هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كان عاما استثنائيا يستحق أن يوضع على غلاف المجلات، وعلى رأس الصفحة الأولى في الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية.
العام 2020، كان عاما غارقا
بالكآبة والموت والغضب والخيانات والخيبات الكبيرة، عام سقوط العرب في مستنقع التطبيع
والتبعية والانحناء أمام الآخر بحيث لامست الجباه الأرض.
كان عاما مزدحما بالأحداث العجاف
وبالدموع والمرارة، فقد أضر "كوفيد-19" بالعالم وفكك علاقاتنا الاجتماعية
وغلفها بجليد البرودة، وترك الكرة الأرضية تترنح تحت سياط الفيروس الذي لا يزال يواصل
الانتشار والتقدم وسط حقول الأمل بأن تتمكن اللقاحات التي طرحت أخيرا من هزيمته ووقف
تقدمه وإعادته من جديد إلى كهفه المظلم، وإلى سباته العميق.
ولم يكن فيروس كورونا وحده الذي
ضرب هذا الكوكب، فقد واصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدمير جميع الأسس والقيم التي
قامت عليها السياسة الخارجية الأمريكية وما اتفقت عليها الأسرة الدولية قاطبة خصوصا
ما يتعلق بفلسطين، كما أنه حطم جميع التقاليد الديمقراطية والانتخابية الأمريكية في
رفضه حتى اللحظة الاعتراف بهزيمته واندحاره أمام المرشح "الديمقراطي" جو
بايدن.
اقرأ أيضا: السودان بدأ عام 2020 بتمرد واختتمه باستقالة (تايم لاين)
لو قدر لنا أن نختار أهم شخصيات
العام 2020 فستكون ثلاث شخصيات دفعة واحدة، بسبب تقارب حجم الخراب حولها، واحدة شخصية
حية، وهو الرئيس ترامب، وشخصيتان اعتباريتان هما، "كوفيد-19" والتطبيع العربي.
ورغم عدم وجود قواسم مشتركة
بين هذه الشخصيات فقد عاثت فسادا بكل شيء دون أدنى اكتراث بالندوب والكدمات والكسور
التي أحدثتها في عالمنا الذي لم يكن مثاليا بكل تأكيد، لكنه أصبح مخيفا وأدخلنا مرحلة
"عدم اليقين" وتحطيم القواعد.
منذ الساعات الأولى لانكساره
المدوي وغير المتوقع أمام بايدن، يبدو ترامب مثل زعيم عربي يرفض مغادرة القصر الرئاسي
وقلعته وحصنه المنيع إلا بالموت أو الانقلاب العسكري أو السجن.
وبدا وكأن ترامب كان مرشح المكان
الخطأ، فتصرفاته وعصبيته وغروره واتهامه الآخرين بالتآمر واعتقاده أن كل شيء يدور حوله
ويتعلق به، تضعه كمرشح نموذجي للانتخابات الرئاسية في الوطن العربي.
كأنه منفصل عن الواقع تماما
فهو لا يزال يعتقد بأنه فاز وبأن الانتخابات سرقت منه وبأن عملية تزوير وقعت، دون أن
يقدم أي دليل، ورغم الإعلان رسميا عن فوز بايدن برئاسة الولايات المتحدة لأربع سنوات
قادمة، بحصوله على أصوات 306 أعضاء من أصل 538 في الهيئة الناخبة، مقابل 232 لترامب.
وفي نتيجة الأصوات الشعبية حقق بايدن نحو 81.3 مليون صوت أو ما يعادل 51.3 بالمئة من الأصوات، مقابل 74.2 مليون صوت أي 46.8 بالمئة للرئيس "الجمهوري" ترامب.
هذه الأرقام الحاسمة والساطعة
مثل وهج الشمس تبدو غير مرئية بالنسبة لترامب الذي اعتاد في سنوات حكمه الأربع الماضية
لقاء الحكام الدكتاتوريين في العالم وفي العالم العربي، كان يحبهم على نحو خاص ويبدي
إعجابه بهم، ويدافع عن سياساتهم، ويتودد لهم، ويبدو أنه قد وقع تحت تأثيرهم، وبات يتحدث
مثلهم، أو على أقل تقدير كان يود لو أنه مثلهم يستطيع سرقة الانتخابات والتخلص من منافسه
بالسجن أو الإعدام أو النفي أو تلفيق قائمة طويلة من التهم ضده، أو وضع سم في فنجان
قهوته.
اقرأ أيضا: ما حقيقة مؤشرات الاقتصاد المصري الإيجابية في 2020؟
ولأن الزعيم العربي يمنح المقربين
العطايا على قاعدة "يا غلام أعطه كيسا من النقود" فقد وضع ترامب أقاربه وأصدقاءه
من اليوم الأول لرئاسته في مواقع المسوؤلية، وحصنهم من المطاردات القضائية بالعفو الرئاسي
من خلال العفو عن "الكاذبين المدانين والموالين الفاسدين ومجرمي الحرب والمتحرشين
جنسيا"، وفقا لـ"سي إن إن" الأمريكية.
