قضايا وآراء

مشروع الإصلاح الفكري للإخوان المسلمين (1)

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600
الأزمات الفكرية المركزية في جماعة الإخوان المسلمين وكيفية علاجها

على امتداد القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين، كانت وما زالت جماعة الإخوان المسلمين، وما تبعها وامتد منها من التنظيمات الدينية، في واجهة الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر، حيث علقت عليها الجماهير آمالا عريضة في التحرر والتنمية والنهوض ولم تبخل عليها من خيرة أبنائها، ولم تقصّر معها في أي استحقاق انتخابي شاركت فيه، خاصة عندما منحتها صك جني مكاسب ثورة يناير المجيدة وأوصلتها للحكم. وسرعان ما اكتشفت الجماهير ضعف الجماعة وعدم قدرتها على مواجهة العسكر، وضياع ثورتها وحلمها في التحرر والنهوض، والأسوأ هو الرجوع إلى ما قبل المربع الأول لأيام مبارك وناصر.

وبعد السبع العجاف من مرور الانقلاب، تكشفت للعيان حقيقية الضعف لقيادتها والصراع على المناصب، مما وضعنا جميعا كقوى إصلاحية دينية ووطنية إلى ضرورة تحمل مسؤولية وواجب إصلاحها وإعادتها إلى المنهج الإسلامي الصحيح في الدعوة والتربية وصناعة الإنسان والمجتمع.

المسلم الحضاري، وفقط بعيدا عن دروب السياسة، خاصة أنها أصبحت مكونا أساسيا وحيويا من المجتمع المصري لا يمكن الاستغناء عنه، خاصة مع وجود فرص كبيرة لإصلاحها وتقويم مسيرتها وإعادة ربطها بمسار وقطار الإصلاح العربي والإسلامي، الذي بدأ مع الأفغاني عام 1860م.

التحول في مسار ومنهج العمل، وفلسفة التربية والإصلاح في الإخوان:

الجذور الفكرية لتحول مسار الإخوان المسلمين عن الهدي القرآني والنبوي البين الواضح الأصيل، الذي دفع بها إلى مواجهات مع النظم التي نشأت وتعمل فيها، ووصل بها إلى قرن من الزمان، عمل وتضحيات بلا نتيجة.

أولا: غياب النظرية العلمية التأسيسة

ردة الفعل العاطفية لشاب صغير مملوء بحب ومجد الإسلام، ومشبع بإرث عظيم لفكرة الإصلاح من الأفغاني إلى محمد عبده إلى الكواكبي، ثم الاتصال المباشر بأستاذه محمد رشيد رضا، ردة فعل غلبت عليها العاطفة والحماسة على سقوط الخلافة وضرورة استعادتها، من دون البحث في أسباب سقوطها، والوعي بقوانين التداول الحضاري، بالإضافة إلى وقوع وطنه مصر وغالب المنطقة العربية تحت الاحتلال، وتعرض الهوية الدينية للمجتمع المصري للإحلال السريع من قبل المستعمر وروافده، والبحث عن حل سريع لرد المجتمع إلى دينه وهويته وتحرير وطنه من الاستعمار الأجنبي واستعادة الخلافة بأسرع وقت ممكن. تلك هي البواعث الذي ذهبت بالشاب الصغير حسن البنا أحادي المعرفة الدينية، مع القليل من الثقافة العامة المتنوعة، هي التي ذهبت به لوجود بغيته في البحث عن تنظيم كبير يشمل جميع أنحاء القطر المصري ليقوم بمهمة استعادة الخلافة، وطرد المستعمر الأجنبي، التي أدت به إلى الجمع بين فكرة الدعوة والإصلاح، ونموذج التنظيم السياسي، ودفع به إلى إنشاء هيكل تنظيمي سياسي لمؤسسة دعوية، جعلها مؤهلة وجاهزة للانحراف نحو العمل السياسي، وإن لم يكن ذلك واضحا ومعلنا من قبله في بداية التأسيس.

