قضايا وآراء

السيسي والصندوق الأسود

أسامة جاويش
1300x600
1300x600
التسريبات علينا حق.. يبدو أن هذه هي السياسة الجديدة للمنظومة العسكرية الحاكمة في مصر في مواجهة أي محاولة للتنفس في اتجاه مغاير للسلطة. هذا باختصار ملخص الأسبوع الماضي والذي كان في صدارته صاحب الصندوق الأسود عبد الرحيم علي.

النظام العسكري على ما يبدو قرر فتح الصندوق الأسود لأحد أهم أذرعه الإعلامية وهو عبد الرحيم علي، الذي طالما قدم حلقات من برنامجه الصندوق الأسود وعرض من خلاله تسريبات صوتية لرموز سياسية وحزبية مختلفة معارضة للنظام العسكري. الجهة التي أمدته بتلك التسجيلات معروفة، وإن كانت في الفترة الأخيرة تم الاختلاف على ما هيتها إن كانت هي المخابرات العامة كما تعودنا، أم دخلت المخابرات الحربية على خط التسريبات هي الأخرى.

عبد الرحيم يسب الدولة المصرية، وهي من روج لنفسه أنه أحد حماتها والمدافعين عنها وطعن في وطنية كل رأي مخالف للنظام ووصفه بأنه عدو للدولة المصرية، فإذا بنا نفاجأ جميعا بأن أذرع النظام الذين يتشدقون بالدفاع عن هيبة الدولة وسيادتها يسبونها في جلساتهم الخاصة ويسخرون من قانونها في مكالماتهم الشخصية. المشكلة الحقيقية أن عبد الرحيم علي لم يسب الدولة المصرية فقط، ولم يكتف بالاعتداء على سيادة القانون والتسفيه منه، ولم يتوقف عند الاستهزاء بالقضاء المصري، ولكنه تجاوز كل الخطوط الحمراء في تلك المكالمة وهذا التسريب، واستهزأ بعبد الفتاح السيسي شخصيا وهنا المشكلة الحقيقية. لم يعد الموضوع الآن في البحث عن الشخص الذي قام بتسريب تلك المكالمة بين علي وصهره المستشار القضائي، وإنما تمحورت المشكلة الحقيقية في تجاوز عبد الرحيم علي في حق السيسي والتقليل من شأنه.

قبلها بأيام ينتشر تسجيل صوتي آخر لرئيس اللجنة المكلفة بإدارة اتحاد الكرة المصرية عمرو الجنايني وهو يسخر من عبد الفتاح السيسي، ويقول إنه لا يعرف شكل الكرة. اللافت أنه بعدها بساعات قليلة انتشرت أخبار إقالة عمرو الجنايني من عضوية مجلس إدارة البنك التجاري الدولي على خلفية اتهامه بالفساد.. هكذا ظهرت التهم فجأة وخرج قرار الإقالة بشكل مفاجئ.

والعامل المشترك بين تسريب الجنايني وعبد الرحيم علي هو أن هناك جهة ما قررت أن تنشر تسريبات صوتية تحتوي على إهانة مباشرة لرأس النظام العسكري في مصر.

من وراء تلك التسريبات؟

أعلم يقينا أن هذا سؤال غير جائز صحفيا، وبشكل شخصي لم أعط إجابة عليه في كل مرة توجه إليّ أحدهم بالسؤال عن مصدر تسريبات مكتب السيسي في 2015، ولكن هذه المرة البحث وراء مصدر التسريبات الصوتية ربما كان أهم بكثير من تفنيد ما جاء فيها. وإذا ما تركنا مصدر إذاعة التسريب، سواء كان ناشطا أو إعلاميا أو قناة فضائية أو حتى صفحة مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذا ما تركنا كل ذلك وبحثنا عن الجهة التي سجلت إهانة السيسي فربما نصل إلى طرف خيط.

