قضايا وآراء

الحل الأساسي الذي يملكه الإخوان للأزمة المصرية

محمد ثابت
1300x600
1300x600
فريق من المُنتمين يحبون أن يُذكّروا كل ناصح أو ناقد لمسار جماعة الإخوان بأن أتباعها إما معتقلون أو شهداء أو مصابون أو مطاردون؛ ولا يضيف هؤلاء: أو متفرقون؛ فضلا عن أن يعوا ويتفهموا أولا أن الأصل هو ألّا يستسلم إخوان مصر لحالة الإفناء المُتعمد التي يُعملها النظام لمخلصيهم الذين وقعوا تحت يديه.

كما أن الإخوان ليسوا سواء داخل مصر أو خارجها؛ فمن الفريقين مَنْ استجاب لمتطلبات البقاء على قيد الحياة، ومن الأخيرينَ مَنْ يُجبرون المغلوبين على أمرهم على الاستمرار في الأزمة مهما ازدادتْ مرارتها. والفريقان عموما لم يعد من تأثير لهم على مجريات الحياة في مصر، سواء في الداخل أو من الخارج، ولكي يخرجوا أنفسهم من هذة الأزمة على قيادتهم التغلب على نزعات النفس وتغليب مصلحة الصف والوطن معا.

وإن قال "قائل الإخوان" وردد بأنهم يرحبون بكل رأي حر لإنهاء الأزمة المُتردية الحالية، أفاد الواقع العملي بالنقيض تماما؛ فالرأي غير المُتوافق مع رأي واتجاه قيادات الجماعة الحالية بتجميد الأزمة في مصر وإبقائها كما هي عليه إلى ما لا نهاية لا يتم الالتفات إليه، وإن جاء من داخل الجماعة نفسها؛ بل يُعاقبُ صاحبه بالاتهامات و"الشَّيطنة" والدفع به إلى الابتعاد؛ إن لم يأته قرار بوجوب الاعتزال، وهي حرب عموما تستخدم الجماعة فيها مختلف الأسلحة المعروفة وغيرها.

وعلى فرض أن الجماعة تتغير وأن الداعين منها لتقديم حل عملي لأزمة إخوان مصر؛ بعضهم - على أحسن الفروض - ليس مشاركا في تأزيم الموقف شهرا بعد شهر وسنة بعد أخرى، وبعيدا عن الإخوان في الوطن العربي وآخرين يعلنون عدم صلتهم بإخوان مصر (وهي الجماعة الأصل أو الأم)؛ لمشاهدتهم لجماعة مصر وهي تسير من سيئ إلى أسوأ أيضا، بعيدا حتى عن اللجان التي عُقِدتْ وتُعقد لحل الأزمة من داخل الجماعة وخارجها وفشلت وتفشل، مع أن إحداها وافقتْ الذكرى الخامسة للثورة وأُعلنت نتائجها في 26 من كانون الثاني/ يناير 2016م (ضمّت كبار رجال الأمة المُناصرين للإصلاح، وفي مقدمتهم الشيخ يوسف القرضاوي؛ ولعله من أقدم وأبرز أهل الأرض عضوية في الجماعة، كما ضمّت اللجنة المحلل السياسي والأكاديمي الدكتور محمد مختار الشنقيطي، والقيادي بحركة حماس خالد مشعل، والأكاديمي رئيس هيئة علماء المسلمين الآن الدكتور أحمد الريسوني)، أيضا بقطع الطرْف عن أن أعضاء اللجنة اجتمعوا بقسميّ الإخوان من القيادات المقيمة خارج مصر، وأصدروا قرارهم بعد تشاور بينهم بوجوب تنحي قيادات الإخوان من الطرفين؛ فوافق الطرف الأحدث وأبى ورفض الطرف الأقدم، مما أدى إلى بقاء قيادات الطرفين، وتجميد الوضع على ما هو عليه.

