هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: الإصلاح القانوني والإداري لمنظمة الأمم المتحدة
الكاتب: الدكتور فاضل عباس علي النجادي
الناشر: دار العرّاب للدراسات والنشر والترجمة ـ دمشق، الطبعة الأولى 2021.
(266 صفحة من القطع الكبير).
كانت فكرة إصلاح الأمم المتحدة بدأت تشق طريقها في الخطابات السياسية الفرنسية والبريطانية منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في آذار (مارس) 2003. وفي خطاب الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان الذي قال في مقر الأمم المتحدة بنيويورك يوم 30 تموز / يوليو2005: "إنَّنا نعيش أزمة نظام دولي ". وكانت الولايات المتحدة قد وجهت ضربة قوية للشرعية الدولية من خلال شنها الحرب على العراق من دون تفويض من الأمم المتحدة. فالأزمة العراقية عرَّت نقاط الضعف كلها لمجلس الأمن والأمم المتحدة
فكرة إصلاح الأمم المتحدة فكرة قديمة قدم المنظمة نفسها، فالدعوات الأولى للإصلاح يعود تاريخها إلى سنة 1946. ومن شروط الإصلاح: إن واحدة من الصعاب الرئيسية تكمن في واقع الميثاق المؤسس، الذي أقر في سان فرانسيسكو عام 1945، والذي لا يفسح في المجال إلا بالكاد لعملية التعديل في نصه.
والحال هذه، فإن أي إصلاح يقتضي موافقة الأكثرية الموصوفة بثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة (191 بلدا) وتصويت إيجابي من قبل الأعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن، وبصورة أدق ثلثي الرأي العام العالمي ومن دون فيتو. وهناك أربعة ملفات للإصلاح: لكن أهمها هو إصلاح مجلس الأمن عبر عملية توسيعه. وهنا تتباين الآراء بين رغبة دول الجنوب التي تفضل أن تحتل كل من الهند ومصر والبرازيل وجنوب إفريقيا وباكستان والأرجنتين مقاعد في مجلس الأمن، وبين رغبة دول الشمال التي تتباين هي بدورها في تفضيل مرشحيها. ففرنسا تريد دخول ألمانيا والهند واليابان إلى عضوية مجلس الأمن، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية والصين لهما رأي آخر.
عانت دول العالم في العصر الحديث والمعاصر من الحروب والصراعات المريرة التي لم يسلم من أذاها أحد حتى المنتصر، وكانت القوة العسكرية هي الوسيلة الشائعة لحماية وتنفيذ مصالح وأطماع الدول والإمبراطوريات في هذا العصر، وكانت أشد هذه الحروب قسوة تلك التي وقعت بين الدول الأوروبية في الحربين العالميتين في القرن العشرين.
أصرت الدول الكبرى وبعناد شديد على أن يكون لها القول الفصل في كل القضايا والمسائل التي تطرح على مجلس الامن، وتمسكها في استخدام الفيتو لحسم المسائل الخلافية، مما أدى إلى ظهور ما يعرف في أدبيات التنظيم الدولي باسم (الفيتو المزدوج).
بعد هيمنة الدول الاستعمارية الكبرى على هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، بدأت بشن الحروب على دول العالم الثالث، وبلغت الحروب التي شنتها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن (66) حربًا، منها (16) حربًا، شنتها الولايات المتحدة الأمريكية، وكان أولها الهجوم الأمريكي على فيتنام الشمالية في 8 آذار (مارس) 1965، والاحتلال الأمريكي للعراق في 20 آذار (مارس) 2003، وآخرها الهجوم الذي شنته أمريكا وفرنسا وبريطانيا على ليبيا لإسقاط نظام العقيد القذافي، أكدت كل هذه الحروب مسألة أساسية ألا وهي خروج الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن عن أهداف منظمة الأمم المتحدة، وعدم الإلتزام بميثاقها، الأمر الذي جعل العديد من الدول تطالب بإصلاح هذه المنظمة الدولية.
