصحابه الصدق والموضوعية، ما وسعتهم الطاقة، فللأسف وظف عدد كبير من هذه الكتب، التي توالى صدورها بغزارة منذ حقبة سبعينيات القرن العشرين وإلى الآن، ضمن حملة مغرضة واسعة يسعى أصحابها في الخارج وتابعوهم في الداخل، إلى تشويه و"اغتيال" مرحلة بعينها هي العصر الذي قاده في مصر والوطن العربي جمال عبدالناصر.
وعلى الرغم من مرور عقود على العصر وعلى رحيل الرجل، إلا أن المقصود بوضوح وجلاء، هو أن تذهب بغير رجعة سياسات وتوجهات العصر وزعيمه، وألا يعود ما تمثله "جمهورية ناصر" من نهج ومشروع، من أفكار ومبادئ وقيم، وبتعبير مشهور منشور مراراً: (لا نريد عبد الناصر آخر!.. لا نريد زمن جمال عبد الناصر في مصر!) ـ وهو تعبير تكرر بالنص هكذا على ألسنة ساسة أمريكيين صهاينة وإمبرياليين عبر أوقات وحقب (ومن وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر في السبعينيات إلى السيناتور الأمريكي جون ماكين وغيرهما).
صدرت كتب ومذكرات كثيرة من نمط، وعلى طريق: "التزييف الكامل والأكاذيب بلا حدود" الذي بلغ ذروته في مذكرات كل من الرجلين اللذين تصدرا كحاكمين للبلاد في فترات: "محمد نجيب" و"أنور السادات"، صدرت كتب ومذكرات كثيرة، وقد أصدر نجيب مذكراته بعناوين مختلفة في ثلاث طبعات (متناقضة: يكذب بعضها بعضاً، إذ يروي الواقعة في كل منها على نحو "عكس" الأخرى تماماً!)، بينما أصدر السادات مذكراته وهو على رأس نظام الحكم في السبعينيات تحت عنوان "البحث عن الذات"، وفي واقعة فريدة من نوعها قرر الرجل أول وثوبه إلى سلطة الرئاسة أن "يصادر" بنفسه كل الكتب التي كتبها بنفسه خلال عصر عبدالناصر، لأنه فيها لم يكن يستطيع أن يزيف في رواية وقائع، بينما مضى "وهو رئيس!" يغير في الوقائع "براحته" في مذكراته أو "بحثه": "البحث عن الذات"!. وعلى سبيل المثال كما يقول سامي شرف في كتاب مذكراته عن أشهر كتب السادات القديمة "يا ولدي هذا عمك جمال": "لقد سحب أنور السادات هذا الكتاب من الأسواق.. وأعدم النسخ كلها"!!.
(2)
ليست كثيرة بل نادرة كتب المذكرات التي حرص أصحابها على الصدق والموضوعية، قدر الإمكان والطاقة، ونحسب أن في مقدمة هذه الكتب، مذكرات شخصيات رئيسية قليلة في تاريخنا الحديث، بينها "ثلاثة وزراء كبار" من عصر عبدالناصر، هم: د.ثروت عكاشة وزير الثقافة وأحد أبرز الضباط الأحرار الذين قام تنظيمهم بالثورة في 23 تموز (يوليو) 1952، ووزير الخارجية محمود رياض رجل الدبلوماسية العتيد في عصر ثورة يوليو، وسامي شرف وزير الدولة وسكرتير الرئيس جمال عبدالناصر للمعلومات.
الحق أن كتاب مذكرات سامي شرف يرتقي إلى جهد "كتابة التاريخ" من خلال صيغة"المذكرات" و"الشهادة" خصوصاً في مناطق معينة كثيرة منه. وإنه لكتاب حافل بفصول متميزة، لا غنى عنها بالفعل للباحث "الحقيقي" في حقبة جمال عبدالناصر.
