قال الأمين العام
لملتقى "القدس أمانتي" في
السودان، معز زكريا، إنهم سيواصلون تحركاتهم
المختلفة لمواجهة ورفض مُخطط
التطبيع، ومناهضته بكل
السبل المتاحة والممكنة، مشيرا إلى أنهم بدأوا خلال الفترة الماضية مجموعة من الأنشطة والفعاليات في هذا
الصدد، وسيستمرون في ذلك دون توقف حتى "إسقاط تلك الجريمة الشنعاء التي
نعتبرها كارثة الكوارث، ولن نسمح بتمريرها بأي صورة من الصور".
وأضاف، في مقابلة مع "عربي21"، أن "موقف السودان،
الرسمي والشعبي، من التطبيع معروف تاريخيا، حيث اشتهرت الخرطوم بأنها عاصمة
اللاءات الثلاثة، وظل الشعب السوداني مؤيدا للقضية
الفلسطينية، وداعما لها
باستمرار، ماديا ومعنويا؛ لذلك لم يتجرأ الاحتلال الصهيوني أن يفتح ملف العلاقات
مع السودان في ظل أي حكومة مرت عليه، بل كان موقفه من بلادنا هو العداء المستمر،
والذي ظهر في شكل عقوبات اقتصادية أمريكية، وفي شكل ضربات جوية إسرائيلية عدة
مرات".
واستدرك "زكريا"
بالقول: "لكن بعد انفصال جنوب السودان عام 2011، وانهيار اقتصاد البلاد بصورة
متسارعة، بدأت مساومة الحكومة السابقة بملف التطبيع، حتى يتم رفع اسم السودان من
قائمة الإرهاب الأمريكية، ورفع العقوبات الاقتصادية، ووجدت أمريكا وإسرائيل
وحلفاؤها الإقليميون الفرصة مواتية عقب الثورة السودانية في 2019، لمحاولة تغيير
الموقف الرسمي السوداني".
"الضعف الشديد والفوضى السودانية"
وأرجع "زكريا"
تطور ملف التطبيع الآن إلى "استغلال أمريكا وإسرائيل لما وصفه بالضعف الشديد
للدولة السودانية، والفوضى السياسية والقانونية والهشاشة الأمنية، والكارثة
الاقتصادية خلال الفترة الانتقالية لحكومة الثورة، ووجود بعض أصحاب المصالح والعملاء
والمرتهنين داخل هذه الحكومة الذين فُرضوا فرضا على الشارع السوداني لتمرير
الأجندة الخارجية، وعلى رأسها ملف التطبيع".
وتابع: "لقد ظهرت بوادر التطبيع منذ تشكيل الحكومة الانتقالية
على ألسنة بعض رجالها بالدعوة لعودة اليهود إلى السودان، والتوسع والترويج المُبالغ
فيه لموضوع التعايش الديني مع الآخرين، وخاصة مع اليهود، وإعادة السودان للمجتمع
الدولي عبر التعامل مع الجميع حتى إسرائيل، ومقابلة عدد من المسؤولين السودانيين
لمسؤولين إسرائيليين، سرا وجهرا، وما إلى ذلك".
وشدّد الأمين
العام لملتقى "القدس أمانتي" في السودان على أن "هناك
العديد من الأقوال والأفعال المريبة التي كانت تشير إلى وجود اختراق حقيقي للدولة
السودانية، وتوجيه خارجي لبوصلة الثورة السودانية إلى أهداف غير التي سعى لها
الثوار من حرية وسلام وعدالة، إلى أهداف لا تخدم سوى الهيمنة الأمريكية والصهيونية
في المنطقة عموما وفي السودان خصوصا".
"مصالح شخصية"
وعن رؤيته لموقف الحكومة من قضية التطبيع، قال: "لا يمكن الحكم
عليها إجمالا؛ فالحكومة لها شقان، مدني وعسكري، وفي كليهما أطراف مؤيدة للتطبيع
وأخرى رافضة له وهي الأكثر، ولكن للأسف فإن قيادة الشق المدني المُتمثلة في رئيس
الوزراء، وقيادة الشق العسكري المُتمثلة في رئيس مجلس السيادة ونائبه مؤيدون
للتطبيع، وقد صرّحوا بذلك أكثر من مرة، خاصة العسكر منهم، وهم الآن الذين يملكون
السلطة حقيقة، وبيدهم مقاليد الأمور".
