كتب

قواعد الفقه السياسي أو التنظير للفعل السياسي من منظور شيعي

كتاب طابق بين الديانة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية وجعلهما كيانا واحدا (عربي21)
كتاب طابق بين الديانة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية وجعلهما كيانا واحدا (عربي21)

الكتاب: قواعد الفقه السياسي 
الكاتب: روح الله شريعتي ـ ترجمة وائل علي
الناشر: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، سلسلة الدراسات الحضارية، ط1، بيروت 2017.
عدد الصفحات: 382

1 ـ بين يدي الكتاب:
 
كان لإلقائي نظرة على تعريف الكاتب روح الله شريعتي كافيا لأقدم على الكتاب بفضول كبير. فصاحبه أكاديمي يكتب حول التعايش بين المسلمين وغير المسلمين وعن حقوق الأقليات وحائز على الماجستير في القانون الدولي أولا منحدر من أسرة علمية متدينة وأقام في الحوزة العلمية بمدينة قم ثانيا. والأثر ضخم نسبيّا متنوع الأقسام والفصول. وهذا وحده يغري للاطلاع على تجربة في التنظير للإسلام السياسي من منطلق شيعي. كان هذا الانطباع الأولي ولكن لابد من اختبار المادة حتى يتحوّل الانطباع إلى حكم.

2 ـ تعريفات ومصادرات

يبدأ روح الله شريعتي أثره بجملة من التعريفات والمصادرات لتكون أساسا يبني عليه آراءه لاحقا ويضمن انسجامها. فيحدد الفقه بكونه "العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية" التي يبينها الفقيه. ولما كانت أفعال المكلفين كثيرة جدا أضحى دوره شاملا لكل المجالات، السياسي منها والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي. فيرقبها ويستنبط الحكم الشرعي ويعود إليه المكلفون في جميعها. وتكون سلطته فوق كل سلطة وتبسط على كل مناحي الحياة. 

وتفرع مجالات تدخله إلى فقه العبادات الذي يبحث في مسائل الطهارة والصلاة والحج وغيرها.. وفقه الأحكام الذي ينظر في قضايا الغصب والإرث وفقه العقود والإيقاعات وموضوعها المعاملات من بيع وإجارة ونكاح. ثم استقر لاحقا في فقه السياسات. فأخذ يبحث في مسألة الجهاد والأمر بالمعروف ووظيفة القضاء وصلاحيات الحاكم ومهامه في المجتمع الإسلامي مثل علاقة الفرد بالدولة. وليس الفصل في جلية الأمر بمثل هذه السلاسة التي يوحي بها العرض. فالتقسيمات على المستوى العملي تثير الكثير من الإشكالات لتداخل المجالات وانتمائها إلى أكثر من باب.
 
يعرف الفقه السياسي بكونه "العلم بالأحكام الفرعية ـ السياسية، بلحظ أنواع المكلفين عن طريق الأدلة الشرعية" ص 17 ـ 18". أما قواعد الفقه السياسي فهي ضرب من أصول الفقه الذي مداره على معرفة القواعد التي وضعت للوصول إلی استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية أو على ضبط القواعد الأصولية لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلّتها الصحيحة. ولأن السياسة هي تدبير الشأن العام فإن جميع القواعد الفقهية ذات الصلة بالشأن العام يمكن أن تكون من قواعده. ويأخذ تعريف القاعدة اصطلاحا من التهانوي فيقدمها على أنها "أمر كلي، ينطبق على جميع جزيئاته عن معرفة أحكامها منه". ويحدد بعضا من خصائصها وهي الكلية والشمول والثبوت بالأدلة الشرعية من كتاب وسنة وعقل وإجماع وانطباق على المصاديق بغير واسطة مبرزا الاختلاف بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية وطرق الاستفادة منهما. فالقاعدة الفقهية تشتمل على حكم كلي وبتطبيقه نحصل على أحكام المسائل الجزئية وهي غايتها. أما القواعد الأصولية فلا تشخّص المسائل الجزئية غالبا وتعمل على بيان القواعد الكلية خاصّة.