إنه لا غنى ـ في اعتقادنا ـ لمن يسعى إلى فهم حقيقي ورأي جاد ـ بأمانة وموضوعية وتجرد ـ حول هذه المرحلة "الحقبة الناصرية"، عن أن يطالع، ويرجع إلى هذه الكتب للوزراء الثلاثة الكبار، جنباً إلى جنب مع كتب "التأريخ" التي كتبها بتوسع الصحفي والمفكر والمؤرخ محمد حسنين هيكل خاصة في موسوعته "حرب الثلاثين سنة" (أربعة أجزاء)، حافلة بالوثائق ـ غير المتاحة في مراجع أخرى ـ وأيضاً كتابيه "عبدالناصر والعالم"، و"سقوط نظام ـ لماذا كانت ثورة يوليو 1952 لازمة؟". إضافة إلى مجموعة (الكتب ـ الدراسات المعمقة) للوزير والمفكر أمين هويدي، ومجموعة (الكتب ـ الوثائق بالغة الأهمية) للقيادي والمناضل فتحي الديب، أحد أقدر وأنبل شخصيات دولة عبدالناصر، الذي لم يلق للأسف حتى الآن ودوره الدؤوب العروبي والثوري ما يستحق من تقدير وعرفان.
أما في الشأن العسكري، فإن كتب كل من العسكريين الكبار: محمد فوزي ـ سعدالدين الشاذلي ـ عبد الغني الجمسي ـ حسن البدري وغيرهم، ضمن الكتب التي لا غنى على الإطلاق عن مطالعتها والرجوع إليها بكامل العناية والاهتمام.
(3)
من بين ما ذكرنا، نتوقف هنا أمام أحد المراجع الرئيسية، وهو كتاب "شهادة سامي شرف"، كما عنونه صاحبه.
وقد أصدر مذكراته مرة في جزئين كبيرين، ثم أعاد نشرها في طبعة موسعة في خمسة أجزاء إلى جانب حوار معه في جزئين ـ حول نفس شئون وشواغل المذكرات (أجراه معه الكاتب الكبير عبدالله إمام)، وهذه الأجزاء السبعة صدرت تباعاً تحت عنوان: "سنوات وأيام مع جمال عبدالناصر ـ شهادة سامي شرف" (عن "المكتب المصري الحديث" ـ القاهرة، وصدر آخر الأجزاء عام 2018).
والحق أن كتاب مذكرات سامي شرف يرتقي إلى جهد "كتابة التاريخ" من خلال صيغة"المذكرات" و"الشهادة" خصوصاً في مناطق معينة كثيرة منه. وإنه لكتاب حافل بفصول متميزة، لا غنى عنها بالفعل للباحث "الحقيقي" في حقبة جمال عبدالناصر.
وتتنوع الفصول وعناوينها ما بين: صنع القرار في تجربة عبدالناصر ـ عبدالناصر والتنظيم السياسي ـ ثورة يوليو والتنمية ـ عبدالناصر والشباب ـ عبدالناصر والصحافة.. الثقافة.. الفنون ـ عبدالناصر وثورة اليمن ـ الأزمة مع محمد نجيب ـ ثورة يوليو وحزب الوفد ـ ثورة يوليو والشيوعيون ـ ثورة يوليو والإخوان المسلمون ـ حكاية إعادة تنظيم القضاء ـ الرحيل وترتيبات الخلافة ـ السادات رئيساً.. والافتراق عن خط جمال عبدالناصر ـ "15 مايو 1971": تحديد الإقامة.. فالمحاكمة ثم السجن.
كما يوجد فصل متميز جداً عنوانه "أحاديث المعمورة" سنعود إليه..
(4)
في كتاب مذكراته يقول كلاماً منصفاً جميلاً، في محله تماماً عن "سامي شرف"، السفير والسياسي المصري المعروف الدكتور مراد غالب.