وعدد منهم هم جزء من "قائمة
مارقة مذنبة"، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
يبدو أن ترامب يريد إحداث أكبر
قدر من الخراب والفوضى قبل مغادرته البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل،
وأن يضع الألغام في طريق بايدن. وحتى نرى حجم الخراب أنظروا ماذا فعل ترامب بالفلسطينيين
وبالقدس.
على الضفة الأخرى من نهر الفوضى،
ترك فيروس كورونا ندوبا وجراحا في كل مكان على هذا الكوكب، وفرض على نصف البشرية البقاء
في بيوتهم أياما طويلة غارقة بالوحدة والسأم والتباعد الاجتماعي والتعليم عن بعد. وتسبب
في إصابة نحو 78 مليون شخص ووفاة أكثر من مليون شخص.
"كوفيد-19" قتل الكثيرين، بطرق مختلفة من دولة إلى أخرى،
ومن مكان إلى آخر، فقدان الوظائف، دمار المشاريع التجارية، زيادة الفقر، تزايد سوء
التغذية ومخاطر المجاعة والبطالة.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة،
فإن نصف مليار نسمة، أو ما يقرب من 8 بالمئة من تعداد السكان في العالم، قد يدفعون
نحو العوز في نهاية العام الحالي بسبب كورونا.
دمار كوني في جميع الاتجاهات،
تسونامي فيروسي أتى على الوظائف والمهن فدمرها للغاية.
الفيروس الماكر والمتحول يواصل
ضرباته بإنتاج سلالة جديدة من المرض بدأت تثير المخاوف رغم حالة التفاؤل التي انتابت
العالم بعد بدء تلقي لقاحات التطعيم للدواء الجديد في عدة دول في العالم من بينها بريطانيا
وأمريكا.
لقد أدى تفشي "كورونا"
في آذار/ مارس الماضي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي، وضرب مقومات العرض والطلب في آن
واحد، وذلك بسبب فرض قيود الحجر الصحي وحالة الذعر لدى المستهلك، وفي ظل التوقعات باستمرار
آثار تلك الأزمة لسنوات عديدة تتوقع مؤسسات ومنظمات عالمية تكبد دول العالم خسائر تقدر
بأكثر من 4 تريليونات دولار.
اقرأ أيضا: حصاد لبنان 2020.. الأسوأ منذ نهاية الحرب الأهلية (إنفوغراف)
إلى جوار "كوفيد-19" والرئيس ترامب، يتدحرج تابوت التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي، فقد وقعت
أربع دول عربية اتفاقيات تطبيع مع الاحتلال، هي: الإمارات العربية المتحدة والبحرين
والسودان والمغرب، ويتوقع أن تنضم إلى القائمة دول أخرى يمنعها من الانضمام ظروف خاصة
بها وليس القيم والخجل أو التمسك بقضية العرب والمسلمين المركزية قضية فلسطين واحتلال
أرضها وتشريد شعبها.
وبدت اتفاقيات التطبيع أقرب
إلى صفقات الأعمال والتجارة المشبوهة، ونوعا من المساواة والابتزاز وبدون أدنى ثمن يدفعه
الاحتلال، كان من الممكن أن يكون ذلك مقابل أن يعترف الاحتلال بالدولة الفلسطينية،
وهو أضعف الإيمان في قضية الصراع العربي الإسرائيلي.
الحكومات العربية ألقت بالفلسطينيين
تحت عجلات "باص" بلا مكابح، أو قطار منتصف الليل الذي يمضي وسط العتمة مطلقا
صافرته المدوية.
هذا لا يمنع أن جزءا من التطبيع
يتحمل مسؤوليته الفلسطينيون الذين لا يزالون يعيشون انقساما داخليا مزمنا ومتقيحا لا
يبدو أنه في طريقه إلى الرتق أو الوحدة من جديد بسبب العناد والمصالح التي أقامها الحزب
الحاكم في رام الله مع الاحتلال.
قال وزير الخارجية ضمن فريق
بايدن، طوني بلينكين، إنه "لا البحرين ولا الإمارات العربية المتحدة كانا في حرب
مع إسرائيل في أي وقت من الأوقات"، وإن "الأهمية التي أوليت لصفقات التطبيع
معهما كانت تنطوي على المبالغة إذ إن العلاقات مع إسرائيل كانت أصلا قائمة".
يرى الكاتب البريطاني دافيد
هيرست، في مقاله المنشور على موقع "ميدل إيست آي" أن "المحتلين الإسرائيليين
والمستبدين العرب هم الآن في الأحضان. وهذا يعني أن النضال ضد الاستبداد في العالم
العربي هو النضال ذاته من أجل تحرير فلسطين المحتلة".
وفيما يبدو أن ترامب سيلقى خارج
البيت الأبيض الشهر المقبل سواء باختياره أم عبر مؤسسات الدولة، وفيما يبدو أن العالم
يسابق الزمن لهزيمة "كوفيد-19"، فإن جميع استطلاعات الرأي العربية والدولية
التي أجريت حول التطبيع أكدت أن ما نسبته 90 بالمئة من العرب يرفضون التطبيع ويتمسكون
بعدالة القضية الفلسطينية.
ثلاث جائحات ضربت الإنسانية
في عام 2020، بعضها قد يختفي قريبا مع منتصف العام المقبل، وربما يعلن عن موت التطبيع
العربي سريريا في القريب العاجل.