يجب أن نبتعد في سياق افتراض رغبة الجماعة في الإصلاح عن أن الأمر وقتها أثمر قدحا وذما خفيا ومعلنا في أبرز أفراد اللجنة المنتمين للجماعة، من جانب رافضي القرار، من القول بأنه على العين والرأس، لكنه ليس تنظيميا بل مفصولا من الجماعة منذ عشرات السنوات!

والخلاصة (من كل ما سبق) أنه على فرض صحة الرأي القائل بأن الجماعة تتغير، وهو ما يتمناه كل شريف غير راضٍ عن الأوضاع في مصر، إذ إنها كتلة إذا اجتمعت لا يستهان بها في حلحلة الأزمة المصرية الحالية ومحاولة حلها وإن طال الوقت، فإن أقل شعاع ضوء في نهاية النفق أفضل من حالك الظلمة. ولن يجيء حل للأزمة الإخوانية الحالية إلا من داخل الصف نفسه، وهو حل سهل يسير لو صلحت النوايا وحسنتْ، ثم تمَّ تطهير الصف (ولو بصورة مبدئية) من أولئك الأدعياء والمدسوسين حتى أعلى مستوى، ولعل ذلك جهد يكافئ ويساوي جهد الإصلاح ومحاولته سواء بسواء.

أما الخطوة التالية، والأهم من وجهة نظر كاتب الكلمات، طالما وجدت رغبة في الإصلاح، فجمع صف الجماعة كله من أطرافه؛ إذ لا معنى لدعوة الإخوان للاصطفاف مع المخالفين لهم، حتى من أنصار 30/6 أو مؤيدي السيسي الذين رأوا أنهم صاروا في طريق خاطئ، بينما الإخوان (أنفسهم) يُعادون بعضهم بعضا.

وبعد جمع الصف وتصفية مَنْ به والتأكد من نقائه، تُعقد ورش عمل متلاحقة مُنظمة بخاصة في الخارج، وما أمكن بالداخل، لا المحاضرات المعتادة التي يفرض فيها المُتحدث باسم الدين رأيه على الجميع (مع حجر ومنع للمعارضين له من إكمال كلماتهم ثم الاستهزاء بآرائهم)، ومع جمع آراء الصامتين والمغلوبين على أمرهم بعد أن دفعوا ضريبة غالية من فقدان أعزاء، وربما فصل من عمل ومطاردة أو إصابة. وعقب تبويب الآراء، ووضعها في إطار بنود وحلول كبرى تعبر عن واقع الصف الحقيقي، يتم الاستفتاء داخل الصف الأقرب للنقي كله حول الحل الأمثل للأزمة الحالية.

وأدبيات جلسات الحوار والاستفتاء يسبقها تأمين للصف في الداخل والخارج؛ في الداخل إن أمكن دون مخاطر أمنية، وفي الخارج بإعلان أن أي رأي لن يؤثر على تعامل الصف كله مع قائله؛ إذ ليس من المنطقي أن تنقلب الجماعة على مجرد مخالف لها في الرأي، وتأنس لآخر قد لا يكون موثوقا فيه أو في رأيه لمجرد قدرته على موافقة الجماعة، والتحدث إليها بما يوافق ويمدح ويبالغ في استحسانه لرأيها.

ومن أهم آليات ذلك التحول للأخذ برأي المجموع من الإخوان؛ اقتناع المتجاوزين للستين عاما والسبعين (على أفضل الافتراضات)، ممن يُعدون بوجه عام على أصابع اليد الواحدة أو اليدين على الأكثر.. بوجوب رفع وصايتهم على الجماعة، وإن المصائب التي آلت إليها جاءت من وصاية أمثالهم بالإضافة إليهم، وفي سبيل هذا تسحب الجماعة سابق أدبياتها الطويلة المدى بـ"شرعنة" استئثارها بالرأي عبر لي عنق النصوص الحكيمة.