هناك من داخل المنظومة الحاكمة في مصر الآن من قرر فتح الصندوق الأسود من التسريبات التي لا حصر لها ولا نهاية لها ولا سقف أخلاقيا أو سياسيا لها. المنظومة الحاكمة في مصر تتغذى على التجسس ورصد المكالمات، ومن ثم الابتزاز ونشر التسريبات من أجل الاغتيال المعنوي لهذه الشخصية أو السيطرة التامة عليها خوفا من الفضيحة. والنماذج كثيرة والقائمة تطول، وما كان يفعله صفوت الشريف، وزير الإعلام في عهد مبارك، ومن قبله صلاح نصر في عهد عبد الناصر؛ منا ببعيد.

التسريبات في مصر لن تتوقف، وما أراه الآن أن المرحلة المقبلة ستشهد إذاعة تسريبات كثيرة من مصادر مختلفة، ستتنوع القصص وسيختلف أبطال التسريب، ولكن سيكون هناك عامل مشترك في كل تلك التسريبات، وهو أنها ستحتوي على إهانة لشخص السيسي بطريقة أو بأخرى. لن يعني هذا رحيل الجنرال الأقوى في مصر الآن أو إزاحته من منصبه، ولكنها تعني بكل وضوح أن إهانة الرجل والعمل على التقليل من شأنه من خلال تلك التسريبات ربما كانت سياسة جديدة لإزعاج السيسي من داخل منظومته.

في ظل حكم عسكري استعدى الجميع ولم يسلم منه لا عسكريون ولا مدنيون، وطالت يد القمع في عهده كل ألوان الطيف المصري، فمن غير المستبعد أن يتحد هؤلاء أو بعضهم ليفتحوا الصندوق الأسود لعبد الفتاح السيسي، لعل وعسى يكون في ذلك رحيله عن السلطة في مصر.

twitter.com/osgaweesh
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الإثنين، 26-10-2020 01:44 ص
... يعلم كل عاقل بأن الذين ترتفع اصواتهم بتخوين معارضيهم، والهتاف بالشعارات الوطنية وبالصراخ بتحيا مصر من عينة عبد الرحيم علي، أن أمثال هؤلاء هم الأعمق نفاقاُ، والأعلى انتهازية والأكثر نهباً وفساداً وخيانة، قس على ذلك إكثار كبيرهم وولي نعمتهم الجنرال الانقلابي السيسي من الحلف بأغلظ الأيمان بأنه الصادق الأمين العامل على صالح الشعب، ورغم تأكيده على فقر الشعب المصري، فهو يبذر أموال مصر على بناء قصوره له ولزوجه ولأبناءه، وعندما يسقط ترامب ستكشف قريباُ حجم أموال مصر التي هربها السيسي ورجاله إلى خارج البلاد من خلال شبكة البنوك الإماراتية والسعودية بل والمصرية، من الرشاوى التي حصلوا عليها لقاء عمولات السلاح وصفقاتهم المريبة ومشروعاتهم الفاشلة، التي أسندها بالمليارات لشركاءه في الداخل والخارج، مثل ما كُشف عنه مؤخراً من تحقيقات عن تحويل ملايين الدولارات من البنوك الحكومية المصرية لرشوة ترامب لكسب تأييده، ولكي يشيد بالسيسي باعتباره دكتاتوره المفضل، وأمثال السيسي وداعميه ومؤيديه يظهرون احترامهم لشعوبهم، وفي الباطن يحتقرونهم ويستخفون بهم، ويقولون كيف نترك حكم البلاد لأبناء الشعب من الرعاع الجهلة الجوعى، كما قالها علناُ من ولاه مبارك ليحل محله، وكأن الدولة دولتهم هم وحدهم والبلاد بلادهم، وهم الأولى بأموالها وأرزاقها، فكيف يتركونها للرعاع من أبناء الشعب، ورغم ما يظهره الانقلابيون من تكاتفهم وتعاونهم وإخلاصهم، فهم في الواقع يتكالبون ويتصارعون على نهب البلاد، وتصفية بعضهم بعضاُ، وتملأ نفوسهم الشك والريبة، ويتوجسون خيفة من بعضهم البعض، والسيسي مريض نفسي يشك في أقرب المحيطين به ولا يثق إلا في نفسه، ولذلك سيستمر في التنكيل بشركاءه ومعاونيه، إلى أن ينقلبوا عليه كما فعلوا مع مبارك، ويورودونه موارد التهلكة مع أمثاله إلى مزبلة التاريخ.