هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يتم الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، اليوم شهرا كاملا على دخوله مستشفى متخصص بألمانيا، وسط حالة ترقب لما ستؤول إليه الأوضاع، مع ظهور أصوات تتحدث عن شغور في منصب الرئيس.
وعلى الرغم من تطمينات الرئاسة الجزائرية حول الحالة الصحية لتبون، هناك من يعتقد بوجود "غموض" يكتنف هذا الأمر خاصة مع عدم ظهور تفاصيل تشرح طبيعة وضعه الصحي.
وظهرت إشاعات سوّقتها بعض المواقع المحسوبة على أطراف أجنبية، ذهبت إلى حدّ الحديث عن وفاة الرئيس، وهي إشاعات سارعت الرئاسة لتكذيبها.
وقال المستشار في رئاسة الجمهورية، عبد الحفيظ علاهم في تصريحات تناقلتها قنوات دولية، إن الرئيس يستجيب بشكل إيجابي للعلاج، نافيا كل الإشاعات التي يتم تداولها بخصوص وضعه الصحي.
وتقوم رئاسة الجمهورية بإدارة الملف الصحي للرئيس بتحفظ شديد، فهي لم تفصح عن طبيعة مرض الرئيس تبون، سوى في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، أي بعد 5 أيام من نقله لألمانيا، عندما ذكرت رسميا في بيانها أنه مصاب بفيروس كورونا.
ومهّدت لهذا الخبر قبل ذلك، بإلإعلان في 24 تشرين الأول/أكتوبر، أن الرئيس وضع نفسه في حجر صحي طوعي بعد إصابة إطارات برئاسة الجمهورية بالفيروس، ثم أشارت بعد 3 أيام إلى دخوله مستشفى عين النعجة العسكري.
انتقادات لتسيير الأزمة
ويلقى هذا التعاطي مع ملف مرض الرئيس انتقادات في الطبقة السياسية، ازدادت بعد تصريحات مستشار الرئيس.
وفي اعتقاد ناصر حمدادوش القيادي في حركة مجتمع السلم، فإن طريقة إدارة ملف الرئيس الصحي، تضر بسمعة البلاد وصورتها في الخارج.
وأوضح حمدادوش في تصريح لـ"عربي21"، أنه "لم يعد من المنطقي بعد 40 يومًا من إصابة الرئيس بفيروس كورونا، أن يكون مرضه هو مجرد هذه الإصابة بهذا الوباء".
واعتبر النائب المحسوب على المعارضة أن "هذه الأزمة كشفت عن فراغٍ مؤسساتيٍّ كبير، وعن ترهّلٍ في التعاطي مع مرض الرئيس، بيّن حجم الكارثة في أداء رجال ومؤسّسات الدولة، وعلى رأسها الاتصال المؤسّساتي".
هذه المعاينة لا يشاطرها مسؤولون كبار في الدولة، مثل رئيس المجلس الشعبي الوطني سليمان شنين ورئيس مجلس الأمة بالنيابة صالح قوجيل، اللذين يتحدثان عن تحكم تام في الأوضاع ويثنيان على أداء الجيش في الحفاظ على الحدود والاستقرار في مناخ ملتهب بالمنطقة.
وقال سليمان شنين في آخر مداخلة له، إن الرئيس تبون يتعافى وسيعود إلى أرض الوطن قريبا، لاستكمال ورشة الإصلاحات السياسية التي باشرها، وهو ما سيقود حسبه لبناء جزائر جديدة.
كما يحاول الوزير الأول عبد العزيز جراد، إعطاء الانطباع بأن الحكومة تسهر بالشكل المطلوب على شؤون البلاد، من خلال تنقلاته للمناطق التي عرفت كوارث طبيعية، خاصة الحرائق والزلازل في الشهر الأخير.
عودة الحديث عن المادة 102
غير أن هناك من ذهب أبعد من مسألة انتقاد تسيير أزمة مرض الرئيس إعلاميا، وطالب بتطبيق المادة 102 من الدستور التي تتحدث عن حالات شغور منصب رئيس الجمهورية في البلاد.
