هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انتهت،
الثلاثاء، جولة الإعادة في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية المصرية، بسيطرة حزب "مستقبل وطن"، المدعوم من الأجهزة السيادية بالدولة، على
أغلبية مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب، وسط مقاطعة معظم قوى المعارضة في الداخل
والخارج، وفي ظل ما وصفه البعض بانقلاب النظام على بعض أبنائه الذين كانوا مُقربين
منه في السابق، وعلى ضوء اتهامات واسعة بالاستخدام المفرط للمال السياسي وشراء
الأصوات في تلك الانتخابات التي كانت نسب المشاركة فيها محدودة جدا.
وفي ظل استمرار تأزم الأوضاع المصرية على كافة المستويات
الاقتصادية والمعيشية، والسياسية، والحقوقية، وغيرها، تبرز تساؤلات عن مستقبل
البرلمان الجديد، الذي تمت "هندسته وصناعته"، بالتزامن من الانتخابات
الرئاسية الأمريكية التي أسفرت عن فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، والذي تعهد
سابقا بألا يمنح مزيدا من الصكوك البيضاء لـ "ديكتاتور ترامب المفضل"
(السيسي).
ورأى مراقبون أن ما جرى في الانتخابات البرلمانية الأخيرة يُعد أسوأ مما كان يحدث في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، حيث سيطر تماما "مؤيدو
السيسي" على غرفتي البرلمان، وكانت الرشاوى الانتخابية جهارا نهارا على مرأى
ومسمع من كافة الجهات المسؤولة عن العملية الانتخابية، في حين اختفت المعارضة من
المشهد البرلماني رغم مشاركة وجوه قليلة محسوبة على المعارضة المدنية داخل مصر.
وفي مشهد نادر، شكّك مرشحون خاسرون
(من مؤيدي السيسي) في نتائج الانتخابات البرلمانية، مُتهمين لجنة الانتخابات في
دوائرهم بتزوير النتائج لصالح بعض المرشحين التابعين لحزب "مستقبل وطن".
ومدة
عضوية مجلس النواب خمس سنوات ميلادية، تبدأ من تاريخ انعقاد أولى جلسات دور
الانعقاد الأول له، وفقا للمادة 106 من دستور مصر الحالي.
وسينعقد
مجلس النواب الجديد خلال شهر كانون الثاني/ يناير 2021، ما يعني افتراضية استمراره حتى كانون
الثاني/ يناير 2026، فهل سيكمل هذا البرلمان فترة ولايته الدستورية حتى نهايتها؟
"تغير
الأوضاع السياسية"
يجيب الحقوقي المصري مدير المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، شريف
هلالي، بالقول إن "هذا البرلمان وطريقة انتخابه وما حدث من تلاعب فيه في تجميع الأرقام
مثلما حدث في بعض الدوائر الانتخابية، واستخدام المال السياسي، وإدارة المشهد
الانتخابي لصالح حزب الدولة الجديد (مستقبل وطن) سيؤدي لقناعة الناس بأن التغيير
عبر الانتخاب سيكون مستحيلا".
وشدّد
هلالي، في تصريح لـ"عربي21"، على أن "انحياز مجلس النواب والشيوخ
للسلطة التنفيذية سيضع سمعة سيئة على البرلمان بغرفتيه، وأداء مجلس 2015 كان خير
دليل على ذلك"، مُرجحا "تغير الأوضاع السياسية المصرية خلال الفترة
المقبلة، خاصة أن هناك حالة سيولة وأسبابا قائمة للاحتجاج".
واستطرد
"هلالي" قائلا: "بالتأكيد سيتغير المشهد بشكل أو بآخر، خاصة أن
هناك انتخابات رئاسية قادمة وستكون مُوجّهة بطبيعة الحال، مما سيفتح الباب لأسئلة
كثيرة حول شرعية النظام في مصر، فضلا عن أن هناك حالة اختلاف في المصالح بين بعض
أجنحة النظام، والتي قد تؤثر على مسار العملية السياسية برمتها".
"مجالس
صورية مشبوهة"
من
جهته، قال السياسي المصري وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان سابقا، أسامة رشدي،
إنه "لا يمكن التنبؤ إن كانت هذه المجالس ستكمل مدتها أم لا. وما أنا متأكد
منه أن مجالس السيسي صورية مشبوهة تشكّلت بمواصفات أمنية لتعمل كماكينة لتمرير
التشريعات سيئة السمعة التي يريدها السيسي، كما تابعنا في البرلمان السابق الذي
مرر 877 قانونا، منها أكثر من 300 قانون مرروها في أسبوع بدون قراءتها في بداية
انعقاده".