ذلك هو الجوهر المطروح في هذا الكتاب الجديد، الذي يحمل العنوان التالي: "الإصلاح القانوني والإداري لمنظمة الأمم المتحدة"، الصادر حديثًا بدمشق عن دار العرَاب للطباعة والنشر والتوزيع، والذي يتكون من مقدمة وأربعة فصول كبيرة، كل فصل يحتوي على العديد من المباحث والفروع، باعتبار الكتاب دراسة أكاديمية وبحثية، للدكتور فاضل عباس علي النجادي أستاذ العلوم السياسية في العديد من الجامعات العراقية و الأجنبية،و الباحث المتخصص في القانون الدولي.
تأسيس منظمة الأمم المتحدة
كانت الحروب والصراعات السمة الغالبة بين الدول الأوروبية من جهة وبينها وبين جيرانها من جهة أخرى، وكانت الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 أكثر إيلاماَ لهول الخسائر البشرية والمادية التي تعرضت لها الدول المنتصرة والمهزومة معاَ في أوروبا، مما دفعتها إلى التفكير لتنظيم علاقاتها على أسس ونظام جديد يجنبها ويلات الحروب، لذلك سعت الدول المنتصرة في الحرب إلى تأسيس عصبة الأمم عام 1919م، لتضم الدول المنتصرة والدول المستقلة أو التي تستقل بعد هذا التاريخ.
وتُعَدُّ عصبة الأمم من السوابق الفريدة في هذا الصدد، لكنَّها فشلت في تحقيق أهدافها ولم تضع حدًّا للحروب، لأنَّ عهد العصبة لم يضع قيدًا على سيادة الدول هذا من جهة، وسيطرة الدول الكبرى عليها من جهة أخرى، مما جعل هذه الدول تُسَّخِرُ العصبة لخدمة أهدافها ومصالحها الاستعمارية، ولم تلتزم الدول الكبرى بعهد العصبة. ولذا كانت أول من خرق هذا العهد وشنت الحروب على الدول المجاورة والصغيرة كألمانيا وروسيا، لذلك جاءت خسائر الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945 التي سببتها هذه الدول أكثر فداحة وجسامة.
عقب نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945، قام النظام الدولي على أساس الاستقطاب العسكري والإيديولوجي بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود المعسكر الرأسمالي الغربي، ممثلا في حلف دول شمالي الأطلسي، والاتحاد السوفييتي الذي يقوده المعسكر الاشتراكي ممثلا في حلف وارسو، وسمي ذلك النظام الدولي بنظام القطبية الثنائية، لأن كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كانا أهم القوى الرئيسية الفاعلة في النظام الدولي، وحافظا على التوازن والاستقرار الدوليين حتى نهاية الحرب الباردة، وانهيارالاتحاد السوفييتي، مع إعادة بناء العولمة الرأسمالية الجديدة تحت حماية وهيمنة الولايات المتحدة، التي تحولت إلى أكبر قوة عظمى مفرطة القوة في النظام الدولي الجديد الأحادي القطبية.
أسهمت الدول العربية المستقلة عام 1945م في نشأة الأمم المتحدة وبشكل خاص مصر التي شاركت بشكل فعال في مؤتمر سان فرانسيسكو وفي مختلف القضايا التي أثيرت فيه خاصة العلاقة بين الجمعية ومجلس الأمن والحد من سلطته في مشروع الميثاق،
يقول الدكتور فاضل النجادي: "استثمرت الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة الذهبية التي أتاحتها لها الحرب العالمية الثانية من الناحية الاقتصادية والعسكرية والسياسية، فتزعمت الدول المنتصرة في هذا الحرب لتأسيس منظمة جديدة لتكون بديلا عن عصبة الأمم والتي سميت الأمم المتحدة عام 1945م وقد فصلتها على مقاسها لتحقيق من خلالها اهداف وغايات عجزت عن تحقيقها الحروب فتزعمت المنظمة وعينت نفسها وحليفاتها دولاَ دائمة العضوية في مجلس الامن وجعلت مقرها في نيويورك"(ص15 من الكتاب).
