هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تعالت أصوات في الجزائر، للمطالبة بإلغاء مشروع الدستور على الرغم من تأييده من قبل 66 بالمائة من المصوتين، وذلك بعد المقاطعة الواسعة التي عرفتها العملية الانتخابية.
وتركز الحديث في الجزائر عقب إعلان السلطة الوطنية للانتخابات عن النتائج، حول نسبة المقاطعة التاريخية التي بلغت أكثر من 76 بالمائة، وهي نسبة لم يسبق الإعلان عنها في الانتخابات الجزائرية.
لكن السلطة في تبريراتها لهذه النسب، قلّلت من أهمية المقاطعة، واعتبرت أن الجزائريين من الناحية القانونية، شاركوا لصالح الدستور الجديد الذي سيصبح ساري المفعول بعد نشره في الجريدة الرسمية.
واختارت رئاسة الجمهورية في تعليقها عن النتائج، زاوية دخول الجزائر عهد الشفافية وتطليقها سنوات التزوير الانتخابي التي كانت تضخم نسب المشاركة بما لا يعكس الإرادة الحرّة للجزائريين.
وقالت رئاسة الجمهورية في أول بيان لها إن نتائج الاستفتاء على تعديل الدستور تعد "تعبيرا حقيقيا وكاملا" عن إرادة الشعب وتبين أن رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، كان "وفيا لالتزاماته"، ووعدت بأن "تكون الانتخابات مستقبلا، بمثابة التعبير عن تطلعات الشعب الجزائري ولما يريده لمستقبله".
وحاول محمد شرفي رئيس سلطة تنظيم الانتخابات، في الندوة الصحفية التي حوصر فيها بالأسئلة، تفسير نسبة المقاطعة بظروف الأزمة الصحية التي ثبّطت الجزائريين من الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وكذلك بطبيعة الاستفتاء الذي تخلو فيه المنافسة ولا يكون محلّ اهتمام كبير، بحسبه.
ولوحظ في المقابل، امتناع تام عن التعليق لدى الأحزاب والمنظمات التي أيّدت مشروع الدستور، وهي في معظمها من الأحزاب المغضوب عليها في الجزائر بسبب تأييدها للرئيس السابق.
المصوتون بـ"لا"
أما من جانب المصوتين بـ لا على الدستور، والذين حصلوا على أكثر من مليون و600 ألف صوت، فقد كان التفاعل كبيرا مع النتائج التي أكدّت بحسبهم غياب التوافق على هذا المشروع.
وقالت حركة مجتمع السلم، وهي كبرى الحركات الداعية لرفض الدستور عبر الصندوق، إن المشاركة المتدنية وحجم الرفض للدستور في استفتاء مشروع التعديل الدستوري تسقط مصداقية الدستور الجديد.
واعتبرت الحركة المحسوبة على التيار الإسلامي، أن جبهة الرفض جبهة واحدة وهي جبهة واسعة جدا فاقت الـ85 بالمائة في هذا الاستفتاء، وأشارت إلى أن نتيجة الاستفتاء، تؤكد فشل مشاريع السلطة الحاكمة وعدم قدرتها على تحقيق التوافق الوطني حول الدستور، بما يحفظ البلد من المخاطر الحقيقية التي تهدده.
وذهب رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، إلى حدّ الدعوة لإلغاء مشروع الدستور، وعدم الاعتداد بنسبة المصوتين بـ"نعم" لأنها لا تشكل سوى 13 بالمائة من مجموع الكتلة الناخبة.
وقال جاب الله وهو من زعماء تيار الإسلام السياسي، في فيديو نشره على صفحته الرسمية على فيسبوك، إن أكثر من ثلاثة أرباع الشعب الجزائري باحتساب الرافضين والمقاطعين، هي ضد اعتماد هذا المشروع.
وطالب رئيس جبهة العدالة والتنمية، "بإعادة تشكيل لجنة ثانية تكون متوازنة وممثلة لكل شرائح الشعب الجزائري، عكس اللجنة الأولى التي كانت ممثلة لتيار واحد هو العلماني الاستئصالي"، على حدّ وصفه.
وذكر ناصر حمدادوش النائب في البرلمان، أن هذا الدستور "ساقط سياسيا وشعبيا وأخلاقيا، وهو فاقد للشرعية الشعبية، ونسبة المشاركة والوعاء الانتخابي المصوتين بنعم، لا تؤهله بأن يكون القانون الأسمى للدولة الجزائرية".
