الكتاب: "موقف الحركات الوطنية في أقطار المغرب العربي (تونس ـ الجزائر ـ المغرب) من قضية فلسطين بين العامين 1917 ـ 1939".
الكاتب:د. بشرى علي خير بك.
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب ـ دمشق ـ 2019، (335 صفحة من القطع الكبير).
ارتبط تاريخ المغرب العربي مع تاريخ المشرق العربي عبر الزمن، وعلى وجه الخصوص منذ انتشار الدعوة الإسلامية، وأسهمت الوحدة الجغرافية للوطن العربي في ترسيخ عوامل التواصل والترابط بين جناحيه عبر التاريخ. وقد استقطبت قضية فلسطين على مرّ العصور أعدادًا كبيرةً من المهاجرين من كافة أقطار المغرب العربي لأسبابٍ متعددةٍ، دينيةٍ، وعلميةٍ، وسياسيةٍ، وظلت حتى العهد العثماني مكان جذب للأسباب ذاتها السالفة الذكر.
يتكون هذا الكتاب: "موقف الحركات الوطنية في أقطار المغرب العربي (تونس ـ الجزائر ـ المغرب) من قضية فلسطين بين العامين 1917 ـ 1939"، من مقدمة وتمهيد وأربعة فصول. تناول التمهيد لمحة عن العلاقة التي تربط بين شطري الوطن العربي مغربه ومشرقه من حيث الوحدة والسكان والظروف التاريخية حتى استطاع الاستعمار الغربي التغلغل وفصل هذين الشطرين، وليجعل للمغرب مصيراً مختلفاً، في حين بقي المشرق يخضع للسلطنة العثمانية حتى الحرب العالمية الأولى.
وتناول الفصل الأول الأوضاع المحلية في كلا الشطرين المشرقي والمغربي منذ القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الأولى، من حيث القوى الحاكمة المسيطرة والتطورات التي حصلت وباعدت الفجوة بين التطور الغربي بسبب الثورة الصناعية وما نتج عنه والضعف والتخلف في السلطنة العثمانية، ومحاولات الإصلاح والنهضة الفكرية التي ظهرت في المشرق كإحدى محاولات النهوض واختلاف المشرق عن المغرب ونواحي اللقاء. ثم وسائل وسبل النفوذ الغربي الذي اتخذ أشكالاً متعددة في المشرق والمغرب ومساندته الحركة الصهيونية التي نشأت في أوروبا واستقطابها اليهود المحليين في البلدان العربية بطرق متعددة، وردود فعل الحركات الوطنية على التغلغل والنفوذ الغربي في شمال أفريقيا وظهور تيارات فكرية متعددة في المشرق.
ويدرس الفصل الثاني موقف الحركات الوطنية في الأقطار المغربية من القضية الفلسطينية من نهاية الحرب العالمية الأولى حتى العام 1928، ويعطي الفصل لمحة عن بدايات الاهتمام الجزائري بمخاطر الصهيونية. والأوضاع السياسية في الأقطار المغربية من جهة، وتطور الأوضاع السياسية في فلسطين من جهة أخرى. ويستعرض علاقة الأقطار المغربية مع المشرق العربي بوجه عام والأحداث الفلسطينية بوجه خاص في الفترة التي يتناولها البحث.
ويتناول الفصل الثالث مواقف الحركات الوطنية في الأقطار المغربية من القضية الفلسطينية بين العامين 1929 و1935، أي من ثورة البراق حتى ثورة عز الدين القسام في فلسطين. كما يتناول أهم التطورات السياسية في الأقطار المغربية وفلسطين، وتطور العلاقة بين بلدان المغرب وبلدان المشرق، وخاصة تصاعد الاهتمام بالقضية الفلسطينية بعد أحداث البراق.
أما الفصل الرابع فيبحث في موقف الحركات الوطنية المغربية من القضية الفلسطينية ما بين العامين 1936 و1939، أي مرحلة الثورة الفلسطينية. وقد قدم الفصل فكرة عامة للأوضاع السياسية المغربية والفلسطينية والتطورات الدولية مع التركيز على موقف الحركات الوطنية المغربية من تطورات الأحداث في فلسطين وأهمها إضراب 1936 ومشروع التقسيم والكتاب الأبيض.
وتنتهي الدراسة بخاتمة تستعرض أهم النتائج التي وصلت إليها هذه الدراسة في محاولة لعرض تقويم يتسم بأكبر قدر من الموضوعية العلمية.