3 ـ موقع الفقه السياسي في الدولة 

يضبط الفقه السياسي أحكام المكلفين من جهة وأحكام الدولة باعتبارها شخصية معنوية من جهة ثانية ويحدد وجوه العلاقة بينهما. فيعنى ببيان الضوابط والمباني والأسس والسياسات الكلية. وبهذا التعريف يجعله الكاتب في مرتبة أعلى من الدستور وأعلى من القانون. ويعهد إليه بوظيفة الإجابة عن المسائل الابتدائية والمستحدثة مما لا يوجد له حكم في الآيات وروايات المعصومين. وترتب القواعد إلى ثلاث مراتب. فمنها القواعد السياسية الصرف. ومنها القواعد العامة التي تستعمل استعمالا مشتركا في مختلف الموضوعات والفقه السياسي أحدها. ومنها القواعد التي تستعمل عامة في غير المجالات السياسية ولكنها توظف أحيانا في السياسة باعتبارها تدبيرا للشأن العام. 

ويعود الكاتب إلى تاريخ تدوين هذه القواعد عند السنة. فيبيّن أن الدولة العثمانية عملت على تدوين قانون وفق الفقه الإسلامي السني. فقد جمعت فقهاء الحنفية وعهدت إليهم بصياغة الأحكام الشرعية في شكل مواد قانونية. وكانت تهدف إلى توحيد آراء المحاكم وإقصاء للآراء المخالفة للإسلام. ودوّن هذا العمل في كتاب بعنوان "مجلة الأحكام العدلية" وتضمّن 99 قاعدة فقهية بصياغات عامة مختصرة.

ومما يشرع وجود هذا المبحث عند الكاتب مساعدة علومه على تحصيل الجواب بسرعة ومن دون الرجوع إلى المجتهد وتنظيم أوامر الحاكم على المجتمع وتثبيتها فلا تتغير بتغيره. ويجعل وظيفتها الأسمى ممثلة في توحيد قوانين البلاد الإسلامية. فلا تتصادم فيها التشريعات لانطلاقها من خلفية واحدة.

3 ـ تاريخ قواعد الفقه السياسي

يعود بالمبحث إلى حكومة الإسلام الأولى في المدينة. فالنبي عنده كان يجمع بين وظيفتين. يبلّغ الرسالة من منطلق الوحي ويتولّى السلطة التنفيذية فيسنّ الأحكام في ضوء ما ينزل عليه من الوحي. ثم ينقد المنجز السّني الذي أسسه الحنفيون. فرغم ظهور مدوناته عندهم منذ القرن الرابع فإن سد الفقهاء لباب الاجتهاد جعل التقليد يهيمن على مدارسهم الدينية. فضبطوا القواعد الكلية التي تنطبق على مصاديق أخرى فاعتمدوا في الأدلة الشرعية الأصلية على القياس وفهموه على معنى "إثبات حكم الأصل في الفرع لاشتراكهما في علة الحكم"، أو "حمل مجهول على معلوم في إثبات حكم أو نفيه بالاشتراك في صفة أو انتفاء صفة، أو حكم أو انتفاء حكم". ولجؤوا في الأدلة الشرعية التكميلية أو التبعية إلى الاستحسان فكان الفقيه يعدل في الحكم عن وجه اعتمد في نظيرات المسألة إلى آخر لعلّة ما توجب هذا العدول والمصالح لقولهم بجلب الشريعة المصالح للناس ودرئها المفاسد عنهم. 

ومقابل هذه الاحترازات، يجد أنّ الأئمة المعصومين قد "بيّنوا لشيعتهم في موارد عدّة أنهم يحددون الأصول والكليات، وعلى الشيعة تطبيقها على الحوادث المستجدّة، فالإمام رضا (ع) مثلا يقول لأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي "علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع" وأوصوا بالاجتهاد والاستنباط من مصادر الفقه بقول: "وبعبارة أخرى: إن الحاجة إلى أجوبة عن المسائل الجديدة دفعت السنة نحو القياس والاستحسان، بينما دفعت الشيعة نحو الاجتهاد وكشف القواعد الفقهية"ص 28. فينتصر إلى التصور الشيعي ويجده مشجعا على الاجتهاد رغم أن المؤلفات الشيعية فيه تعود إلى القرن السابع للهجرة، ويشير إلى كتاب "نزهة الناظر في الجمع بين الأشباه والنظائر" ليحيى بن سعيد الحلي. 