وأوضح حمدادوش في تصريح لـ"عربي 21"، أن اعتماد هذا الدستور "يتعارض مع البعد الشعبي والديمقراطي لبيان أول نوفمبر، الوثيقة التاريخية المؤسِّسة للدولة الوطنية الجزائرية الحديثة".
وأشار القيادي في حركة مجتمع السلم، إلى أن هذا الاستفتاء "يمثل درسا للسلطة، كونها استغلت حسبه كل وسائل ومؤسسات الدولة، وجندت له نفس الأحزاب والجمعيات التي ساندت الرئيس السابق، ومارست التضييق على المعارضين للدستور ومصادرة حقهم في حرية الرأي والتعبير والاجتماع والتظاهر السلم، ومع ذلك كانت الإرادة الشعبية فوق الجميع".
المقاطعون
ومن جانب المقاطعين، شدّد التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، على أن نسبة المشاركة في الاستفتاء على التعديل الدستوري، تمثل رفضا شعبيا للنظام الحالي وإفشالا لمحاولته البحث عن الشرعية.
وقال الأرسيدي في بيان له، إن نسبة 23.7 بالمائة المعلنة رغم أنها مضخمة إلا أنها تشكل رفضا شعبيا لخطوة الاستفتاء التي أراد من خلالها النظام الحصول على الشرعية بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وأوضح الحزب الذي تعدّ منطقة القبائل أهم معاقله، أن اعتماد دستور رفضه أكثر من 87 بالمائة من الناخبين هو بمثابة تمهيد الطريق للفوضى التي تحمل كل المخاطر، مشيرا إلى أنه لم يبق سوى توفير شروط تعبير الشعب الجزائري عن سيادته الحقيقية.
اقرأ أيضا: الجزائر منذ تنحي بوتفليقة حتى استفتاء الدستور (إنفوغراف)
من جانبه، اعتبر عبد الغني بادي الحقوقي والناشط في الحراك، أن نتائج الاستفتاء "تعبير واضح عن رفض مسارات السلطة المتجاهلة للخيارات الشعبية في الانتقال السياسي".
وصرّح بادي لـ"عربي21"، قائلا: "نتائج الاستفتاء ستزيد من عزل السلطة أكثر، رغم أنها أرادت أن تستثمر في المقاطعة بإعطاء ثقة للمشاركين في العملية الانتخابية وإيهامهم بأنها تخلت عن التزوير ".
وأضاف أن الدستور المعروض لم يحقق سوى 12 بالمائة بأرقام السلطة، ما يجعله فاقدا للمشروعية، مشيرا إلى أن "الأغلبية المقاطعة هي الفائزة وعلى السلطة التخلي على هذا المسار في اتجاه واحد الذي يزيد من عمق الأزمة ولا يحلها".
ودعّمت الفقيهة الدستورية، فتيحة بن عبو، فكرة اعتماد قراءة سياسية لنتائج الاستفتاء بدل القراءة القانونية الآلية، من أجل إعادة النظر في المشروع، كونه يشكل حسبها، خطرا على التوافق الوطني.
تأثير نتائج الاستفتاء
عكس ذلك، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة وهران، رابح لونيسي، إن نسبة المقاطعة لا تأثير لها على تمرير هذا الدستور، خاصة أن السلطة تملك مبررات من بينها الظروف الصحية ووجود نسبة كبيرة من المقاطعين لا تولي اهتماما بالسياسة، ناهيك عن أن نسبة المشاركة المعلنة هي نفسها في الاستحقاقات السابقة التي كان التزوير يضخمها فقط.
ويقدم لونيسي في تصريح لـ"عربي21"، قراءة مغايرة تقوم على الاعتقاد بوجود جهات أرادت التشويش على الرئيس، من خلال حرمانه من اكتساب شرعية ثانية بمناسبة الاستفتاء، مثلما حصل مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي ذهب لاستفتاء حول الوئام المدني بعد عملية انتخابه التي عرفت انسحاب منافسيه سنة 1999.
وأبرز لونيسي أن هذه الجماعات هي التي عرقلت الرئيس من الذهاب بعيدا في هذه الإصلاحات التي يمكن أن تكسبه شرعية شعبية أكبر لو لبّى أغلب مطالب الحراك، كما أن تبون لم يجد، حسبه، مساعدة من الحراك الذي تركه في مواجهة هذه الجماعات.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية، أن هناك الكثير من الرؤساء كانوا يعانون من نقص الشرعية في بداية حكمهم، لكنهم تداركوا ذلك عبر إجراءات وقرارات وسياسات تكسبهم الشعبية، مشيرا إلى أن الوقت لا يزال أمام تبون بعد محطة الاستفتاء في تحقيق ذلك.