الطبق ليس طبقا فضائيا، فهو
طبق الكسكس الذي أشادت به اليونسكو، وأكملت لنا به نصف ديننا ورضيت لنا الكسكس
دينا وجامعة، أما الكائنات الفضائية، فهي كذلك، وسنجد برهان ذلك بعد قليل.
الموضوع ليس جديدا، فقد دخل السوريون
واللبنانيون التاريخ مرات عدة، والتاريخ هو كتاب غينيس. وقد أعجبت أشد العجب
بتعبير كاتب سوري، عندما وصف كتاب غينيس بأنه كتاب الغرب المقدس، وهو كاتب يساري،
فظننت أن اليسار لا يزال بخير ويستحق التحية، ثم خاب فألي لأنه أراد شيئا وأردت
شيئا، وهو حاليا ليبرالي، فهو يسوق حسب السوق، وهذا حديث آخر.
ثم تذكرت أننا حاولنا دخول التاريخ بأكبر قرص
شنكليش، وأكبر وجبة فلافل، وأكبر وجبة كبسة، فأحبب بفتوحاتنا وأيامنا وأحبب، وهذه
المرة هي الأولى التي يحتفل بها هذا الاحتفال بطبق
المغرب غير الطائر.
وقد احتفلت فضائيات المشرق والمغرب، والغرب
والشرق بطبق المغرب غير الطائر الذي صنعوا له أجنحة في الأخبار، وأشاد به كائن
فضائي اسمه أمين زاوي في منشور ركيك له، فيه لحن لغوي لا يطرب، حول تصنيف منظمة
اليونسكو لطبق الكسكس كتراث عالمي، تسير به الركبان بعد أن قدمت دول
الجزائر وتونس
وموريتانيا ملفا واحدا. هذا ما جاء في التقرير، والقصد الذي فهمته من الملف أنهم
اجتمعوا على طبق رجل واحد ولا أعرف أكان بملعقة واحدة أم بعدة ملاعق، وقد اجتمعوا
خلف قياداتهم الحكيمة. وقال التقرير: إن الكسكس استطاع أن يوحّد هذه الدول، وهو ما
لم يفعله الدين ولم تفعله اللغة!
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، وسبحان
الله بكرة وأصيلا.
"لا اللغة العربية ولا الدين ولا
السياسة" استطاعت أن توحد أبناء شمال أفريقيا، الذي وحّدهم هو طبق الملك
ماسينيسا"!
"وتم" إدراج
الكسكسي أو سكسو
في لائحة
التراث الإنساني من قبل اليونيسكو". فالحمد لله أن قضية الكسكسي
وحّدت أهل المغرب ولمّت شملهم المفرّق. ولفظ اسم هذا
الطعام يكرر مقطعين، كان
المقطع الواحد مناط السخرية في الطرائف ورسوم رسامي الكرتون على مدى قرن منذ ظهور
رسم الكارتون. وبحثت عن مسيرات فرح في الشوارع المغربية فلم أجد.
ولعلها نظرية جديدة في الروابط الإنسانية،
وكانت دينية على مدى ثلاثة عشر قرنا، ثم صارت قومية منذ قرن، ثم وطنية، ثم قُطرية،
ثم طائفية ومذهبية، ثم عرقية، وهي روابط لها مناصرون، لكن هذه الرابطة المعوية
جديدة حقا، وهي بدع من الروابط.
وقد اتصلت بأصدقاء من دول حوض الكسكس، وسألتهم
عن الحدود التي تجاوزوها أخيرا، وهذا لم يحدث منذ أن زُرعت إسرائيل في بلادنا،
وباركت لهم وحدتهم، فأخبروني أن الحدود أسوأ مما كان، وهي أسوأ من جدار برلين، بل
إن حربا توشك أن تقع بين الجزائر والمغرب. ولا تخفيض في تذاكر السفر بين الدول
التي تسمح بعبور مواطني أكلة الكسكس، وأن الكسكس وجبة غالية الثمن، وطبق كسكس
الفقراء بلا لحم. وأنَّ الشيف ماسينيسا عميل روماني مثل محمد دحلان.
وقد ذكرني طبق الكسكس بكتاب توماس فريدمان
"اللكسيسز وشجرة الزيتون"، زعم مؤلفه العلج فيه أنّ حلم اللكسيسز يوحّد
البلدان، وأن الزيتون يفرقها! وهذا يعني أن دول حوض الكسكسي بقيادة بسمارك العرب
ماسينيسا سيكون فيهم خير، لو أنهم جعلوا هذا الطعام متاحا لعابر السبيل مثل الماء،
لكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا، وقيل إنَّ اسمه الأصلي سكسو، وسواء كان الاسم القديم
سكسو أو اسمه الحديث الكسكسي، فقد جمع هذا الطبق الأطيبين.