الكتاب بعنوان: "مع عبدالناصر والسادات ـ سنوات الانتصار وأيام المحن" الصادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر. ومن ذلك قوله (الطبعة الأولى عام 2001 صفحة 167):
ـ "كان الأستاذ سامي شرف يتفانى في خدمة الرئيس جمال عبدالناصر ويفضله على عائلته وإخوته أنفسهم.. وكان يدير سكرتارية الرئيس للمعلومات بكل كفاءة وإخلاص، لديه ذاكرة حديدية فكان يمثل أرشيفاً حياً، أو: الإنسان الأرشيف. وكنت أسأله عن بعض الأشخاص الذين قابلتهم ووجدته يعرفهم، ويعرف تفاصيل مذهلة عنهم، وكان حاضر الإجابة عن أي استفسارات للرئيس".
ومع هذه الحقيقة المعروفة، التي يؤكدها هنا "غالب"، فإن "شرف" في مذكراته لم يعتمد فحسب على "ذاكرته الحديدية" هذه، وإنما استند إلى وثائق أشار إليها باستمرار، على مدى عرضه للقضايا التي تتناولها فصول كتابه، والمراحل والمواقف التي يقدمها بتفصيل وتدقيق.
ولهذا فإن كتاب شرف، خاصة في عدد غير قليل من فصوله، يقدم ـ فيما نعتقد ـ "كتابة تاريخية" حقيقية، وإن كانت عبر طابع "المذكرات" أو صيغة "الشهادة".
ومن ذلك فصله المدهش، بعنوان: "صنع القرار في تجربة عبدالناصر" (سوف نعود إلى التنويه بقيمته الخاصة)، وفصل "عبدالناصر والتنظيم السياسي" (عن مجمل المراحل والقضايا المتعلقة بقضية الديمقراطية في تجربة الدولة والثورة الناصرية)، وفصل "الأزمة مع محمد نجيب" (وفيه يعرض بتدقيق لما عرف بأزمة مارس 1954)، وفصل "عبدالناصر والإخوان المسلمون"، وفصل "عبدالناصر وثورة اليمن"، وفصل "حكاية إعادة تنظيم القضاء"، وفصل "رحيل عبدالناصر وترتيبات الخلافة".. وكذلك في فصول عدة أخرى من الكتاب، يلحظ قارئها بوضوح طابع "التأريخ" بحق، وليس مجرد طابع المذكرات الملحوظ أكثر من أي شيء آخر في فصول غيرها.
ولأن الكتاب (متعدد الأجزاء) لسامي شرف، ثري للغاية حافل، فإنه يصعب تقديم عرض أو تناول واحد أومحدود له، لذا سوف نختار الآن التوقف أمام جوانب وزوايا، مشاهد أو لقطات..
(5)
مما نطالعه هنا إشارة إلى أن بعض الأسئلة المتعلقة بشخصيتي وأدوار "عبد الحكيم عامر" و"أنور السادات"، وكذلك "حسن التهامي": "بحاجة إلى إجابات شافية عنها". ولنتوقف مثلاً أمام بعض الزوايا والنقاط المتعلقة "بشخصية ودور وأداء السادات".
يتحدث عنه كتاب شرف في مواضع: (كما في الطبعة الأولى في فصل "الرحيل وترتيبات الخلافة" ـ عن مكتبة مدبولي ـ وفي الطبعة التالية الموسعة في فصل بنفس العنوان، ثم في فصل جديد بعنوان "مراجعة الأحداث ـ محاولة للتقييم"، في الجزء الخامس أو ما يصفه المؤلف "بالكتاب الخامس ـ عن المكتب المصري الحديث).
وفي هذا الأخير يشير المؤلف إلى قول السادات في كتاب سيرته الذاتية الذي أصدره في فترة حكمه بعنوان "البحث عن الذات":
"كان الملك فيصل صديقاً شخصياً لي منذ واحد وعشرين عاماً وبالذات منذ المؤتمر الإسلامي في 1955، وكان وقتها ولياً للعهد، وبرغم حرب اليمن ظللنا أصدقاء".
ويضيف السادات: "عندما ذهبت إلى المغرب لأحضر أول مؤتمر إسلامي يعقد من أجل المسجد الأقصى بدلاً من الرئيس عبدالناصر، أبلغني الملك الحسن أن الملك فيصل قال له: "إذا أراد الله لمصر خيراً يحكمها السيد أنور السادات!!".
