هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تحاول الأسيرة المحررة إيمان نافع
أن تشغل نفسها برعاية حديقة منزلها، لكن سنوات قليلة أمضتها مع زوجها عميد الأسرى
الفلسطينيين نائل البرغوثي ابن بلدة كوبر شمال رام الله لا تكاد تغادر مخيلتها.
وأفرج الاحتلال عن نائل البرغوثي، ابن
بلدة كوبر شمال رام الله، في صفقة "وفاء
الأحرار" عام 2011 بعد 35 عاما قضاها خلف القضبان، وأعاد اعتقاله في 18
جزيران/يونيو 2014، إثر عملية قتل ثلاثة مستوطنين بالخليل آنذاك.
وخرق الاحتلال بنود صفقة "وفاء
الأحرار" بعد إعادة اعتقال عشرات الأسرى المحررين خرجوا في الصفقة، ولم تنجح الضغوط على
الاحتلال في إطلاق سراحهم، فيما تصر حركة حماس على الإفراج عنهم كشرط لإبرام أي صفقة
تبادل جديدة مع الاحتلال مقابل الجنود الإسرائيليين لديها.
وتصف نافع يوم تنفيذ صفقة "وفاء
الأحرار" قائلة "كان يوم فرح وطني فلسطيني، حيث تحرر أكثر من ألف أسير وأسيرة
معظمهم ممن فرض عليهم الاحتلال أحكاما عالية كالسجن المؤبد 35 مرة".
وتقول لـ"عربي21" إنها
ونائل تزوجا بعد تحرره في الصفقة، وبدءا بزراعة حديقة منزله التي كان يحلم برعايتها
أثناء مكوثه في الأسر، مضيفة "نائل كان يحب كل شيء يتعلق بالأرض، ولكن إعادة
اعتقاله من جديد أعادت عائلته إلى دوامة الألم والقلق".
معاناة لا تنتهي
وعقب الاعتقال الأخير، أصدر الاحتلال حكما على البرغوثي بالسجن لمدة 30 شهرا، وحينما أنهى المدة أبقوه في السجن لشهرين بدون مبرر، ثم عُقدت له جلسة محاكمة أعاد الاحتلال فيها الحكم عليه بالسجن بالمؤبد بدون سند قانوني أو تهمة تستدعي ذلك.
اقرأ أيضا: "عربي21" تكشف تفاصيل الساعات الأخيرة لصفقة "وفاء الأحرار"
وتبين نافع أن عائلات الأسرى المعاد اعتقالهم تقدموا لمحكمة الاحتلال بطلب إفراج عنهم كونهم محررون ضمن صفقة تمت برعاية دولية،
ولكن هذه المحاكم تذرعت بوجود ملفات مختلفة للأسرى.
وتضيف: "كان هناك تأجيل
وتسويف ومماطلة من قبل المحاكم بخصوص قضايا الأسرى المعاد اعتقالهم، ثم قرر القاضي
بأنه يريد النظر بملف كل أسير على حدة وليس بشكل جماعي، ثم رفع محاميهم التماسا
لدى محكمة الاحتلال العليا وما زلنا بالانتظار".
وتؤكد نافع بأن قرارات الاعتقال
سياسية هدفها الضغط على المقاومة في قطاع غزة وإيصال رسالة لها بأن أي أسير يتحرر
في أي صفقة من الممكن أن يعاد اعتقاله من جديد.
وتعرب زوجة الأسير عن أمنيتها بأن
يتم الإفراج عنهم جميعا قريبا، لكن دون انتقاص لأي من شروط المقاومة التي تطالب
بالإفراج عنهم جميعا قبل البدء بالمفاوضات غير المباشرة.
وتشير إلى أن أحد الأسرى المحررين
ويدعى نايف رضوان قرر القاضي الإفراج عنه بكفالة مالية بقيمة خمسين ألف شيكل (14 ألف دولار) على أن يواصل الحضور لمحاكم الاحتلال، وفي إحداها قرر القاضي أن يعيد
له حكمه بالسجن المؤبد فتمت إعادة اعتقاله من قاعة المحكمة.
وتتابع: "نائل يكمل قريبا
عامه الـ63 من عمره ويدخل في نوفمبر القادم عامه الـ41 في الأسر، فهل يمكن أن
نتخيل أن يجلس شخص على سرير واحد لمدة 40 عاما وفي مكان محجور؟ هذا شيء صعب جدا"
الأسير البرغوثي فقد والديه خلال
اعتقاله وعددا من أقربائه واستشهد ابن أخيه واعتقل الآخر أثناء مكوثه في الأسر.
وتوجه زوجته رسالتها للعالم أن
يتدخل لإطلاق سراح زوجها وعشرات الأسرى الذين يعيشون مثل حالته، مطالبة مصر وألمانيا بالتدخل كونهم كانوا وسطاء خلال صفقة وفاء الأحرار، وألا ينتظروا عقد صفقة جديدة لأن من حق الأسرى أن يتحرروا
بعد كل هذه التضحيات.
"مخالفة الشروط"
وتعيش عائلة الأسير رجب الطحان (52
عاما) من القدس المحتلة شعورا مماثلا من الانتظار الممل بعد إعادة اعتقاله على يد
الاحتلال.
ويقول شقيقه باسم لـ"عربي٢١" إن رجب
أمضى ١٣ عاما في السجون الإسرائيلية قبل الإفراج عنه في صفقة التبادل عام 2011، حيث اعتقل
عام ١٩٩٨وكان يقضي حكما بالسجن المؤبد.