ومنذ أن ظهرت الأمم المتحدة إلى الوجود في 26 تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1945، بعد تصديق الدستور من قبل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ـ وبأغلبية من الموقعين الآخرين الـ 46، ظلت الأمم المتحدة تمثل مصدرا للشرعية الدولية، رغم احتلال الولايات المتحدة الأمريكية موقعا فريدا في قيادتها، نظرا لإسهامها الكبير في نسبة موازنتها 22 في المئة، و27 في المئة من موازنة قوات حفظ السلام، رغم أن الجدل القائم والمعاداة الأمريكية في الجمعية العمومية يحجبان هذا الواقع.
وقد استبشرت الدول الصغيرة والضعيفة من دول العالم خيرا من النصوص المغرية التي جاءت في ميثاق المنظمة وديباجته، ولكن آلية عمل وهيكلية المنظمة والهيئات المنبثقة عنها، جعلتها عديمة الفائدة مثل سابقتها، وأداة للتسوية السياسية التي فرضها المنتصر على المهزوم من ناحية، وأن تكون أداة طيعة في يد الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا من ناحية ثانية لتحديد شكل النظام الدولي الجديد في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
تبددت أحلام الشعوب بالعدل والمساواة والأمن والاستقرار، وبدأت مأساة العالم الثالث الذي أصبح يذبح يومياَ باسم المنظمة الدولية والقانون الدولي والشرعية الدولية وإرادة المجتمع الدولي، إذ كان نظام الوصاية الذي سنته المنظمة أكثر ضرراَ من صك الانتداب، ولأن سياسة الدول الغربية كانت ولا زالت مدفوعة باعتبارات تتعلق بمصالحها في العالم و المنطقة العربية والشرق الأوسط بصفة خاصة، والتي تقوم على تأمين مصالحها النفطية، وضمان أمن إسرائيل.
الجذور التاريخية للإصلاح
تشير محاضر جلسات المؤتمر التأسيسي لمنظمة الأمم المتحدة في سان فرانسيسكو عام 1945م إلى أنَّ بعض دول العالم لم تكن سعيدةً أو مُرَّحَبةً بمعظم ما ورد في نصوص المشروع الذي يتعلق بمجلس الأمن، إذ كانت هذه النصوص موضوعًا لجدل حاد حول قضيتين أساسيتين:
الأولى تتعلق بتشكيل مجلس الأمن، حيث لم تكن الدول مقتنعة بالمعايير التي تم الاستناد إليها لتحديد الدول دائمة العضوية بالاسم في الميثاق، ولا سيما إضافة فرنسا إلى الدول الكبرى لجهود رجال القانون الفرنسيين ومفكريها في طرح اللأفكار والمناقشات والصياغات القانونية.
الثانية: تتعلق بعملية صنع القرار فيه، حيث لم تكن هذه الدول مقتنعة بضرورات ومبررات وجود الفيتو من حيث المبدأ، ناهيك عن أوجه وحالات استخدامه واتساع نطاقه.
تبين للدول أن الاعتراض على تشكيل مجلس الأمن وخاصة ما يتعلق منه بالمقاعد الدائمة المحجوزة للدول الكبرى المنتصرة في الحرب هي قضية خاسرة، لأن الأمر دبر بليل وحسم هذا الموضوع منذ اللقاءات والمؤتمرات التي مهدت لهذا المؤتمر، لهذا ركزت هجومها وانتقاداتها على صنع القرارات في المجلس، انطلاقاَ من اعتبارين رئيسيين:
الأول: إن تمتع الدول من دون غيرها بحق الفيتو يخل بمبدأ المساواة السيادية بين الدول إخلالا جسيما.
