هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يحضر ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية كمادة ملحة على الصعيد اللبناني، بما يحمله من أبعاد اقتصادية وسياسية وأمنية، وفي ظل الاهتمام الدولي والأممي بمتابعة تفاصيل وخطوات التفاوض على الترسيم، حيث سيكون ممثل الطرف اللبناني وهو الجيش حريصا على تفنيد الخرائط التي بحوزته؛ لضمان "الحق اللبناني" في الحدود البرية، وصولا إلى الحدود البحرية موضع الخلاف الكبير بين الاحتلال الإسرائيلي ولبنان، الذي كاد أن يفضي إلى تفجر الأوضاع أمنيا خلال الصيف المنصرم.
وينسق حزب الله مع مهندس الاتفاق
الأول رئيس مجلس النواب نبيه بري حول الخطوات اللاحقة، مع تأكيد الحزب على رفض أي ليونة
أو تنازل خلال المفاوضات وفقا للمطامح الأمريكية والإسرائيلية، وفي الوقت نفسه، يبدو
لبنان مستعجلا بشكل كبير لطي مسألة الترسيم والانطلاق نحو استخراج نفطه، أملا بأن يسهم
"الذهب الأسود" في التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية التي ترزح البلاد تحت
وطأتها منذ قرابة سنة.
مخاض صعب
ورأى النائب عن كتلة التنمية
والتحرير والقيادي في حركة أمل، محمد الخواجة، أن لبنان حقق إنجازا كبيرا في ملف ترسيم
الحدود، بعد مخاض صعب ومفاوضات شاقة خاضها رئيس مجلس النواب نبيه بري في مواجهة الغطرسة
الإسرائيلية والهيمنة الأمريكية".
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21"
أن ما تحقق يعد أمرا جيدا للبنان، ويختصر في النقاط الثلاث الرئيسية، وهي التفاوض غير
المباشر مع الطرف الإسرائيلي بعكس ما كانت تطالب به حكومة الاحتلال، وأن تجرى المفاوضات
برعاية أممية وليس أمريكية، وبأن يتم ترسيم الحدود البحرية والبرية بالتزامن.
وتابع الخواجة: "خصوصا
أن الإسرائيليين رضخوا قبل سنتين للحق اللبناني في الإقرار بحقنا في مسافة خمسين مترا
من الحدود البحرية، التي تبدأ من منطقة رأس الناقورة، وبالتالي تشكلت منطقة باتت تعرف
بمنطقة 860 نسبة إلى مساحتها بالكيلومترات، وهذا ما مهد الطريق أمام محاولة استعادة
الحق اللبناني في البلوك 8 و9، حيث تشير الدراسات إلى أنها منطقة واعدة لجهة وجود كميات
كبيرة من الغاز".
اقرأ أيضا: دراسة إسرائيلية ترصد إمكانية إقامة علاقات مع لبنان
ونوه إلى أن "الشركات، ومنها
شركة توتال، لن تغامر في العمل ضمن منطقة متنازع عليها، لذلك فإن من المصلحة اللبنانية
العمل على استخراج ثرواتنا ضمن الثوابت الوطنية، ومن دون التخلي أو التنازل عن أي حق
نمتلكه لأي كان"، لافتا إلى أن "الجيش اللبناني يمتلك من الحنكة والخبرة
والكفاءة للتفاوض ضمن هذا الإطار، متزودا بحسه الوطني وما يمتلكه من خرائط ودلائل لا
جدال ولا نقاش في خصوصها".
وحول الأوضاع الأمنية على المنطقة
الحدودية خلال فترة التفاوض، شدد الخواجة على صعوبة التكهن حول مجريات الأمور في ظل
ما أسماه "عدو يتربص بأرضنا وشعبنا"، وأضاف: "سنكون متيقظين؛ لأن هذا
العدو لا يؤمن جانبه، وقد اعتاد الغدر والخداع منذ نشأته، وكما لم نسمح للإسرائيلي المدعوم
أمريكيا من الاستيلاء على ثرواتنا، لن نمكنه بالتأكيد من العبث بأرضنا وأمننا، ونحن
مستعدون للتضحية من أجل بلادنا وشعبنا".