وأوضح "زكريا"
أن "سبب تأييد ملف التطبيع داخل السلطات السودانية لا تفسير له سوى أن وراءه
مصالح شخصية وعدت بها أمريكا وإسرائيل ووكلاؤها الإقليميون (الخليجيون) هذه
الشخصيات، كدعمهم سياسيا ليستمروا في الحكم - بدون تفويض شعبي - ودعم اقتصادي ليخدروا به
الشعب المطحون حتى يمر ملف التطبيع دون اعتراض منه".
ورأى أن "الفريق الإسرائيلي الذي سيزور الخرطوم خلال الأسبوع
المقبل لن يأتي إلا ليأخذ، ولن يقدم شيئا للحكومة سوى الوعود الكاذبة، ولا للشعوب
سوى التخريب والتدمير الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وهذا ليس اتهاما مرسلا،
وإنما هذا هو حصاد الدول التي سبقت السودان في الدخول لحظيرة التطبيع ابتداء بمصر
وانتهاء بجنوب السودان، ولن يكون حال السودان أفضلمن واقع جيرانه الذين زارتهم مثل هذه الوفود، وما
زالت، ولم تزدهم إلا فقرا وضعفا".
"تحركات في مواجهة الخطر الداهم"
وواصل حديثه قائلا: "هذا كله جعلنا نستشعر الخطر الداهم للبلاد،
وزاد من عزيمتنا في رفض التطبيع ومناهضته بكل السبل الممكنة، وبما أن مجال عملنا
هو نشر الوعي بقضية القدس وفلسطين وإيقاظ ضمائر صناع القرار والجماهير حول ما يدور
في القدس من تهويد وانتهاكات وتزوير؛ فإننا قد قمنا بتكثيف أنشطتنا وبرامجنا خلال
هذه الأيام، خاصة في الجانب الإعلامي".
ولفت الأمين
العام لملتقى "القدس أمانتي" في السودان إلى أنهم أقاموا
مؤخرا بعدد من الأنشطة، منها "مهرجان
(الأقصى في خطر)، للتعريف بجرائم الاحتلال اليومية في القدس وفلسطين، والتوعية
بخطورة التهويد المُمنهج من قبل الاحتلال، وإطلاق مشاريع تدعم ثبات المقدسيين
والمرابطين".
ونوّه إلى أنهم أقاموا أيضا عددا من الندوات والمحاضرات عبر شبكة
الإنترنت التي "تُبين مفهوم التطبيع ومخاطره وترد على شبهات المؤيدين له، كما أننا شاركنا أيضا في تنظيم عدد من الوقفات الاحتجاجية والتظاهرات الرافضة
للتطبيع، وكان آخر أنشطتنا (دورة سفير القدس2) التي نهدف من خلالها إلى تخريج
قيادات شبابية مسلحة بالمعرفة والوعي والمهارة التي تخدم بها قضية القدس
وفلسطين".
واستطرد "زكريا"
قائلا: "سنستمر بحول الله وقوته في الوقوف أمام قرار التطبيع بكل السبل
والأنشطة والأعمال المشروعة، حتى يتم التراجع عنه من قبل حكومة الفترة الانتقالية
غير المنتخبة، والتي لا تمثل الشارع السوداني".
"أحزاب الحرية والتغيير"
وذكر أن "أحزاب الحرية والتغيير ترفض التطبيع إلا قليل منهم،
ابتداء من حزب الأمة وانتهاء بالحزب الشيوعي ومرورا بحزب البعث والناصري، وقد أُحرجت
جدا أمام جماهيرها بقرار التطبيع هذا، حيث أعلنت هذه الأحزاب في عدد من البيانات
رفضها للتطبيع، وإرجاءها له إلى حين تكوين المجلس التشريعي الذي يمثل الشعب
السوداني حقيقة.
ولكن لأنها لا تملك من السلطة شيئا سوى الأجهزة التنفيذية المتمثلة في الوزارات، ولأن الشق العسكري
هو الحاكم الحقيقي فإنها آثرت الرفض على استحياء أو السكوت على مضض، حتى لا تخسر
الدعم السياسي الأمريكي والدعم الإقليمي لصالح العسكر، وحتى تحافظ على ما بقي لها
من مصالح ومناصب سياسية إلى نهاية الفترة الانتقالية".