الثاني: إن اشتراط إجماع الدول الكبرى، دائمة العضوية على مشروعات القرارات المقترحة يمكن أن يعوق عمل مجلس الأمن نفسه ويعرض فاعليته وهيبته للخطر.
يقول الدكتور فاضل النجادي في هذا الصدد: "نظمت الدول الأعضاء صفوفها في المؤتمر وطالب بإلغاء حق الفيتو جملة وتفصيلاَ، وعندما وجدت أن الدول الكبرى وقفت كتلة واحدة لرفض هذا الطرح بالمطلق، إذ وصل الأمر إلى حدِّ قيام عضو مجلس الشيوخ الأمريكي "كوناللي" ممثل الولايات المتحدة في اللجنة المختصة بتمزيق نسخة من مشروع الميثاق أثناء المداولات وهو يخاطب الحاضرين في المؤتمر، قائلا: (من دون الفيتو لن يكون هناك ميثاق أو أمم متحدة أصلاَ)" (ص 39 من الكتاب).
تبين من خلال ممارسة الامم لدورها ولأنشطتها المختلفة فترة تزيد على أكثر من سبعين عاماَ، فقد باتت الحاجة ماسة الى عملية مراجعة شاملة لميثاق وأساليب عمل المنظومة الدولية.
إن هذا الإصرار والتعنت من قبل الدول الكبرى بقيادة أمريكا جعل الدول تنتقل إلى موقع آخر تمثل في الخندق وراء مطلب يستهدف قصر استخدام الفيتو على الأمور المتصلة بالسلم والأمن الدوليين مباشرة، وبالتالي تحريم استخدام الفيتو في الحالات الأخرى، وخاصة تلك الدول التي يتقاسم فيها المجلس صلاحياته مع الجمعية العامة، كحالة تعديل الميثاق وقبول الأعضاء الجدد وتعيين السكرتير العام وانتخاب قضاة محكمة العدل الدولية وغيرها من القضايا. فتكتلت الدول الكبرى مرَّة أخرى ورفضت هذا المطلب رفضاَ قاطعا، فتراجعت الدول إلى مطلب أقل طموحا وتمحورت حول إزالة الغموض والتمييز في المسائل التي يمكن أن يستخدم فيها حق الفيتو والمسائل الأخرى التي لا يجوز فيها استخدام الفيتو، والعمل على وضع خطوط فاصلة بين الإثنتين.
أصرت الدول الكبرى وبعناد شديد على أن يكون لها القول الفصل في كل القضايا والمسائل التي تطرح على مجلس الامن، وتمسكها في استخدام الفيتو لحسم المسائل الخلافية، مما أدى إلى ظهور ما يعرف في أدبيات التنظيم الدولي باسم (الفيتو المزدوج).
أسهمت الدول العربية المستقلة عام 1945م في نشأة الأمم المتحدة وبشكل خاص مصر التي شاركت بشكل فعال في مؤتمر سان فرانسيسكو وفي مختلف القضايا التي أثيرت فيه خاصة العلاقة بين الجمعية ومجلس الأمن والحد من سلطته في مشروع الميثاق، حيث كان يراد له أن يكون حكومة عالمية و كذلك قضايا تسوية الاستعمار ،لأن مصر و إن لم تكن مستعمرة فقد عانت من الاحتلال الأجنبي.
هنالك أسباب كثيرة أدت إلى أن تتصدر قضية إصلاح منظمة الأمم المتحدة، جدول أعمال المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني والمهتمين بالشأن الدولي منذ تأسيس المنظمة الدولية، وقد أشار الدكتور فاضل النجادي في الفصل الرابع من هذا الكتاب إلى بعض دوافع وأسباب الإصلاح التي يراها ضرورية، وقد تبين من خلال ممارسة الامم لدورها ولأنشطتها المختلفة فترة تزيد على أكثر من سبعين عاماَ، فقد باتت الحاجة ماسة الى عملية مراجعة شاملة لميثاق وأساليب عمل المنظومة الدولية.