وبعد أقل من ثلاث سنوات على تحرره، أعاد الاحتلال اعتقال الطحان مع ستة أسرى مقدسيين آخرين تحرروا في الصفقة ذاتها، وبعد
مداولات في محاكم الاحتلال تم إعادة الحكم المؤبد بحقه والأحكام السابقة لرفاقه الأسرى.
ويوضح باسم بأن حكومة الاحتلال
وقبل تنفيذ صفقة التبادل؛ قامت بإقرار ما يسمى بـ "قانون شاليط" وهو
الذي يمنح الاحتلال الحرية لاعتقال أي من محرري الصفقة إذا خالف شروط الصفقة.
ولكن الصفقة بالنسبة للأسرى
المقدسيين لم يكن لها شروط؛ فالاحتلال منعهم فقط من دخول الضفة وهو ما لم يخالفه
أي منهم.
اقرأ أيضا: مطالب بتحريك ملف تبادل الأسرى ردا على استشهاد الخطيب
ويشير الطحان إلى أن شقيقه الأسير
أبلغه أنه حين تم الإفراج عنهم في الصفقة حاول الاحتلال إرغامهم على التوقيع على
ورقة شروط للإفراج، ولكنهم رفضوا ذلك وتم استدعاء السفير المصري آنذاك والذي
أخبرهم بعدم التوقيع على أي شروط.
وفي أروقة المحكمة الإسرائيلية
العليا تقدمت عائلات الأسرى المقدسيين باستئناف ضد إعادة أحكامهم السابقة، وما
زالت المماطلة سيدة الموقف.
ويضيف باسم: "كانت الاعتقالات
عشوائية طالت ٧٠ أسيرا محررا والاتهام الوحيد الذي واجهوه هو مخالفة شروط الإفراج
علما أن ذلك لم يحدث، وحين شعر الاحتلال أن هذه التهمة واهية تذرع بوجود ملف سري
لهم، وحتى لم يقم بالتحقيق معهم أو سؤالهم عن أي شيء وهو ما يدل أن اعتقالهم سياسي
لا أكثر".
الاحتلال لم يكتف بذلك بل حولهم
لما تسمى بلجنة الخروقات، واتهمت المحررين بتلقي أموال من حركة حماس وهو ما نفته
عائلاتهم، إضافة إلى أن عددا منهم ينتمي لفصائل أخرى ما يتعارض مع اتهامات
الاحتلال، وبعد نجاح المحامين في دحض كل هذه الادعاءات أشهرت النيابة الملف السري
الذي عن طريقه تمت محاكمتهم وإعادة الأحكام المؤبدة لهم.
وكان الأسير الطحان وبعد إعادة
اعتقاله فقد نجله مجد بعد إصابته بمرض السرطان؛ وقبيل وفاته وبعد ضغط قانوني وشعبي
وإعلامي تمكنت عائلته من انتزاع قرار يسمح له برؤية نجله وهو على سرير المستشفى، فتوجه الأسير لرؤيته لدقائق فقط وهو مقيد، وبعدها توفي ولم يتمكن من إلقاء النظرة
الأخيرة عليه، وبعد عام ونصف توفي والده كذلك ولم يتمكن من وداعه، ليفتح إعادة
اعتقاله جرحا غائرا في قلب عائلته كلما مرت ذكرى الصفقة.
بدوره يؤكد رئيس لجنة أهالي أسرى
القدس أمجد أبو عصب أن اعتقال الاحتلال لسبعة مقدسيين من محرري الصفقة منذ أكثر من
ست سنوات يعتبر إجراء ظالما بل مؤلما بشكل كبير.
ويقول لـ"عربي٢١" إن الأمر الظالم
أنهم خرجوا بصفقة تبادل برعاية دولية، والاحتلال تراجع عن هذا التوقيع والاتفاق من
أجل إرضاء الاجراءات العنصرية لدى الشارع الاحتلالي بعد مقتل مستوطنين في مدينة
الخليل عام ٢٠١٤
وأوضح بأن الاحتلال أجرى للأسرى
محاكم هزيلة في محاكم الناصرة وحيفا والعدل العليا وأعاد لهم الأحكام المؤبدة بحجة
خرق شروط الإفراج، وحين تم النظر في هذه الملفات كانت مبنية على ملفات سرية وملفقة
ورفض الحديث عنها في المحكمة.
وأشار إلى أن محامي المعتقلين قال
للقاضي في الجلسة كيف لكم أن تحكموا شخصا بالسجن المؤبد دون معرفة التهمة التي
حوكم عليها.
ويضيف:" هذا إجراء ظالم وخاصة
أن جزءا من الأسرى كبار بالسن مثل الأسير علاء البازيان الذي أمضى ٣٤ عاما والأسير
ناصر عبد ربه الذي أكمل ٣٠ عاما؛ ومجموعة منهم كوّنوا أسراً وتزوجوا بعد الإفراج
عنهم وبعيد اعتقالهم رزقوا بأطفال، هذا الأمر زاد من معاناة العائلات".
وأكد أبو عصب بأن الاحتلال هدف إلى
تدمير النسيج الاجتماعي وزيادة أعباء العائلات والعبث باستقرارهم الأسري.
وتابع: "كل الإجراءات شكلية
ومن تحكم بالملف كان جهاز المخابرات حيث شاهدت بنفسي كيف يتحكم ضابط المخابرات
بتوجيه إجراءات المحكمة، فكانت مسرحية هزلية وصدرت أحكام ظالمة وتم تثبيتها بعدة
مراحل".