مثال توضيحي للتعبير عن إنشاء نموذج تنظيم سياسي هرمي للقيام بمهمة دعوية وإصلاحية: تماما هو كشراء شاحنة نقل كبيرة واستخدامها كعربة إسعاف.

ملاحظة مهمة: حكمة الله تعالى بابتعاث محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتضت إرسال الوحي إليه بعد بلوغ سن الرشد الأشد (الأربعين عاما)، وحسن البنا يؤسس جماعة الإخوان المسلمين لإعادة إحياء الإسلام واستعادة الخلافة وهو في بداية العشرينيات من عمره، وبفكر وجهد فردي، مع جودة وتعدد مواهبه، ولكن مع أحادية وضعف بنيته المعرفية اللازمة لمثل هذا العمل الإصلاحي الكبير.

تلك هي التي ألهمت حسن البنا فكرة العمل الدعوى السري، ثم فكرة إصلاح الرأس واتجاهه نحو العمل السياسي الذي جذب الجماعة بفعل الحراك المجتمعي حينئذ، خاصة في ظل وجود المستعمر الأجنبي ووجوب مقاومته، واستدرجها سريعا إلى العمل السياسي والمجافي في طبيعته عن فطرة وطبيعة العمل الإصلاحي التربوي، الذي يهدف إلى إحداث تحولات اجتماعية طوعية هادئة وناعمة ومتدرجة من أسفل المجتمع إلى قمته بشكل هادئ ومتدرج، والمؤسس على قيم ومبادئ:

1- الشفافية.

2- الفهم والقناعة.

3- الثقة المتبادلة بين المصلح الداعي والمجتمع، وانتقالها إلى فضاء جديد مختلف عن العمل التربوي الإصلاحي، هو فضاء العمل السياسي الذي يهدف إلى إحداث تحولات سريعة وحاسمة في قيادة المجتمع ونظامه من أعلى، التي تتطلب مواصفات شخصية مختلفة تماما مؤسسة على قيم ومبادئ:

أ- السرية.

ب- الجندية والطاعة المطلقة بفهم أو بدون فهم، بقناعة أو بدون قناعة.

3- اللوائح والنظم الحاسمة المنظمة للعلاقة بين القائد والجنود على قاعدة الثواب والعقاب.

ثانيا: إنشاء مجتمع ونظام ودولة جديدة بديلا عن إصلاح الحالي

خطأ الفكرة التأسيسية لتنظيم الإخوان المسلمين وما تلاها من تنظيمات، التي قررت إنشاء تنظيم سري منفصل عن المجتمع، وبديل عن النظام الحاكم، وعن الدولة التي يعيش فيها، وليس ممارسا لرسالته ومهمته كشريك في إصلاح مجتمعه، والعمل من خلال مؤسسات الدولة وأجهزتها التربوية الطبيعية المتخصصة لذلك (التربية والتعليم والأوقاف والشؤون الإسلامية، والثقافة والشباب والرياضة والمرأة والطفل)، الذي أوقعها في أخطاء استراتجية عميقة متتالية، خاصة بالتكوين التربوي والنفسي لأفراد التنظيم ذاته، وبعلاقتها بالمجتمع، وعلاقتها بالمؤسسات الإصلاحية الموازية وبالنظم الحاكمة وأجهزتها الأمنية، وحولها إلى ملف أمني دائم على مائدة وزارات الأمن المتعاقبة على حكم مصر، وليس على مائدة وزارات بناء الإنسان في الدولة.

ثالثا: تأكيد وتعميق التحول الاستراتجيي المركب على يد جيل تنظيم 65

بوجود حسن البنا على رأس التنظم وعمق الفكرة الدعوية التربوية الإصلاحية عنده، كانت تلجم كثيرا فكرة العمل السياسي، ومع وفاته وصولا إلى جيل تنظيم 65، الذي ذاق مرارة دفع فاتورة انحرافه إلى العمل السياسي، وبدلا من التفكير الديني المقاصدي الرصين، المعزز بوعي سياسي واستراتيجي بالعالم المحلي والإقليمي المحيط به، والتفكير في إعادة ضبط البوصلة نحو العمل التربوي والدعوي والتخلي النهائي عن العمل السياسي، ولأسباب أخرى كثيرة متعلقة بعدم وجود آلية مؤسسية للنقد والتقويم الذاتي، بالإضافة إلى الصبغة الشخصية الجمعية الإخوانية، مع الطبيعة التنظيمية الطاردة للعلماء والمفكرين.