وهذا التأخر في الزمن طبيعي بحكم بعدهم عن مقاليد السلطة واهتمامهم بمسائل أخرى في الفقه غير سياسة الحكم وتدبير شؤونه.. فقد تم منع الأئمة المعصومين من قبل الحكام السنة. ومع ذلك فقد بينوا بعضها واعتمدوها مثل قاعدة التقية أو قاعدة نصرة المظلومين. ثم تابع الفقهاء من بعدهم هذا النهج في عصر الغيبة الكبرى التي ستستمر حتى ظهور المهدي. ويجد أنّ إيران لا تزال اليوم متأخرة في ضبط هذه القواعد. ومن ثم يجعل عمله سدا لهذه الثغرة إبرازا للقواعد وتعريفا بها وذكرا لأدلتها وصياغة لها بلغة قانونية. 

4 ـ في علاقة العرف بقواعد الفقه السياسي

ولقواعد الفقه السياسي صلة متينة بالعرف، أي بـ"ما استقر في النفوس من جهة العقل وتلقته الطبائع السليمة بالقبول" وفق تعريف الغزالي وبالعادات التي تبدلت إلى سنة وسيرة يتواضع عليها الجمهور تواضعا مضمرا عند القيام بعمل أو قولِ قولٍ أو تركهما. ومن شروطه استمرار العمل به لمدة طويلة واتصافه بالعموم والاجتماعية وأن يكون إراديا واعيا. ويَعُدّ العرفَ من أقدم مصادر القانون. فقد كان ركيزة الحياة عند العرب الجاهليين وصادق عليه القرآن وسمى بعضه بسنن الأنبياء. 

و"لم تكن شريعة الإسلام بنظامها التقنيني الجديد قادرة على محو جميع الأعراف الموجودة في عهدها" ص 51 فأقرته على ما كان عليه أحيانا أو غيرت فيه جزئيا أحيانا أخرى. وإجمالا فقد قامت على التدرج في مواجهة الظواهر المخالفة لها. 

 

وجدنا الأثر منغلقا على تصور شيعي تقليدي يرتقي بالفقه إلى مصاف الأحكام المقدسة ويمنح الفقهاء السلطة العليا في الحياة العامة بمختلف مستوياتها. فلا يستفيد من الفلسفات الحديثة أو من العلوم السياسية أو من تاريخ الأفكار السياسية. ولا يعمل على المقاربة بين المذاهب لردم الهوة بين السنة والشيعة التي توجبها المرحلة وإنما يميل إلى المفاضلة ويعود القهقرى إلى منشأ الخلاف في العقل الإسلامي وانفصامه إلى سني وشيعي ويعمّقه.

 


ويُعَد بعضُ الفقه تأسيسا لأحكام جديدة فيُصطلح عليها بالأحكام التأسيسية ويمضي أحيانا بعض الأحكام القائمة ويصادق عليها فيصطلح عليها بالأحكام الإمضائية. وعامة عُدّ العرف الممضى بمثابة القاعدة الشرعية لقول الآية 199 من الأعراف (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، ولكنه لا يكتسي حجيته، إلا من عدم مخالفته للنصوص الشرعية وإجازة من الشارع بعدم الردع أو السكوت، فضلا عن غلبته على جميع الأفراد. 

5 ـ مجالات قواعد الفقه السياسي

رأينا فيما تقدّم أن قواعد الفقه السياسي تشمل الحياة بأسرها. ونقتصر في هذا العرض السريع على ما أورده في "الساحة" السياسية من قواعد ذكرها مفصلة بشروحها وأدلتها وتطبيقاتها. فتؤكد قاعدة "عدم الولاية على الآخرين ألاّ شيء يوجب على المرء الطاعة المحضة لوال حتى يتصرف في بعض شؤونه. وتعلن قاعدة المساواة: "ألاّ تمييز في الإسلام بين الغني وغيره أبدا.. فالكل سواسية.. وبالتالي فما كان الإسلام ليفرق بين رئيس الوزراء وغيره". 

أما قاعدة الشورى فتقضي بـ"استخراج الرأي برجوع بعض إلى بعض" وبتبادل الآراء للوصول إلى أفضلها. ويفسر" انتكاسة "هذا المبدأ والانطباع السيء حوله بالانحراف عنه "فالنصوص في أنّ النبي الأكرم (ص) قد عيّن عليا (ع) إماما وخليفة له كثيرة، إلا أن عدم الاعتناء بوصيته وقصر النظر على رأي بعض الأئمة أفضى بالخلافة إلى آخرين، ما أدّى إلى انطباع سيء عن هذا المبدإ في أذهان أصحاب بعض المذاهب" ص 150. 