وأضاف:
"لقد رأينا كيف فشل البرلمان الذي شكّلته أجهزة الأمن في ممارسة سلطاته في المحاسبة
أو التحكم في اعتماد الموازنة العامة وتحديد أولويات الإنفاق أو الاقتراض، وهو ما
فتح الباب لإنفاق أموال الدولة على مشروعات لا عائد من ورائها على حساب تقليص
موازنات الخدمات الأساسية، والتوسع في الجباية وفرض الضرائب والرسوم، والتغول حتى
على مساكن المواطنين بتشريع هدمها بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر، وهو ما يجعل
البلاد تتجه لكارثة اقتصادية ومجتمعية بسبب حكم الفرد وعسكرة الاقتصاد في ظل تداعيات
أزمة كورونا داخليا ودوليا".
اقرأ أيضا: مصر: هل انتهى مرتضى منصور بعد خسارته بانتخابات البرلمان؟
وأشار
"رشدي"، في تصريح لـ"عربي21"، إلى أن "النظام الآن بات
مفلسا، وهي نتيجة حتمية بسبب سياساته وتوسعه في الاقتراض، ولن يتمكن من تعويض ذلك
بمزيد من الجباية والضرائب، حيث لم يعد في وسع الشعب تحمل المزيد منها، وهو ما ينذر
بالانفجار كما تابعنا في أيلول/ سبتمبر الماضي".
واختتم
العضو السابق بالمجلس القومي لحقوق الإنسان بالقول: "لا يمكن لمجالس وهمية
ديكورية فاقدة للشرعية، أن تؤسس لمشروعية حكم السيسي، بل هي تؤكد استمرار حالة
اختطاف الدولة بعد الانقلاب العسكري قبل 7 سنوات".
"غياب
السيسي"
بدوره،
أوضح البرلماني السابق، علي محمد درة، في حديث مع "عربي21"، أنه "في
ظل حالة تشتت المعارضة كما هو الآن، ومع الدعم الإقليمي والدولي لنظام السيسي يمكن
أن يستمر البرلمان ومجلس الشيوخ حتى نهاية المدة".
واستدرك
بالقول: "قد يحدث شيء قدري مثل غياب السيسي لموت أو مرض يخرجه عن الحكم، وهنا
يمكن لمَن يأتي أن يقوم بعمل بعض التغييرات، وقد يكون منها تغيير الهيكل السياسي في
عهد السيسي، ويدفع إلى حلهما (مجلسا الشيوخ والنواب)، والدفع باتجاه إجراء انتخابات
برلمانية جديدة".
ورأى
"درة" أن "بقاء السيسي ونظامه، ومنه البرلمان ومجلس الشيوخ، أصبح
رغبة خليجية إقليمية ودولية. والبديل من وجهة نظري غير واضح المعالم، وبالنسبة
للغرب غير مأمون العواقب".
"مشهد قابل للانفجار"
وأكد القيادي بحزب الحرية والعدالة، أحمد رامي،
أن "المنطقة بأكملها، ومن ضمنها مصر، ما زالت تعيش حالة من عدم اليقين بالنسبة
لمستقبلها، ولذلك يبدو أنها تسير في بحر من الرمال المتحركة"، مشيرا إلى أن
"هناك متغيرات إقليمية ودولية كثيرة، أهمها نتائج الانتخابات الرئاسية
الأمريكية وتداعياتها المحتملة على السيسي سواء بصورة مباشرة أو عبر التأثير على
الدعم الإقليمي الذي يتلقاه من السعودية والإمارات".
ولفت "رامي"، في تصريح
لـ"عربي21"، إلى "خطورة تصاعد الاحتقان داخل مصر، وتدهور الأوضاع
المعيشية، في ضوء تداعيات جائحة كورونا، وكذلك الغموض الذي يحيط بملف سد النهضة،
وهو ما يجعل المشهد المصري قابلا للانفجار في أي توقيت، وقد يكون ذلك بشكل مفاجئ
للجميع كما كانت ثورة 25 يناير مفاجئة للجميع أيضا، وبالتالي فمسألة برلمان السيسي
هي جزء صغير جدا من أحداث كبرى متوقعة".