على هذا النص يعلق سامي شرف: "وهو تصريح غريب إن صح صدوره فعلاً عن الملك فيصل، وكان همرة الوصل بين أنور السادات والملك فيصل: كمال أدهم شقيق زوجة الملك فيصل، ورئيس جهاز المخابرات السعودي، وهو أحد أقوى الشخصيات السعودية في ذلك الوقت وكان شخصية أسطورية بالغ الثراء، كما لم يعد سراً الآن فوق ذلك أن كمال أدهم كان يمثل المخابرات المركزية الأمريكية في المنطقة وأحد العناصر المهمة في تنفيذ استراتيجيتها في الشرق الأوسط".
"إن السعوديين كانوا يقدمون مساعدات منتظمة إلى أنور السادات، ومن المستحيل تحديد أين تنتهي المصالح السعودية وأين تبدأ المصالح الأمريكية".
وفي هذا الموضع أيضاً يشير سامي شرف إلى ما كتبه "بوب وود وورد" ـ الصحفي الأمريكي الشهير ـ عن السادات في كتابه "الحجاب.. الحروب السرية لسي آي إيه من 1978 ـ 1981"، ومن ذلك قول المؤلف:
ـ "إن السعوديين كانوا يقدمون مساعدات منتظمة إلى أنور السادات، ومن المستحيل تحديد أين تنتهي المصالح السعودية وأين تبدأ المصالح الأمريكية".
وهنا أيضاً يكتب شرف ما نصه: "كما ذكر بوب وورد" أن السادات كان يبلغ الملك فيصل بكل ما يدبر ضده في القاهرة عن طريق كمال أدهم".
ويأتي شرف بالنص الأصلي من صفحات كتاب "الحجاب" بالملحق الوثائقي ـ كما يشير في هامش ـ مضيفاً: "هذا قليل مما ذكره هوجلاند في مقاله، علاوة على ما ذكره أيضاً "بوب وورد" في كتابه "الحجاب"، وما نشره كذلك كذلك "ويلبور كرين إيفلاند" في كتابه (Ropes of Sand) الصادر في 1980 الصفحات 99، 323، 327، 330، 331، 351، 353، 360، فيما يخص الرئيس أنور السادات".
وذكر شرف أيضاً ما كتبه في هذا الخصوص والمعنى ـ وهو بالغ الأهمية والخطورة ـ ويليام كولبي مدير المخابرات المركزية الأسبق في مذكراته التي تحمل عنوان "رجال شرفاء".
(6)
في الفصل السادس والعشرين من هذا الجزء (الكتاب الخامس ـ الصادر عن المكتب المصري الحديث) نقرأ لسامي شرف ما نصه، في نفس هذا الموضوع (عن علاقات السادات بالمخابرات الأمريكية): "فضحت مجلة الواشنطن بوست في عددها رقم 29253 بتاريخ 25 فبراير 1977 هذه العلاقات، كما نشرت "دارين كايز" كتاباً عن تفاصيل العلاقات بين السادات والجهات الأجنبية بشكل مفصل والكتاب بعنوان "عقارب وضفادع". كما أصدرت مجلة "ريدرز دايجست" الأمريكية عدد شهر أيار (مايو) 1980 وجاء في صفحة 72 من هذا العدد اعتراف من أحد الأمراء السعوديين لم يذكر اسمه، عن توجيهات كانوا يبعثون بها للسادات..".
وهنا يعلق سامي شرف: "لو كنت علمت بما دار في الاتصال بين الرئيس السادات وكمال أدهم أو الأمير السعودي الذي جاء ذكره في مجلة "ردرز دايجست" في حينه، ولو كان الرئيس السادات مراقباً من جانبنا كما ادعى هو وحوارييه فيما بعد أحداث مايو 1971، لتغيرت مجريات أمور وأحداث كثيرة وغن اقتضى الأمر أن أتصرف وحدي وعلى مسئوليتي الشخصية بدافع أخلاقي ـ قبل أن يكون وطنياً ـ للتحرك في حينه لتعديل المسار".