ووفق قاعدة المصلحة، يحق للحكومة أن تفسخ ـ من طرف واحد ـ العقود الشرعية التي عقدتها مع الشعب حينما تكون مخالفة لمصالح البلد والإسلام. وتمنع قاعدة التقية إفشاء السر أمام الآخرين لإبعاد شرهم عن النفس لكن إذا ما كان القرآن والدين في خطر فالتقية حرام وفق ما ينقل عن الإمام الخميني. وتمنع قاعدة نفي السبيل على الجبابرة الفاسدين وعلى المشركين كلّ سبيل لهم على المسلمين.

6 ـ قواعد الفقه السياسي وبعد؟

وجدنا في عتبات الكتاب ما ينبئ بتصوّر منفتح للحياة السياسية. ولكنّ بحثنا في المتن كان مخيّبا للأمل. فقد وجدنا الأثر منغلقا على تصور شيعي تقليدي يرتقي بالفقه إلى مصاف الأحكام المقدسة ويمنح الفقهاء السلطة العليا في الحياة العامة بمختلف مستوياتها. فلا يستفيد من الفلسفات الحديثة أو من العلوم السياسية أو من تاريخ الأفكار السياسية. ولا يعمل على المقاربة بين المذاهب لردم الهوة بين السنة والشيعة التي توجبها المرحلة وإنما يميل إلى المفاضلة ويعود القهقرى إلى منشأ الخلاف في العقل الإسلامي وانفصامه إلى سني وشيعي ويعمّقه. ولئن رأينا من الوجاهة أن يعيب على العقل السني غلقه للباب أمام الاجتهاد، فإننا وجدناه يؤسس إلى عقل شيعي أكثر انغلاقا يتغاضى بالكل عن الواقع متكلا على تصور الإمام المعصوم. فقد "كان الأئمة"، وفق اعتقاده، "قادرين على الإجابة عن مسائل الفقه البعيد كما كانوا قادرين على تقديم أصول وقواعد لأصحابهم لا تبلى عبر الزمن، وتقدر على إعطاء أحكام الحوادث المستحدثة من خلال تقسيمها" ص 25. 

ومما يعتمد في الفقه السياسي يذكر قاعدة الأهم قبل المهم. فيعرض تطبيقاتها على حالات مفترضة تفضي إلى قواعد فرعية منها "حفظ النظام قبل الصلاة". فينقل عن الخميني قوله "إن حفظ نظام الجمهورية الإسلامية واجب عيني وهو أهم واجبات الدنيا، وأهم من الصلاة، لأن في حفظها حفظا للإسلام، والصلاة فرع من فروع الإسلام" ومنه "حفظ الإسلام أهم من حفظ نفس المسلم" فـحفظ نفس المسلم أهم من كل شيء وحفظ الإسلام أهم من ذلك" و"إذا رأينا الإسلام في خطر يجب علينا جميعا أن نضحي بأنفسنا لنحفظه". وانطلاقا من هذه القواعد كان يطابق بين الديانة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية ويجعلهما كيانا واحدا. وينتهي الاستدلال بالمستدلّ إلى أنه باسم الحفاظ عن الإسلام المهدد، يجوز قتل المعارضين المهددين لسلامة نظام حكم الملالي ولنفوذهم. 

على هذا النحو كان الأثر مغرقا في الإيديولوجيا، فينطلق من الغايات النبيلة التي تحرك المشاعر الدينية ليؤسس لدولة تيوقراطية دينية أساسا لا تعترف بالقوانين المدنية ولا بالحقوق الفردية.. وتوظف قواعد الفقه السياسي لصيانة النظام السياسي القائم وحماية رموزه، وتشرع القتل والاستبداد بالسلطة للدفاع عنهم. فكان صوتا محافظا متأخرا كثيرا عمّا وصلت إليه السياسة الإيرانية اليوم رغم الكم الهائل من النقد الموضوعي الذي يوجّه إليها.

التعليقات (1)
د. سلمان الظفيري
الإثنين، 19-10-2020 01:29 م
مامعنى هذا البحث؟ فأنكم لم تعتبر ا من مصائب العراق وسوريا ولبنان وجئتم تسوقون هذه البضاعة الكاسدة اتقوا الله فيما تكتبون لماذا التلميع لمن كشفته الأيام وأصبح بلا حياء يجاهر بعورته؟؟