بهذه الطريقة يعود للجماعة بريقها وألقها وتجمع أفرادها حولها لمّا يستشعرون أخذها بوجهة نظرهم واحترامها لها؛ ومن ثم تعود ثقة الشباب في الجماعة وكبرائها في مصر، والأهم تصل الجماعة إلى بر الأمان، وتستطيع موافقة نفسها أولا والتصرف مع الظرف الحاد المُميت الحالي بالتعقل والتروي والجدية، بما يفرز تغيرا في الموقف العام يناسب الضياع الشامل الذي يلف الجماعة وأفرادها حاليا؛ وعلى أقل الفروض يُعيدُ للجماعة وحدتها، حتى إن وافق صفُّها (وهو أمر مُستبعد) على موقفها الحالي.

فإن قال قائل في النهاية بأن الجماعة لن تتغير فتأخذ برأي أحد؛ ولن تغير من أفعالها وقرارتها الحالية قيد أنملة، فلماذا الكتابة إليها؟ كان الرد واضحا، وإن اعترفنا بالفارق؛ ففي "القرآن الكريم": "وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْما ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابا شَدِيدا ۖ قَالُوا مَعْذِرَة إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"،(سورة الأعراف: 164).
التعليقات (2)
الكاتب المقدام
الإثنين، 16-11-2020 09:12 ص
*** الإخوان المسلمون كأي جماعة أو حزب أو تنظيم سياسي، تستمد قوتها ليس فقط من قوة تنظيمها وتماسك وإخلاص أعضاءها ورجاحة رأي قياداتها، ولكن من قوة المؤيدين لها ولأهدافها العامة من خارج دائرة الانتماء التنظيمي فيها، والذين أدلوا بأصواتهم تأييداُ لانتخاب الرئيس الشهيد محمد مرسي من خارج الجماعة يزيدون عن عشرة أضعاف أعضاءها، والجماعة وقياداتها لم يبرزوا من فراغ ولم يتفردوا بالعمل الإسلامي العام، فقد نشأت الجماعة من التيار الإسلامي الأوسع نطاقاُ والأكثر تجذراُ والأقدم تنظيماً ونشاطاً وتأثيراُ، ولقد عملت الجماعة من خلاله وبالتعاون معه، ومع أهمية دورها، فقد بقي نطاق العمل الإسلامي العام وغالبية الشخصيات الناشطة والمؤثرة فيه، خارج دائرة تنظيمات الجماعة وقياداتها، وللتدليل على ذلك فإن حسن البنا مؤسس الجماعة نفسه بعد حل الجماعة الأول والاستيلاء على مقاراتها في عام 1948، صرح بأنه كان عضواُ في جمعية الشبان المسلمين قبل نشأة جماعة الإخوان، واستمر في عضويتها ودفع اشتراكاتها، وأنه سيستمر في العمل من خلالها، وقد واصل العمل في المقر العام لجمعية الشبان المسلمين إلى أن تم اغتياله رحمه الله أثناء خروجه منها، ورغم التضييق والحظر والقمع والمطاردة التي تعرضت لها قيادات الجماعة واعضاءها، فقد استمر غالبية أعضاء الجماعة نشطين في العمل داخل النطاق الاجتماعي والوطني الأوسع، كما أن هناك من الشخصيات من كانوا أكثر نجاحاُ وتأثيراُ وإخلاصاً في تحقيق اهداف العمل الإسلامي العام من خارج قيادات الجماعة وتنظيماتها، كما أن هناك من الشخصيات التي تسللت داخل تنظيمات الإخوان وارتقت إلى أعلى المناصب القيادية فيها، ثم انقلبوا عليها وناصبوها العداء، والعصابة الانقلابية في مصر ومؤيدوها اليوم لا يستهدفون الإخوان المسلمون فقط، ولكنهم يستهدفون الشعب المصري بأثره وهويته، ومقاومتهم فرض عين على كل