وعن طبيعة المفاوضات، قال: "يعرف
عن الأسلوب الإسرائيلي استخدامه لأوجه متعددة من المراوغات؛ سعيا منه لانتزاع مكتسبات
لصالحه، لكن بالنسبة لنا فإن الأمور محددة ومعلومة، ولا مجال للتنازل عن ذرة من الحق
اللبناني، وما لم يحصل عليه الإسرائيليون في السنوات العشر الأخيرة لن يحصلوا عليه
خلال هذه المفاوضات، ولعلهم يدركون هذه الحقيقة الصعبة".
لعبة كباش
وتحدثت الكاتبة والمحللة السياسية
الدكتورة هدى سمرا، عن لعبة شد حبال تنتظر المفاوضات حول ترسيم الحدود، وقالت في تصريحات
لـ"عربي21": "تبدو الولايات المتحدة على عجلة من أمرها في مسألة حسم
ملف الترسيم، وفقا للمؤشرات التي تظهر بين حين وآخر، وما تسعى إليه واشنطن لتعزيز تحالف
الغاز في شرق المتوسط، الذي يضم اليونان وإسرائيل ومصر وقبرص، بهدف الحد من أهمية الغاز
الروسي، وتطويق موسكو في هذا الملف، خصوصا أن الغاز الروسي يعد الأكثر مبيعا في أوروبا".
ورأت رزق أن الملف اللبناني
ما زال معلقا، بما يهدد مسألة استخراج النفط من قبل الكيان الإسرائيلي في أراضي فلسطين
المحتلة، مشيرة إلى أن "لبنان أبدى استعداده للتعاون مع الدول المعنية بالملف
النفطي جميعها، حيث أبرم اتفاقا مع شركة توتال وشركتين فرنسية وروسية، كما أنه فتح المجال أمام شركات أمريكية للتنقيب والاستكشاف، وبالتالي لم يقفل لبنان الرسمي الباب أمام
أي طرف دولي".
واعتبرت أن زيارات المسؤولين
الأمريكيين المتكررة إلى بيروت خلال الفترة الماضية "صبت جل اهتمامها على الملف
الحدودي، حرصا من الإدارة الأمريكية على إنهاء الملف في مرحلته الأولى، بما يضمن مخططاتها
الشرق أوسطية والأوروبية في مواجهة النفوذ الروسي النفطي".
اقرأ أيضا: صحيفة فرنسية: هذه أسباب موافقة لبنان على التفاوض مع الاحتلال
وعن طريقة التفاوض وآلياتها،
قالت: "تكمن المصلحة اللبنانية في البدء بالترسيم البري وصولا إلى الترسيم البحري،
لأن ذلك يصب في مصلحة لبنان ويمنح مزارع شبعا له، حيث إن للبنانيين وثائق ودلائل تشير
إلى حتمية ملكية الأرض لبنانيا، وبعض تلك الدلائل تعود إلى عام 1923".
لكنها لفتت إلى أن "نتنياهو
مراوغ ورافض للسلام، وهو عبر عن ذلك بنفسه ضمنيا من خلال مواقفه، وكذلك من خلال كتابه
الصادر عام 1995، الذي يعلن فيه صراحة رفضه لمرجعية الأرض مقابل السلام، مطالبا باستبدالها
بالأمن مقابل السلام"، معتقدة أنه "من الصعب أن تسلم إسرائيل بلبنانية مزارع
شبعا، لأنها تقر بذلك نيتها إبرام اتفاقية سلام مع لبنان، وهذا مستبعد؛ لعدم وجود مؤشرات
ولو بسيطة حول هذه النقطة تحديدا".
وأوضحت أن "الغاية
الأمريكية والإسرائيلية تهدف ‘إلى السعي لحسم الترسيم البحري فقط، في ظل الصراع على
المتوسط، وتصاعد الحضور التركي المتوسطي أيضا".
ورأت أن المفاوض اللبناني لن
يستطيع التخلي عن الثوابت، ولكن قد تشهد مفاوضات الترسيم بعض الليونة من الجهة اللبنانية،
"وهو ما قد ينذر بنشوب خلاف داخلي، وسط إصرار حزب الله على عدم التخلي عن أي نقطة
متفق عليها لبنانيا".