تقارير

واجب انتماء الأمة لفلسطين وانتهاء فلسطين للأمة

أحمد الدان: إرادة العدو إنهاء المعركة في لحظة اختلال ميزان القوة ليس متاحا له بفضل الله (فيسبوك)
أحمد الدان: إرادة العدو إنهاء المعركة في لحظة اختلال ميزان القوة ليس متاحا له بفضل الله (فيسبوك)

تنشر "عربي21" في قسم "فلسطين الأرض والهوية"، توثيقا أسبوعيا لفلسطين كما تبدو فكرة ومفهوما في أذهان المثقفين والسياسيين والنشطاء الحقوقيين في العالم؛ على اعتبار أن هذه الكتابات هي جزء من وثائق التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر.


اليوم ننشر رأي القيادي في حركة "البناء الوطني" الجزائرية أحمد الدان، وقصته مع فلسطين.

حارة المغاربة وقف

 

حينما كان سيدنا أبو مدين الغوث؛ العالم الصوفي الجزائري يشتري حارة المغاربة في فلسطين، ويجعلها وقفا على كل أبناء المغرب العربي، كان يضع في أعناقنا أمانة الدفاع عن تلك القطعة من الحرم المقدسي، والعمل المستمر من أجل الحضور المادي والمعمول فيها، وذلك الرمز هو نفسه الذي أدركه صلاح الدين الأيوبي وابنه رحمهما الله، حين ربطوا تلك المنطقة بأهل المغرب العربي الإسلامي للدفاع عنها.

ومن ذلك الحين، كانت فلسطين في قلوبنا نحن أبناء الجزائر حاضرة بقوة لا تلهينا عنها أحداث الزمان خطورة، ولا يصرفنا عنها فعل أحداث الناس سياسة، بل هي مقدمة على النفس والنفيس، وليس أنفس على نفوس الجزائريين من وطنهم. لكن فلسطين أيام الاستعمار كانت همّا كبيرا للجزائريين رحلوا من أجلها عام 48 من القرن الماضي للمشاركة في حربها ضد المحتل الصهيوني، مثلما جاهد مع صلاح الدين أجدادهم ضد الصليبيين.

وقد أدرك الشهيد أحمد ياسين ذلك التلاحم وحرص على تمتين هذا المعنى في النفوس، وقد التقيته يوما من أيام نهاية التسعينيات حين زار دمشق، فسألته عن المطلوب من الجزائريين في نظرتهم للقضية الفلسطينية؟ فقال يرحمه الله؛ إن واجب الجزائريين الأول تجاه فلسطين أن يحافظوا على الجزائر قوية؛ لأنه يعرف أنها باستمرار تتداعى بالسهر والحرص والعمل والدعم والنصرة للحق الفلسطيني، فإن ضعفت الجزائر ضعف عن فلسطين المدد.

 

مذهب المقاومة
 
ولعل هذا المعنى هو الحاصل من تمزيق الأمة الإسلامية ومحاولة استدراج بعض أنعمها نحو التطبيع، وهذا ما يفرض علينا جميعا إحياء مذهب المقاومة كمذهب سياسي وفكري وفقهي؛ من أجل اصطفاف أحرار الأمة في فضاء المقاومة والممانعة أمام موجات الهرولة نحو الاستسلام.

خيار خطة الضم للأراضي الفلسطينية إلى الكيان الاستعماري الصهيوني؛ مما يعني تهديد الأرض وإزالة معالمها الأصلية وتبديل واقعها التاريخي بواقع هجين، تسنده دول احتلال أخرى وأنظمة لا تمثل شعوبها؛ لأنها ورثت الحكم ولم تخترها شعوب الأمة.

خيار ضم اللاجئين إلى دول أخرى بالضغط على تلك الدول والضغط على اللاجئين بكل وسائل الطمع أو التيئيس، حتى يستوطن ملايين الفلسطينيين في أرض غير أرضهم ويساهموا في قتل الحق الفلسطيني، مقابل كمشة من الدراهم.

لكن خيار ضم الأرض يفشل تحت جهد المقاومة الفلسطينية وثبات الشعب الفلسطيني، وخيار ضم الإنسان إلى ديمغرافيا أخرى لم ينجح؛ لأن الشعب الفلسطيني في الخارج كما الداخل يصرّ على توارث مفاتيح البيوت المغتصبة؛ لأنه يؤمن بحق العودة وقدرته على تحقيقها إن شاء الله.

 

قال الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله للقائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رحمه الله: "يا أبا عمار إذا لم تستطع أن تنتصر فلا تنهزم"، وهذا ما ينبغي أن يتكرر اليوم.

 



وهنا يصبح انتماء الأمة لفلسطين واجب الوقت، كما هو انتماء فلسطين للأمة ضرورة المرحلة من أجل إفشال الصفقة المشبوهة، وجعل ساحات الأمة ملهما تحتضن روح المقاومة، وتجعل شعار العودة حصنا في وجه أمواج التطبيع المتتالية، التي لا تريد الرهان السياسي وحده، ولكنها تسعى نحو احتلال الأسواق بعد تدمير مكونات المقاومة وعواملها الأساسية وسط الشعوب.

لقد قال الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله للقائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رحمه الله: "يا أبا عمار إذا لم تستطع أن تنتصر فلا تنهزم"، وهذا ما ينبغي أن يتكرر اليوم؛ لأن إرادة العدو إنهاء المعركة في لحظة اختلال ميزان القوة ليس متاحا له بفضل الله أولا، ثم وحدة الإرادة الفلسطينية، ثم هذا الزخم الشعبي الرافض لوجود الجسم الغريب في جسد الأمة.

وكما طال البحث عن لقاح كورونا، سيأتي اليوم الذي يكتشف فيه الأحرار لقاح فيروس إسرائيل، والتمكن من علاج جرح أمتنا النازف في أكناف القدس الشريف وبيت المقدس؛ الذي قال الله تعالى فيه: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله".

وإذا كان وعد بلفور قد أسس لاغتصاب فلسطين وقيام إسرائيل، فإن وعد الآخرة قد أسس لزوالها وتتبير أمرها بعد علوّه .

ولكن..

إن إسرائيل قامت على إصرار علماء الصهاينة منذ هرتزل ووايزمن ولنكاوي قبلهم وبحبل من الناس.
وإذا كان حبل الناس يتغير بتغير ميزان القوة، فإن إعداد المستطاع من القوة في جيل التحرير هو فقط الكفيل بتغيير ذلك الميزان.

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم