هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ثمة شيء لا يظهر في بيانات وإحصائيات الطب، النبل والرأفة التي تدخل في جينات الإنسان تماما كما هي فصيلة الدم ولون العيون والحمض النووي.
موقف واحد أثار عاصفة إعلامية دولية حول طبيب خرج من المعطف الأبيض والنظارة السميكة وسماعة الفحص وقرر مسامحة جميع مرضاه وشطب ديونه عليهم.
وفيما يروي المقربون عنه، فهو من أكثر الناس طيبة ورحمة.
شخص وصف من معارفه بأنه "عطوف للغاية". ولديه علاقة "حب مؤثرة" بالقلب والروح مع المرضى الذين عالجهم لقرابة 30 عاما.
لم يتوان الدكتور عمر عتيق، المولود في باكستان، عن شطب كافة ديون مرضاه المصابين بالسرطان بعد أن تراكم نحو 650 ألف دولار على 200 مريض، اعتادوا مراجعته في عيادته.
يحمل عتيق شهادة في الطب من كلية خيبر الطبية بجامعة بيشاور في باكستان عام 1983. وأكمل تدريبه الداخلي وتدريب الإقامة في الطب الباطني في جامعة ألاباما الأمريكية. كما أنهى الزمالة في أمراض الجهاز الهضمي والكبد في جامعة تكساس. وعمل أستاذا في قسم أمراض الجهاز الهضمي والكبد في جامعة الإمارات العربية المتحدة.
وبعد حصوله على شهادة البورد في الطب الباطني، أصبح عضوا في الجمعية الأمريكية لتنظير الجهاز الهضمي، والجمعية الأمريكية لأمراض الجهاز الهضمي، والكلية الأمريكية لأمراض الجهاز الهضمي.
وخضع للتدريب في الطب الباطني في مستشفى المحاربين القدامى، ومستشفى تابع لجامعة لويولا في شيكاغو الأمريكية.
أسس عتيق عيادة أركنسو للسرطان في ولاية أركنساس الأمريكية عام 1991، بعد أن أكمل زمالة في مركز للسرطان في مدينة نيويورك، حيث تخصص في تقديم العلاجات للسرطان بما في ذلك العلاج الكيميائي والإشعاعي والتصوير المقطعي.
واصل عتيق تطوير خبراته بعمله أستاذا في جامعة أركنسو للعلوم الطبية في ليتل روك عاصمة ولاية أركنساس وأكبر مدنها من حيث السكان.
مثابرته ومواصلته في إحداث اختراقات هامة في مجال الأورام العامة وسرطان الرأس والعنق وسرطان الصدر، أهلته في عام 2013 لمنصب رئيس جمعية أركنساس الطبية. وفيما بعد أصبح في عام 2018 رئيسا منتخبا لمجلس محافظي الكلية الأمريكية للأطباء.
وحين أغلق مركزه الطبي في ولاية أركنسو، العام الماضي، كلف شركة مختصة لتحصيل الديون المستحقة له، لكن تبين له أن العديد من مرضاه فقدوا مصدر رزقهم، بعد أن تضررت أحوالهم تحت ضربات فيروس كورونا، وتوقفت أعمالهم أو فقدوا وظائفهم.
ولم يكن هناك وقت أفضل للقيام بذلك من وقت تفشي "كوفيد19" الذي دمر حياة معظم الناس وأغلق شركات ومصالح تجارية على امتداد العالم، ولا يزال جاثما على صدورنا دون أية نية للمغادرة أو وقف تمدده وإنتاج طفرات جديدة أشد فتكا.
أرسل الطبيب عمر عتيق أمريكي الجنسية، رسالة إلى مرضاه، في فترة عيد الميلاد الماضي، يبلغهم فيها بشطب الديون المستحقة عليهم، بعد أن تيقن أن ثمة أشخاصا غير قادرين على الدفع.
يقول عتيق وهو أب لثلاثة أبناء وابنة وحيدة: "فكرنا أنا وزوجتي، كعائلة، في الأمر، وبحثنا إعفاء كل الديون. ورأينا أنه يمكننا القيام بذلك، ثم عقدنا العزم ونفذنا القرار".
الطبيب قرر أن ينثر الفرح والتفاؤل في قلوب مرضاه خلال فترة عيد الميلاد، وأرسل إليهم برقية، قال فيها: "على الرغم من أن التأمينات الصحية المختلفة تدفع معظم الفواتير لغالبية المرضى، فإن المبالغ المقتطعة والدفع المشترك يمكن أن تكون مرهقة".
وأضاف: "للأسف هذه هي الطريقة التي يعمل بها نظام الرعاية الصحية لدينا حاليا. قررت العيادة التنازل عن جميع الأرصدة المستحقة من مرضاها.. إجازة سعيدة".
بكلمتين: "إجازة سعيدة" أنهى عتيق كل شيء.
عتيق حاصل على العديد من الجوائز والأوسمة خلال تعليمه وممارسته الطب، وفي أوقات فراغه، يستمتع بقضاء الوقت مع العائلة وصيد الأسماك والبستنة.
عتيق الذي لم يشأ ترك مرضاه تحت وطأة الديون، ولم يتوقف عند محو ديونه بالكامل، وإنما تابع مرضاه بعد ذلك بحيث تأكد أنهم لن يتعرضوا لمضايقات مالية تحول دون حصولهم على قروض ائتمانية لاحقا أو أية تسهيلات بنكية بسبب ديونهم أو أية قضايا تتعلق بمستحقاته عليهم.
كورونا فيروس طبقي وأرستقراطي سحق الفقراء وزاد من فقرهم، الدكتور عتيق لم يشأ أن يشاركه حربه ضد الفقراء، فتح كوة في سقف الكآبة لتدخل منها الشمس، أنار مصباحا في نهاية النفق يرشدنا إلى طريق الخروج من البحر اللجي عبر إنسانيتنا، وعدم ترك أرواحنا تذبل بعد الجفاف والقحط الذي أحدثه "كوفيد19" الماكر والضيف ثقيل الظل.