وأضاف هنا شرف أيضاً: "الملفت للنظر أنه بعد نشر هذه الكتب والمقالات، لم تقم أي دولة أو ملك أو رئيس دولة باتخاذ أي إجراء قانوني كرفع قضايا قذف مثلاً أو طلب التحقيق أو رد إعلامي على ما ورد به من اتهامات خطيرة للملوك والرؤساء العرب وغيرهم، فيما عدا الملك حسين الذي اعترف بتقاضي أموال من المخابرات المركزية الأمريكية وأنه يتولى صرفها على أجهزة الأمن الأردنية".
(7)
أيضاً في هذا الفصل والموضع من الكتاب، يذكر شرف فقرات بالغة الأهمية والخطورة من كتاب محمد عبدالسلام الزيات ـ نائب رئيس الوزراء في فترة من عهد السادات ـ وعنوانه: "السادات: القناع والحقيقة" (كتاب الأهالي رقم 81 عام 1989)، ومنها (صفحة 168، 178) ما نصه: "وفي أقل من شهر من تولي السادات رئاسة الجمهورية ظهر على المسرح المصري كمال أدهم، وأخذ يتردد على القاهرة، بتحفظ في بادئ الأمر، ثم أخذ تردده صفة الانتظام بعد التخلص ممن أسماهم السادات بمراكز القوى، وتمركزت كل السلطات في يده، أصبحت الاجتماعات يومية في حالة وجود كمال أدهم في القاهرة أو مع السفير السعودي في ذلك الحين "هشام الناظر" ـ فيما أذكر ـ في حالة غياب كمال أدهم عن القاهرة، أو عن طريق قنوات الاتصال التي أنشئت بين مصر والسعودية، ثم بين مصر وأمريكا، واستطاعت السعودية من خلال كمال أدهم أن تعيد ترتيب الأوضاع في مصر بما يساير الاستراتيجية الأمريكية..
إنه لا غنى ـ في اعتقادنا ـ لمن يسعى إلى فهم حقيقي ورأي جاد ـ بأمانة وموضوعية وتجرد ـ حول هذه المرحلة "الحقبة الناصرية"، عن أن يطالع، ويرجع إلى هذه الكتب للوزراء الثلاثة الكبار، جنباً إلى جنب مع كتب "التأريخ" التي كتبها بتوسع الصحفي والمفكر والمؤرخ محمد حسنين هيكل
وعندما تعددت لقاءات الرئيس السادات مع كمال أدهم، أذكر أنه في حديث لي مع محمد حسنين هيكل أبدى غضبه الشديد وطلب مني أن أوجه نظر الرئيس السادات إلى أن كمال أدهم كبير عملاء المخابرات الأمريكية C.I.A في المنطقة العربية، وأن اسمه مسجل ومنشور على الكافة باعتباره في مقدمة هؤلاء العملاء المسئولين عن المنطقة العربية. ولكنني طلبت من هيكل أن يوجه هو شخصياً الرئيس السادات إلى هذا الأمر لأنه أقدر مني على إقناعه في هذه الناحية".
وهنا يشير الزيات إلى أن هيكل حتى لو فعل (لما كان في مقدوره أن يبعد كمال أدهم، فالعلاقة بين الإثنين علاقة عضوية وكل منهما يمثل امتداداً للآخر". ثم يشير إلى قول السادات في كتابه "البحث عن الذات" أنه منذ منظمة المؤتمر الإسلامي في سنة 1955 صديق للملك فيصل وكان وقتها ولياً للعهد، ثم قول السادات: "وبرغم حرب اليمن ظللنا أصدقاء"، معقباً: (وقد يلقي هذا القول الضوء على دور السادات في حرب اليمن والذي أشار إليه بعض الكُتاب والمعلقين).