وأردف: "في نهاية المطاف، ستجد أحزاب الحرية والتغيير نفسها
خارج اللعبة السياسية مستقبلا، وستُضطر لإعلان موقفها من التطبيع وغيره من الملفات
التي انفرد بها العسكر، وبكل تأكيد ستجد قبولا من الشارع إذا تحركت ضد التطبيع قبل
فوات الأوان، وقبل أن تفقد الشارع بسبب صمتها وضعفها أمام العسكر".
رحيل "عرّاب التطبيع"
ووصف الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب بأنه "عرّاب التطبيع"
في السودان والمنطقة، مؤكدا أن "رحيله عن حكم الولايات المتحدة كان متوقعا،
لأنه شوّه وجه أمريكا - المشوّه أصلا - أمام العالم بسبب عجرفته وتعاليه وابتزازه
للدول، خاصة العربية، وعنصريته وتأييده المطلق لدولة الاحتلال".
وأشار "زكريا"
إلى أن "بعض الحكومات العربية كانت تعتمد بالكلية على ترامب سياسيا، ولم تكن
تحسب حسابا لرحيله، وهرولت في دخول حظيرة التطبيع بسرعة حتى تكسب وده ودعمه وتضمن
بذلك حكمها وسلطتها - حسب ظنها - بل عملت هذه الحكومات على دفع غيرها من الدول باتجاه التطبيع، مثلما فعلت بعض دول الخليج مع السودان، ودفعت من أموالها لشخصيات رسمية وشعبية لتروج
للتطبيع وتدعمه".
وقال: "لكن بعد مغادرة ترامب للبيت الأبيض ستتغير هذه المعادلة،
وستخف أو تنخفض جدا موجة التطبيع، لأن الرئيس الجديد (جو بايدن) لا يعمل بنفس
طريقة ترامب التي تعتمد على الضغط والابتزاز والسرعة والجهر بالمواقف المؤيدة
لإسرائيل، وبالتالي ستُجمّد هذه الحكومات حركتها نحو التطبيع لترى توجه الرئيس
الجديد وسياسته تجاه إسرائيل، والتي بلا شك ستكون في صالح الكيان الصهيوني، ولكن
بأسلوب أكثر دبلوماسية، كما يظهر من خطابه".
وبسؤاله عن فرص نجاحهم في إسقاط مخطط التطبيع بالسودان، أجاب:
"نحن نعتمد أولا على وعد الله سبحانه وتعالى، ووعد الرسول محمد صلى الله عليه
وسلم، بإنهاء الظلم على تلك الأرض وإخراج اليهود منها، وعلى عدالة هذه القضية التي
لابد أن يرفع الظلم عن أهلها وأرضها، ثم على وعي الشعب السوداني، وعقيدته
الإسلامية الراسخة تجاه القدس والأقصى، وعلى أخلاقه الكريمة المعروفة في نصرة
المظلومين وردع الظالمين".
وأضاف: "كما أننا نعتمد على عمق القضية الفلسطينية في الضمير
الإنساني لشعبنا، وعلى شدة بغضه للصهاينة المحتلين، وكرهه لجرائمهم اليومية في حق
إخواننا الفلسطينيين، وعلى إدراكه لأطماع الغرب وأمريكا وإسرائيل في موارد السودان
وخيراته المتنوعة، والتي يحاولون الوصول إليها بالابتزاز بملف التطبيع الذي هو في
الحقيقة تطويع وتركيع".
واختتم الأمين
العام لملتقى "القدس أمانتي"، بقوله: "ونعتمد كذلك على
دور الجماعات والأحزاب والحركات والكيانات والشخصيات الإسلامية والوطنية التي تمثل
غالب أهل السودان، وتنطق بلسانهم وتُعبّر عنهم في رفض هذا التطبيع واستمرار
اللاءات الثلاثة التي أعلنها السودان، وسيظل يرفعها، حتى تُرد فلسطين إلى أهلها".
يُشار إلى أن ملتقى
"القدس أمانتي"، تأسس عام 2014، ويُعرف نفسه بأنه ملتقى شبابي عالمي
يهدف لـ"إيقاظ ضمائر صناع القرار في العالم تجاه القدس"، حيث ينشط في
عشرات الدول الإسلامية والعربية.