مصري قادر، فهم المتضررون في المقام الأول من قمع العصابة الانقلابية ونهبها لثرواتهم ورهنها لبلادهم للقوى الخارجية، والقول بأنهم "لم يعد من تأثير لهم على مجريات الحياة في مصر"، قول غير صحيح، لأن أعضاء العصابة الانقلابية هم الذين انقلبوا على بعضهم البعض، وفقدوا غالبية داعميهم ومؤيديهم، والشعب المصري سيبقى محافظا على هويته الإسلامية، وهو القادر وحده بوعيه الجمعي بإذن الله على تحديد ساعة الثورة الحقيقية وإبراز قياداته الميدانية، وحينئذ ستظهر حقيقة موازين القوى وحدود ونطاق المواجهة بين قوى الشعب الحقيقية وحكوماته القمعية الفاسدة.
مصري جدا
الإثنين، 16-11-2020 08:49 ص
لا تشاركوا في الملهاة ،،، حفاظا على ما تبقي من وطن وما تبقى من دين ،، دعوا الاخوان وشأنهم ،، فليواصلوا كما يريدون وفقهم الله ،، ولنلتفت إلى باقي المشهد ،، إلى الوطن الواقع والمستقبل ،،،، فالواقع المعاش ورصيد التجربة يو?شران إلى ا?ن مكونات المشهد برصيده وتاريخه لم يعد كافيا، وباتت هناك حاجة ملحة لدخول كتلة مضافة على المشهد العام كنتيجة طبيعية لتجربه ا?كثر من نصف قرن، لم تقدم فيه السلطة والجماعات والكيانات والا?حزاب المطلوب كاحتياج وليس كطموح، بالطبع لاعتبارات يتحمل مسو?ولياتها الجميع، سلطة ومعارضة وشعبا. المنشود تعزيز الفضاء والفراغ المتاح لقطاع ا?وسع من الشعب بهدف ا?نتاج تيار عام داعم للا?صلاح؛ ليس محسوبا على ا?حد حتى لا يكون مطالبا بسداد فواتير لا شا?ن له بها.،،، تيار عام ليس ضد السلطة بحدة المعارضة وليس معها بولاء مناصريها، بمعنى ا?نه تيار لا يسعى ولا يصارع على السلطة، لكنه يسعى لبناء المجتمع الذي يراقب السلطة ويصارع القيم والمفاهيم السلبية المهددة للبناء المجتمعي. تيار عام تنبغ فيه المهارات والقدرات والا?بداعات الفردية والجماعية في مجالات العمل العام، تيار يمثل مناخا حاضنا لكل ما هو وطني ومجتمعي مميز ومبدع، بعيدا عن ا?طماع وصراعات السلطة وفرق الموالاة، وبعيدا عن صدام وصراعات المعارضة وقيودها، وتجنبا للمعارك الصفرية التي تعيشها بلدان المنطقة.،،،تيار عام يعوض النقص الحاد في الفراغات والكفاءات اللازمة لا?ي مجتمع ويمثل نسبة كبيرة من قواه الحية، كفاءات لا يعطلها التا?طير والتنظيم والتحزب بلواي?حه ونظمه المقيدة، تيار وطني عام منظم خارج التنظيمات، لكنه متعاون معها في القواعد والكليات الوطنية والمجتمعية، تيار متنوع متعدد الا?فكار والخلفيات والا?يديولوجيات، متوحد على جملة القواعد والكليات العامة لوطن حر وشعب يحيا فيه بكرامة.،،، تيار مجتمعي لا يشتبك بالعمل الحزبي ولا يغادر المجال السياسي، لا يصادم السلطة صدام المعارضة ولا يو?يدها تا?ييد الا?نصار، ينشغل ببناء المجتمع من خلال بناء الا?نسان ودعم مو?سسات البناء والخدمات، ويعزز منظومة القيم المجتمعية الا?يجابية المرتكزة لثقافة ومعتقدات الشعب، يرسخ قيم ومهارات التفكير العلمي والتواصل المجتمعي المو?ثر والفاعل، المنشودعظيم وصعب، لكن مصر تستحق أن يركب لها الصعب.