ولفت من ذلك بيان أصدره حزب قيد التأسيس، يقوده الشاب إسلام بن عطية وهو من وجوه الحراك الشعبي الذين يحاولون تقديم مقاربة توفيقية بين مطالب الحراك والسلطة.
واتهم حزب التيار الوطني الجديد، المجلس الدستوري بـ"التقاعس عن ممارسة دوره في حماية الدستور وصلاحياته في متابعة الحالة الصحية لرئيس الجمهورية ليعيد الجدل حول من يحكم البلاد ويصدر البيانات في هذه الأيام".
وأبرز الحزب أن غياب الرئيس عن ممارسة صلاحياته الدستورية منذ 18 تشرين الأول/أكتوبر 2020 إلى يومنا هذا، "جعل مؤسسات الدولة تعيش شللا تاما بفعل مركزية القرار والصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس الجمهورية في هذا الدستور والدستور الجديد".
وطالب الحزب، بضرورة تفعيل المادة 102 من الدستور وإعلان حالة عجز الرئيس عن أداء مهامه من قبل المجلس الدستوري وتولي رئيس مجلس الأمة رئاسة الدولة لمدة 45 يوما، مع "التعجيل بانتخاب رئيس لمجلس الأمة تجتمع فيه صفات الكفاءة والنزاهة والقدرة البدنية لممارسة مهامه بعيدا عن الحسابات السياسية والولاءات الضيقة".
إشكالات تطبيق المادة 102
لكن المادة 102 من الدستور التي حفظها الجزائريون عن ظهر قلب خلال فترة مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة التي استمرت 8 سنوات، تنطوي على إشكالات وفق بعض القانونيين ما يجعلها عصيّة على التطبيق.
وأوضح القانوني عبد الرحمن صالح، أن هذه المادة لا تحدد من يملك صلاحية استدعاء المجلس الدستوري، في حين أن الدساتير الحديثة تحدد بدقة ذلك لتفادي أي تعطل لسير الدولة في حال مرّت بهذا الوضع الحساس.
وأبرز صالح في تصريح لـ"عربي21"، أن الشخص الذي يملك حق دعوة المجلس الدستوري للانعقاد مثلا في فرنسا التي تعتمد الجزائر نفس نظامها الدستوري شبه الرئاسي، هو الوزير الأول ورئيس البرلمان، لكن هذا الأمر يختفي حسبه في الدستور الجزائري الذي يتحدث عن اجتماع المجلس الدستوري وجوبا في حالة الشغور دون تحديد من يخطره بذلك.
لذلك، يؤكد صالح أن هذه المادة غير ممكنة التطبيق في ظل تركيبة النظام السياسي، لأنه لا يوجد من يمكنه دعوة المجلس الدستوري للنظر في هذه المسألة.
تأثير غياب الرئيس
وبعيدا عن التفاصيل القانونية التقنية للمادة 102 ومدى واقعية الدعوة لتطبيقها، بدا واضحا أن مرض الرئيس أجّل الكثير من المواعيد المهمة وأبرزها المصادقة على الدستور الجديد الذي تمّ الاستفتاء عليه.
وذكر حميد غمراسة رئيس القسم السياسي لجريدة "الخبر"، أن غياب الرئيس في النظام الجزائري يؤثر بالضرورة على سير الدولة لأنه هو رأس السلطة التنفيذية المهيمنة على كل الأجهزة والهيئات.
وشرح غمراسة في تصريح لـ"عربي21"، فكرته بمثال مجلس الوزراء الذي لا يوجد مسؤول آخر عدا رئيس الجمهورية من لديه صلاحية استدعائه للاجتماع، في حين هذا المجلس حسبه، هو من يتخذ القرارات الهامة في البلاد.
وأضاف المتحدث، أن الدستور يقول إن رئيس الجمهورية يمثل الدولة في الداخل والخارج، وعندما يتوقف نشاطه فهذا يعني، حسبه أن الدولة غير ممثلة فعليا برأسها.
وتوقّع غمراسة أن تتضح الأمور في غضون الأيام المقبلة، كون الرئيس ملزم بروتوكوليا على الأقل بالظهور بمناسبة التوقيع على قانون الموازنة العامة الذي يكون في شهر كانون الأول/ديسمبر.