ارتكبت قيادة الجماعة خطأ استراتيجيا مركبا جديدا، هو تعزيز الفكر السياسي في النظام التربوي والثقافة العامة لأفراد الجماعة، بفرض رسالة التعليم على أفراد التنظم كافة، وجعلها معيارا وشرطا لعضوية التنظيم، مما أدى إلى تسييس التنظيم بشكل رسمي.

رابعا: الخلط بين فهم شمول الإسلام وشمول التنظيم

خصص الشيخ حسن البنا ركنا بأول الأصول العشرين لفهم الإسلام سماه بالشمول: الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا. فهو: دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواء بسواء، وفي هذا بيان وتأكيد من حيث الفهم النظري لعدة أشياء:

1 - أن الإسلام يهتم بتنظيم شؤون الحياة جميعها.

2- الإسلام يمتلك مفاهيم قادرة على تنظيم شؤون الحياة جميعها.

3- الإخوان المسلمون يدعون إلى أسلمة مجالات الحياة كافة.

وحتى هنا لا يوجد أي صدام مع الأنظمة والمؤسسات الحاكمة، ولكن عندما يتم تطبيق وممارسة ذلك فعليا في واقع المجتمع والدولة؛ بقيام تنظيم الإخوان بإنشاء المدرسة والنادي والمستشفى والمصنع والحزب والجريدة والكشافة.. إلخ؛ تدفع البعض لترديد الاتهام بأنها:

1- كيانات بديلة عن مؤسسات وأجهزة الدولة وفق عملية إحلال تتمدد بشكل ناعم.

2- تعمل كمنافس وبديل قادم، وليس كبقية القطاع الخاص والمجتمع المدني الطبيعي كمكمل وشريك للنظام الحاكم.

3- تهدد النظام الحاكم، وهوية وتوجه الدولة بأكملها.

هكذا وبكل وضوح وشفافية، رأت النظم المصرية الحاكمة المتعاقبة جماعة الإخوان المسلمين ومن بعدها النظام الإقليمي والدولي، وأصبحت جماعة الإخوان المسلمين العدو الأول للنظم الحاكمة العربية والإقليمية والدولية.

ملاحظة: ما عليه الإخوان من خلال ما يدرس في المناهج الداخلية لإعداد واعتماد الأفراد؛ هو أن شمولية الإسلام وصلاحه لتنظيم وإصلاح شؤون الناس جميعها جزء ركين من عقيدة الإسلام، وأنه لصحة ممارسة هذا الاعتقاد عليه كتنظيم أن يطبق ذلك عمليا.

- البعض يبرر ذلك بتقديم النموذج التطبيقي المعياري الإسلامي الذي يجب أن يتعلم من المجتمع غير مفرق ولا واع بأن:

- وجوب التطبيق الفردي لمفاهيم الإسلام في حياة الفرد مع ربه ونفسه وأهله وفي عمله ومع جيرانه ومع وطنه ومع الآخر... إلخ، وبين أن يقوم التنظيم بذلك.

- تربية نفسه والمجتمع على أن مفاهيم الإسلام وتطبيقاته العملية يجب أن تتم بشكل إصلاحي طبيعي في واقع المجتمع الحالي، وليس عبر إنشاء مجتمع خاص جديد داخل المجتمع الأم؛ يمثل النظام الإسلامي الحاكم الناشئ القادم مستقبلا بديلا عن النظام الحاكم الحالي، ومن بعدها إعادة صبغة الدولة بالهوية الإسلامية للدولة ككل، متجاهلا وقافزا على أن المجتمع المصري في حقيقته وعمقه التاريخي وهويته الواقعية مجتمع إسلامي، يحتاج كما بقية مجتمعات الدنيا إلى المزيد من الوعي والالتزام والتحسين المستمر لجودة نظام أفكاره وسلوكه، وأدائه المهني.