والكائن الفضائي الزاوي "أبو الركن"
ليس مبتدعا، فقد سبقته فضائيات أولها الفضائية الفرنسية والبي بي سي البريطانية
المقدسة، والفضائيات العربية هي فضائيات أمريكية يديرها أعراب، بشرت بهذه الوحدة
من غير حرية أو اشتراكية. وآخر فضائية نشرت خبره هي الجزيرة في مساء الجمعة
الماضي، وعقّب المذيع على الخبر قائلا: طبق شهي. والطبق الذي قصده هو الطعام، وليس
بلاد المسلمين التي يأكلها المستعمرون على نار هادئة.
ورأينا الكائن الفضائي رئيس الحكومة الجزائرية
السابق أحمد أويحيى يغنم طبقا فضائيا غير طائر، وقد أخطأت بعض الفضائيات في نقل
الخبر الذي كان غرضه التوحيد، فذكرت أن أويحيى الجزائري قال إن هذا الطبق جزائري وليس
مغربيا، وقد رأيت في الخبر ما رأى نصر بن سيار الذي قال:
أرى تحت الرماد وميض جمر ويوشك
أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تُذكى وإن
الحرب مبدؤها "طعام"
أما الكائن الفضائي الثاني، فهو وزيرة الثقافة
ملكية بن دودة التي ظهرت غاضبة مدافعة عن الطبق الجزائري، فأفتت قائلة بأن المرأة
الجزائرية التي لا تحسن طبخ الكسكس لزوجها تمثل تهديدا لعائلتها! ولم يبلغنا أن
وزير الصحة أفتى بأن الكسكس يقضي على كورونا كما يقول إعلام السيسي عن الفول
المسوّس، ولم يبلغنا حتى الآن بأن شيخا أفتى أن الملائكة تلعن المرأة التي لا تعرف
إعداد الطبق الطائر حتى تصبح، أو أن عرش الرحمن يهتز من امرأة تزيد ملح الكسكس، أو
أنها تستحق الرجم، فالحمد لله رب العالمين.
وأوصت السيدة دودة بأن تحافظ الأجيال على هذا
الميراث العظيم!
كان أصدقاؤنا في الحزب الشيوعي السوري يسخرون
من حزبهم سرا، فيصفونه بأنه حزب "التبولة"، وهي سلطة خضروات فيها برغل،
لأنهم كانوا يغيرون في الرحلات الربيعية على التبولة، ويرقصون ويعودون إلى بيوتهم
مثخنين بالشواء. وقرأت يوما لكاتب لبناني "برعي" اسمه حازم صاغية، قال
بأن فيروز يمكنها أن توحد بين اللبنانيين والسوريين! فأخذتي هزةٌ من عبقرية هذا
الرجل القارح، الذي يتداول ناشطون اسمه كما لو أنه إمام في الرأي والحكمة
السياسية، فويل لهم مما يصفون.
وانتظر كثيرون أن توحدنا الكرة، وأن يجمعنا
فريق تونس لكرة القدم الذي كتب عدنان بوظو عنه كتابا اسمه "تونس صيحة العرب
في الأرجنتين"، في كأس العالم لكرة القدم 1978، وأن نسافر إلى تونس بتلك
الصيحة، من غير جواز سفر، فازدادت الحدود علوا والأسوار ارتفاعا والأسعار نارا.
وكان حكومة الجزائر قد نصبت للشيف ماسينيسا
الذي خان قومه وأعان العدو الروماني على احتلال تونس والجزائر تمثالا في وسط
العاصمة الجزائرية، وأعداد أبطال الجزائر الذين يستحقون التكريم بالملايين، نذكر
منهم مهيدي عبد القادر، وهذا ليس بدعا من الكسكس، فكل العواصم العربية تقريبا تنصب
أنصابا للعملاء. قال الضابط الفرنسي وسفاح فرنسا الجنرال "مارسيل
بايجار" عن الشهيد مهيدي:
"أسابيع من التعذيب.
نزعنا أظافره.
جلده.
أجزاء من جسده.
وما كلمة خرجت من فمه، بل واصل تحدينا شتما
وبصقا على وجوهنا قبل تنفيذ حكم الإعدام".
وقال: "أعدمناه، ونزلت أنا وضابطي تحت
قدميه وقدمنا له التحية الشرفية".
وقال: "لن توجد امرأة في العالم كله
ستنجب رجلا مثل بن مهيدي عبد القادر.
ولا امرأة".
twitter.com/OmarImaromar