منهجية البحث
اعتمد البحث على منهج البحث العلمي في جمع الوثائق وتحليلها، ونقد ما ورد فيها من معلومات. ولكن كان للأسلوب الوصفي الغلبة عند الحديث عن الحركات الوطنية في كل من فلسطين ودول المغرب العربي. أما عند ذكر مواقف الأحزاب من القضية الفلسطينية والدافع وراء هذه المواقف والهدف منها فقد كان للأسلوب التحليلي الغلبة، والذي تبع باستخدام أسلوب المقارنة لتسليط الضوء على أثر منطلقات كل حزب في موقفه من قضية فلسطين وانعكاسها فيما بعد على أسلوب المساندة الذي قدمته هذه الأحزاب للقضية الفلسطينية.
ومع أن الهدف الأساسي من هذه الدراسة هو تتبع موقف الأقطار المغربية من قضية فلسطين بين العامين 1917 و1939، إلا أنه لا يمكن دراسة هذا الموضوع منفرداً دون إلقاء الضوء على جوانب أخرى لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة به، فكان لا بد من الإشارة إلى مقدمات الاهتمام المغربي الذي سبق مرحلة البحث بالقضية الفلسطينية، إضافة إلى الوضع السياسي في فلسطين وفي البلدان المغربية، سواء أكان ذلك من حيث الممارسات الاستعمارية في فلسطين أو في الأقطار المغربية.
أيضاً كان لا بد من تتبع بعض مجريات الأحداث العالمية والأحداث في فلسطين وفي المغرب أيضاً لمعرفة الأرضية التي بنيت عليها مواقف الحركات الوطنية في الأقطار المغربية من القضية الفلسطينية، وهذه الدراسة ليست الأولى في مجال تتبع ما كتب عن صدى قضية فلسطين في الوطن العربي، وإنما هي السباقة في دراسة صدى قضية فلسطين في الأقطار المغربية الثلاث (تونس ـ الجزائر ـ المغرب الأقصى) ومقارنة مواقف هذه الأقطار من قضية فلسطين، وتتبع النشاط الصهيوني في هذه الأقطار أيضاً، وردود الفعل الوطنية عليه. هذا وقد اعتمدت الدراسة أحياناً على بعض الدراسات السابقة، وعلى بعض ما قدمته من نتائج، وقد تمت الإشارة إلى ذلك في هومش البحث، وفي قائمة مصادر ومراجع البحث.
وأولى هذه الدراسات ما قدمته الباحثة بشرى خير بيك :Jean – Paul Chanollaud في كتابه الذي
نشر في باريس في العام 1977Maghreb Et Palestine وفيه تناول بعض المواقف المغربية من قضية فلسطين بين العامين 1930 و1973. وبالنسبة لمرحلة ما بين الحربين فقد ركز فيها على موقف القوميين المغاربة من قضية فلسطين من خلال دراسة مواقف بعض الشخصيات السياسية مثل مصالي الحاج وابن باديس وابن جلول. وقد كان تناول المرحلة مختصراً ومعتمداً بالتحليل الذي قدمه على أن عروبة فلسطين هي المحرك للموقف المغربي الذي ساند قضيتها لوقوع المغرب تحت السيطرة الاستعمارية الإمبريالية.
وفي العام 1985 نشرت مجلة المستقبل العربي في عددها 72 للدكتور الهادي التيمومي بحثاً بعنوان "دور القضية الفلسطينية في تعميق الوعي القومي".
أيضاً أصدر مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت غي العام 1987 للمؤلف إبراهيم أبراش كتابه "البعد القومي للقضية الفلسطينية بين القومية العربية والوطنية الفلسطينية".
وفي العام 1988 نشرت المجلة التاريخية المغربية والتي تصدر في تونس في عددها 49 ـ 50 مقالاً للدكتور محمد م إدريس تحت عنوان "تونس والقضية الفلسطينية ما بين الحربين" بين فيه المؤلف الموقف التونسي من القضية الفلسطينية رغم تأخره معتمداً على وثائق بعض دور الأرشيف وعلى ما نشرته بعض الصحف التونسية للرد على موضوع نشأة تسار الصهيونية بتونس وتطوره، ورد فعل الحركة الوطنية التونسية آنذاك على نشاط هذا التيار السياسي ومواجهته.