وهنا يقطع سامي شرف ما يذكره على لسان الزيات في كتابه بالغ الأهمية، ليقول "أمراً غير عادي!": ولذلك نقدمه بنصه كاملاً: "هنا أجد نفسي مضطراً لقطع السياق لأسجل واقعة تاريخية خطيرة جداً اعتقد أن الرئيس السادات كان يخشى أن أصرح بها أثناء المحاكمة المهزلة في إنقلاب مايو 1971. خلاصة هذه الواقعة، وأقول الخلاصة لأني لن أتعرض لتفاصيلها احتراماً مني لاعتبارات الأمن القومي، فلقد أخبرني الدكتور أشرف مروان عقب خروجي من السجن سنة 1981: أن الرئيس أنور السادات أبلغ الملك فيصل عن طريق كمال أدهم عن العملية التي كان من المفروض أن تتم بإحداث تغيير لنظام المملكة إلى نظام جمهوري سنة 1963، بواسطة بعض ضباط القوات المسلحة السعودية" ـ (يرد هنا هذا الهامش في كتاب شرف: لمزيد من التفاصيل راجع "الأمير طلال شاهد على عصر الملك عبدالعزيز وأبنائه" ـ المكتب المصري الحديث القاهرة 2005).
واستكمل شرف: "وكانت تتم اتصالات بيني وبين بعضهم في الفترة من سنة 1961 حتى 3 فبراير 1964، في بعض البلدان الأوروبية إلى ان أبلغني أحد الضباط في لقاء تم معه في مدينة كوبنهاجن أنهم متأكدون من أن هناك تسريباً يتم للعملية للسلطات السعودية من القاهرة، ولما عدت وأبلغت الرئيس جمال عبدالناصر بهذه المعلومة الخطيرة، أمر بأن اتولى وحدي هذه العملية ولا يخطر السيد أنور السادات بأي جديد.
وكان سبب هذا القرار أن ثلاثة فقط هم الذين كانوا على علم بهذه العملية: الرئيس والسادات وسامي شرف، فقرر الرئيس جمال عبدالناصر آخذاً بالأحوط أن تقتصر علي ـ فقط ـ هذه الاتصالات!. أرجو حرصاً مني على مقتضيات الأمن القومي أن أكتفي بهذا القدر من المعلومات بخصوص هذه القضية الهامة على الأقل في الوقت الحاضر. كما ان هناك ثلاثة مواضيع خطيرة أخرى لا أستطيع أن أصرح بها الآن لأسباب تتعلق بالأمن الوطني والقومي، وهذه المواضيع مكتوبة ومودعة في مكان أمين لتنشر في الوقت المناسب ولو بعد وفاتي بمعرفة الورثة". (انتهت ملاحظة سامي شرف).
(8)
ثم يواصل سامي شرف ذكر فقرات لها أهميتها الخاصة من كتاب الزيات، منها: "يلقى حيم هوجلاند محرر الشؤون الخارجية في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في عدد الصحيفة الصادر في 25 فبراير 1977 ـ الضوء على هذه العلاقة بين الرئيس السادات وكمال أدهم، مستقياً معلوماته من وثائق لجنة التحقيق التي شكلها الكونجرس الأمريكي للتحقيق في تجاوزات المخابرات الأمريكية برئاسة واحد من أبرز أعضاء الكونجرس الأمريكي وهو السناتور "تشرش" حيث يشير إلى إحدى هذه الوثائق التي تؤكد أن أنور السادات قد عمل في أوائل الستينيات مع كمال أدهم الذي كان رئيساً للمخابرات المركزية الأمريكية في المنطقة. وقد قام السادات بدور جوهري يعتبر خدمة كبرى للمصالح الأمريكية، وذلك بان حفظ العرش السعودي مما أطلقت عليه الوثيقة "مؤامرات جمال عبدالناصر" لأن السادات كان يبلغهم بها. وأذكر أن الرئيس السادات في هذه الفترة كان يتولى مسؤولية الجانب السياسي في حرب اليمن".