- هنا دلالة قد يصل إليها البعض، تشير إلى تخلي الإخوان عن إصلاح المجتمع الحالي والعمل على إنشاء مجتمع إسلامي جديد، كأساس ودولة مصغرة داخل الدولة الأم، خاصة عندما يربط بين هذه الممارسة وحديث سيد قطب عن المجتمع الجاهلي والعزلة الشعورية.. إلخ.

- عدم إدراك الأبعاد الاجتماعية والسياسية لذلك البديل الذي سيمثل على المدى البعيد مهددا خطيرا لكل ما سواه من المعتقدات والأفكار، وخروجا على الهوية الوطنية الواحدة الجامعة لكل المصريين، ومن ثم دعوة إلى الانقسام المجتمعي المهدد لهوية ووحدة المجتمع وأمنه القومي، بما يمثل خطرا على 50 في المئة من الأمن القومي المصري (الأمن القومي = المحافظة على الهوية +الوحدة + السيادة + فرص التنمية).

ربما لم يدرك قادة ولا أعضاء الإخوان ذلك، ولكن الأجهزة الأمنية والنظم الحاكمة تعي ذلك جيدا، وهذا ما يضع تفسيرا واضحا لإشكالية الصراع المستمر بين الإخوان المسلمين والنظم الحاكمة في مصر، بسبب خلط وخلل جذري في المفاهيم التأسيسية لنظام أفكار الإخوان، تأكد في الممارسة الميدانية والإصرار عليها لما يقارب المئة عام، تأكدت للإخوان أنفسهم وللجميع عبر طريقة تعاملهم مع ثورة يناير كفرصة للوصول للحكم، وليس فرصة لإصلاح وإعادة بناء الإنسان والمجتمع المصري.

آثار وتداعيات الخلط بين شمولية الإسلام وشمولية التنظيم:

1- الخروج الناعم المتدرج على النظام، والإعلان الرسمي عن الدخول في صراع صفري على الحكم في مصر.

2- الدخول في حرب قد يعتبرها البعض مهددة لوجود الهويات الأخرى كافة.

3- اعتماد الإخوان المسلمين أنفسهم النموذج العملي للإسلام القادم والبديل عن المؤسسات الدينية المحلية كافة، والمهددة لبقية النماذج الإسلامية الأخرى في المنطقة.

4- النظر للإخوان كتهديد مستقبلي للنظام العالمى بنظام سياسي جديد قادم يمتلك أيدولوجية "معادية" للدولة القومية والنظام العالمي بأسره، وأنه يعد نفسه لبناء دولة أممية جديدة منافسة على قيادة وأستاذية العالم، خاصة أنه يمتلك خاصية الانتشار السريع لما يمتلك من بنية دينية لدى المجتمعات الإسلامية في أنحاء العالم، المتعطشة للتحرر من ربقة النظام العالمي الجديد، والمتطلعة لمجدها الإسلامي القديم.

هذه النتائج الأربع المهمة هي التي شكلت في ذاتها أمرين:

الأول: بنية مشتركة من المصالح الاستراتجية المحلية والإقليمية والدولية الصلبة لعداء وملاحقة جماعة الاخوان المسلمين، عبر اعتبارها عدوا مشتركا.

ثانيا: فرصة كبيرة للنظم القُطرية المستبدة للاستثمار الاستراتجيي في جماعة الإخوان المسلمين، واستخدامها في أدوار وظيفية متعددة محليا ودوليا.
التعليقات (1)
حيفا
الإثنين، 09-11-2020 03:54 ص
مقال سيئ جداً، كمن يسم السم بالعسل، يبدو أن صاحبه كما يقولون (حافظ مو فاهم).. مثلهذه الأصوات الناعقة كالطابور الخامس، يجب دثرها وعدم نشر كلامها، فالكلمة يسأل عنها صاحبها وناشرها..