بدا واضحا الخلاف بين إسلاميي المغرب والجزائر في تحديد الموقف من التطورات التي يعرفها معبر الكركرات على الحدود بين المغرب وموريتانيا، ففي الوقت الذي اصطف فيها إسلاميو المغرب مع كافة أبناء الشعب المغربي وقواه السياسية في القول بمغربية الصحراء، أعلن رئيس حركة "مجتمع السلم" الدكتور عبد الرزاق مقري، أن الحل الوحيد لملف الصحراء هو "الاستفتاء".
فلم تمنع وحدة المرجعية الإسلامية التي تجمع إسلاميي المغرب والجزائر، من الاختلاف في الموقف من مصير الصحراء، حيث يؤكد زعيم حزب العدالة والتنمية رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني، أن مغربية الصحراء وقضية الوحدة الوطنية والترابية، هي قضية جميع المغاربة ملكا وحكومة وشعبا، معتبرا هذا الإجماع الوطني حول القضية الوطنية الأولى مصدر فخر للمغاربة.
جاء ذلك، في معرض جوابه عشية يوم الاثنين 30 كانون الثاني/ نوفمبر الجاري، على سؤال محوري، ضمن جلسة الأسئلة الشفهية الشهرية الموجهة إلى رئيس الحكومة حول السياسة العامة، وذلك حول موضوع "البرامج التنموية بالأقاليم الجنوبية".
واعتبر العثماني في تصريحات له أمام البرلمان المغربي عقب تحرك القوات الملكية المغربية لتأمين معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا، أن قضية الصحراء المغربية، هي مجال لتضافر الجهود والتكامل والتعاون وفرصة للتسابق في الخيرات والتضحيات ومجال للعطاء المستمر والمتواصل بكل تجرد وبحس وطني صادق وعالٍ.
من جهته قال مصطفى الخلفي، رئيس لجنة الصحراء المغربية لحزب العدالة والتنمية: "إن النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية هو في العمق مخطط تجزئة وتقسيم استهدف بلادنا".
وأوضح الخلفي، خلال مشاركته في الجلسة الافتتاحية للندوة التي نظمها المكتب الوطني لشبيبة العدالة والتنمية بمقر الغرفة الفلاحية بجهة الداخلة وادي الذهب، بمدينة الداخلة مساء يوم السبت 5 كانون أول (ديسمبر) الجاري، في موضوع "المغرب الكبير بين جهود الوحدة والتنمية ومخاطر التجزئة"، أن الصحراء المغربية التي احتلتها إسبانيا، ووضعتها ضمن مشروعها الاستعماري منذ منتصف القرن الـ15 الميلادي، تم تقسيمها بتحكيم من الكنيسة الكاثوليكية إلى قسمين، قسم شمال بوجدور لفائدة إسبانيا وجنوبها لفائدة البرتغال".
وذكر الخلفي، أن المملكة المغربية لما عزمت على مسألة استرجاع الأقاليم المحتلة اشتغلت بمنطق تدريجي، مضيفا أن قضية الصحراء المغربية كانت في البداية قضية تصفية استعمار، من خلال طرق المغرب باب المحكمة الدولية سنة 1963.
وتابع بأن قضية الصحراء المغربية بعد 1975 لم تعد قضية استعمار، بعد أن استرجعها المغرب من إسبانيا، بل أصبحت مسألة تقسيم المغرب بعد بروز اتفاقية 1979 لتمكين كيان انفصالي في وادي الذهب، حيث كان الرد المغربي حازما من خلال القوات المسلحة بقيادة جلالة الملك الحسن الثاني الذي عمل على إنهاء المشروع التقسيمي في 1979 وكانت بيعة قبائل الصحراء مشهودة في تاريخ المغرب.
وأشار، إلى أن المشروع التجزيئي تجدد مرة أخرى سنة 2002 والذي كان فضيحة للطرح الانفصالي وللطرف
الجزائري على وجه الخصوص، كشف عنها تقرير الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، والذي يؤكد ترحيب الجزائر و"البوليساريو" بمقترح تقسيم الصحراء بين المغرب والجبهة الانفصالية، مردفا أن من يدعو إلى تقرير المصير وتصفية الاستعمار، لا يمكنه القبول بالتقسيم، فبالأحرى أن يكون هو صاحب الفكرة والمقترح، وفق الخلفي.
وأطلقت شبيبة العدالة والتنمية نداء، إلى من أسمتهم بـ"أبناء شعبنا من المحتجزين بمخيمات تندوف"، إلى تجاوز الماضي بأخطائه، والتوجه إلى بناء المستقبل الذي يحلم به الشباب المغربي بمختلف مكوناته السياسية والفكرية والاجتماعية.
وقالت الشبيبة: "نوجه إليكم نداءنا، ونعتقد اعتقادا جازما أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي في الأقاليم الصحراوية تعتبر فرصة تاريخية ورائدة ليحقق سكان المنطقة إرادتهم عبر آليات عصرية وديمقراطية لتدبير شؤونهم الذاتية تحت السيادة الوطنية وفي ظل وحدة الوطن والأمة المغربية".
هذا الموقف الإسلامي المتصلب في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية، يقابله موقف مغاير من إسلاميي المغرب عبر عنه زعيم حركة مجتمع السلم الدكتور عبد الرزاق مقري يبدو مشتركا في اعتبارها من مخلفات الاستعمار، حيث قال: "لا شك أن أزمة الصحراء الغربية صنعها الاستعمار في السبعينيات كي تبقى دول المنطقة ضعيفة ومتصارعة فيما بينها، وتتزلف كل القوى للأجنبي، أي الغرب، وتتنافس فيما بينها لإرضاء الغرب ومختلف القوى الاستعمارية، وتتقوى على بعضها البعض".