وتحت إشراف الدكتور الهادي التيمومي كانت رسالة الماجستير لمحمد أبو فادي تحت عنوان "التونسيون والقضية الفلسطينية عام 1948" وفيها تناول الطالب علاقة التونسيين بالقضية الفلسطينية إثر أحداث 1947 وقرار التقسيم لعام 1948، وهذا البحث تناول زمنياً مرحلة خارج الإطار الزمني للبحث المطروح للدراسة.
وفي العام 2006 صدر كتاب للدكتور عبد اللطيف الحناشى "تطور الخطاب السياسي في تونس إزاء القضية الفلسطينية من العام 1920 إلى 1955"، وهو عبارة عن دراسة أكاديمية محكمة التوثيق والتحليل والتمحيص اعتمدت على وثائق الأرشيف التونسي الفرنسي ومختلف الكتابات الصحفية وأدبيات المنظمات الأهلية التونسية، وكم كبير من المصادر والمراجع المختلفة، علاوة على شهادات حية لبعض الشخصيات الوطنية التونسية، المناصرة للشعب الفلسطيني في الرأي التونسي الشعبي والسياسي رغم القبضة الأمنية لإدارة الاحتلال الفرنسي آنذاك.
فلسطين كرابط بين جناحي الوطن العربي
لأن قضية فلسطين تعتبر حدثاً بالغ الأهمية في الوطن العربي، ومنطقة المشرق بصفة خاصة بسبب خصوصية وضعها الجغرافي والديني والقانوني. تلك الخصوصية التي شكلت أسس علمي الجغرافيا والكارتوغرافيا (علم الخرائط)، ففلسطين تقع في الطرف الجنوبي الغربي من الهلال الخصيب، وبذلك تشكل الرقعة المحاذية للجسر البري الذي يصل آسيا بإفريقيا، وبالتالي الأقرب من بلاد الشام ووادي النيل. وهي ليست جسراً بين قارتين كبيرتين فحسب، بل بين محيطين أيضاً: الأطلسي والهندي فساحلها جزء من الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط الذي هو امتداد للمحيط الأطلسي وطرفها الجنوبي يقع على خليج العقبة الذي هو امتداد للمحيط الهندي عبر البحر الأحمر. ولفلسطين دوراً مهماً في التجارة الدولية والتبادل الحضاري بين الأمم، ومن الطبيعي أن يتأثر تاريخها بهذا الموقع الاستراتيجي، وأن تؤثر هي بدورها من هذا الموقع في تاريخ المنطقة والعالم.
بينما يشكل موقع دول المغرب العربي الجناح الغربي للوطن العربي وبموقعه هذا يشرف على كل من المحيط الأطلسي والبحر المتوسط. الذي يفصل بينهما مضيق جبل طارق. سواحل المغرب العربي من سواحل قارة أوروبا الجنوبية ازدادت أهمية دول المغرب، خاصة عندما يقترب القرن الأفريقي شمال تونس من جزيرة صقلية المحاذية لشبه الجزيرة الإيطالية بشكل يفصل فيه الحوض الشرقي للبحر المتوسط عن حوضه الغربي، وهذا بدوره ما جعل السواحل المغربية
عرضة بشكل دائم للطمع الغربي الذي ذاقت مرارته مثل ما ذاقته فلسطين، وتعرضت أراضيه لاحتلال هذه القوى قبل أن تتعرض له فلسطين أيضاً.
أما أهمية العامل البشري فيعود إلى المقومات التي تجمع بين المشارقة بشكل عام وليس الفلسطينيين فقط وبين المغاربة عبر التاريخ، والتي توجت وازدادت أهمية وترابطاً عندما هاجر العديد من المغاربة إلى القدس الشريف في العصور الإسلامية للتملك والاستقرار على أساس أن التملك فيه يعتبر فضيلة من الفضائل. ولكن هذه الفضيلة أصبحت واجباً على المغاربة بسبب العامل الزمني الذي تعرضت فيه فلسطين للخطر الصهيوني الذي وضعت أسسه معاهدة سايكس ـ بيكو في العام 1916، وأكده وعد بلفور في العام 1917، وعززته منظمة عصبة الأمم بمساندتها لهيمنة الدول الاستعمارية، وإضافة الشرعية على الطمع الاستعماري الذي تجسد بصك الانتداب على فلسطين في 24/7/1922، وهذه المرحلة هي التي كان المغرب العربي فيها يتعرض لنفس عملية الاستلاب التي كانت تشهدها فلسطين، بشكل دفع فيها المغاربة للاهتمام بالقضية الفلسطينية, والتنبيه للخطر الصهيوني الذي يهدد كيانها.