وأضاف: "مثل هذه القضية موجودة في العديد من ملفات التأزيم والقنابل الموقوتة التي زرعها الاستعمار قبل سايكس بيكو وأثناءها وبعدها.. هذه هي القنابل التي زرعها الاستعمار لتبقى المشاكل متواصلة".
وتابع: "ملف الصحراء الغربية الهدف منه أن يبقى المغرب دائما في وضع استنزاف وتبقى الجزائر كذلك في وضع استنزاف وتبقى شعوب المنطقة في الجزائر والمغرب والصحرء في هذا التيه ولا يعرفون طريقهم معا من أجل مصلحتهم جميعا".
وأكد مقري أنه "لا المغرب قادر على بسط نفوذه وحسم القضية، حيث إن المغرب كغيره من باقي الدول العربية التي تعيش أزمات اقتصادية وسيكون ناجحا في حال استطاع تلبية حاجيات سكانه، فهو غير قادر على حسم الموضوع ولا هو قادر على تحقيق تنمية ترضي الجميع، ولا نحن في الجزائر قادرين على حسم الملف، وكما يقول المسؤولون الجزائريون في هذه مسألة بين الصحراويين والمغرب، ولا نستطيع أن نتدخل بشكل مباشر في هذا الملف إلا بما يساعد على الحل.. كما أن الصحراويين غير قادرين على حل المشكلة".
وانتهى مقري إلى القول: "لا حل إلا بالاستفتاء، والذهاب إلى هذا الحل الواقعي الذي يوقف هذه الأزمة ويفكك هذه القنبلة الموقوتة، ويختار الصحراويون ما يريدون"، على حد تعبيره.
ورأى عبدالرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، في حديث مع
"عربي21"، أن موقف رئيس حركة مجتمع السلم "حمس" الدكتور عبد الرزاق مقري، هو ترجمة للموقف الرسمي، وهو لا يمثل موقف الإسلاميين جميعا.
وقال اسليمي: "أعتقد أن الاسلاميين في الجزائر الذين قربهم بوتفليقة إلى مربع الحكم يشتركون مع سلطة بلادهم في العداء للوحدة الترابية للمغرب، وهذا موقف غريب لكونهم يتفقون على مجموعة قضايا مع الإسلاميين في المغرب ولكنهم يختلفون معهم في ملف الصحراء".
وأضاف: "إن الإسلاميين المغاربة وأقصد هنا العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح وشيوخ السلفية يتمسكون بالوحدة الترابية وبثوابت السيادة المغربية، مقابل ذلك يصطف إسلاميو الجزائر وراء الجيش الحاكم للبلاد الداعي إلى مقولات أسطورية مثل تقرير المصير والاستفتاء، وهي مواقف عدائية للوحدة الترابية المغربية".
وتساءل اسليمي قائلا: "لا أعرف هل يعي إسلاميو الجزائر أنهم بموقفهم المساند للسلطات الجزائرية يكونون بذلك مؤيدين لتجزئة بلد مغاربي عربي إسلامي؟".
وأضاف: "السؤال الآن لماذا يقف إسلاميو الجزائر مع دعوات التجزئة؟ فهذا الموقف الذي يحمله إسلاميو الجزائر (حركة مجتمع السلم) يخالف مواقف الحركات والأحزاب الإسلامية التي تدعو إلى الوحدة".
وانتقد اسليمي صمت قادة "العدل والإحسان" إزاء التطورات الأخيرة، وقال: "دعني هنا أسجل موقفا آخر خطيرا لدى حركة إسلامية بالمغرب التي هي العدل والاحسان التي تخالف موقف العدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح، وذلك باختيار الجماعة لصمت مريب يصعب تفسيره، فهي حاضرة في كل القضايا وغائبة في قضية وطنية عليها إجماع بين كل المغاربة بما فيهم الإسلاميون".
واختتم اسليمي تصريحه بالإشارة إلى أن موقف إسلاميي الجزائر غير موحد في دعم الانفصاليين، وقال: "ينبغي ملاحظة، أن هناك حركات إسلامية معارضة للسلطة في الجزائر لا تحمل نفس موقف الإسلاميين الرسميين في الجزائر، فحركة "رشاد" مثلا تعرف جيدا أن السلطة الجزائرية خلقت النزاع مع المغرب لاستعماله داخليا في حكم الجزائريين. ولا ننسى أن المرحوم عباسي مدني كان له موقف داعم للوحدة وضد التجزئة"، على حد تعبيره.
ومؤخرا أعلن الجيش المغربي، أن معبر الكركرات "أصبح الآن مؤمنا بشكل كامل" بعد إقامة حزام أمني يضمن تدفق السلع والأفراد.
وأكدت وزارة الخارجية المغربية، في بيان لها، أن العملية التي قامت بها القوات المسلحة الملكية لاستعادة حرية التنقل بمعبر الكركرات، تمت بشكل "سلمي، دون اشتباك أو تهديد لسلامة المدنيين".
وأنهى تدخل القوات الملكية المغربية الإغلاق الذي نفذته عناصر من البوليساريو لمعبر الكركرات منذ 21 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
و"الكركرات" هو المعبر الحدودي بين المغرب وموريتانيا، وتنازع الرباط للسيطرة عليه في مواجهة عناصر من جبهة البوليساريو.
ومنذ 1975، هناك نزاع بين المغرب و"البوليساريو" حول إقليم الصحراء، بدأ بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة.
وتحول الصراع إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار اعتبر "الكركرات" منطقة منزوعة السلاح.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم المتنازع عليه.