هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عشية الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، جلس "بندر بن
سلطان"، سفير السعودية (آنذاك) المدلل لدى واشنطن، على يد الكرسي الذي يجلس
فوقه الرئيس الأمريكي "جورج بوش" الابن، وقال له: "لن أحلق ذقني إلا
بعد أن تضربوا العراق"! وقد كان، وتمت الضربة واحتلت أمريكا العراق، فحلق "بندر"
ذقنه، لكنه لم يكن يعرف أن ابن عمه "محمد بن سلمان"، ولي العهد، سيعيدها
إليه مرة أخرى، بعد خمسة عشر عاماً، ولن يتمكن في هذه المرة من حلقها!!
فجأة، وبعد غياب عن الأضواء منذ عزله واتهامه في قضايا
فساد كبرى، أهمها الرشاوى والعمولات التي حصل عليها في "صفقة اليمامة"
الشهيرة، واعتقاله مع الأمراء في فندق "ريتز كارلتون"، وتعذيبه ليدلي بأرقم
حساباته السرية، وبعد تحديد إقامته، وتجميد أرصدته وممتلكاته؛ يطل "بندر بن
سلطان" علينا من قناة "العربية" (أو "العبرية" الناطقة
بالعربية)، ليبارك تطبيع الإمارات والبحرين مع الكيان الصهيوني، ويشن هجوماً عنيفاً
على الفلسطينيين. ولا نعرف هل الإساءة للفلسطينيين، كانت الثمن المطلوب منه، من
قِبل ولي العهد، لحلق لحيته مرة أخرى؟! إذا كان كذلك، فبئس ما باع وبئس ما اشترى،
ضعف الطالب والمطلوب..
لا شك في أن ظهور "بندر بن سلطان" وهجومه
الشرس على الفلسطينيين وعبر قناة تلفزيونية سعودية، لم يكن عفوياً بلا ترتيب، بل
جاء بأمر من "محمد بن سلمان" شخصياً، والهدف منه بالطبع، التمهيد
للتطبيع وإقامة علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني، ولتهيئة الرأي العام السعودي
لقبول تلك الخطوة من قياداته، بعدما فشلت كتائب الذباب الإلكتروني في تحقيق ذلك
الهدف، فلا يزال الضمير الجمعي للشعب السعودي يرفض التطبيع، ولا زالت فلسطين ساكنة
في قلبه متجذرة في وجدانه، ولا يزال الكيان الصهيوني هو عدوه التاريخي، شأنه في
ذلك شأن كل الشعوب العربية، حتى تلك الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الكيان
الصهيوني منذ عقود، بذريعة الأرض مقابل السلام، لا تزال شعوبها ترفض التطبيع، ولم
تفلح كل محاولات الصهاينة المستميتة في جرها للتطبيع كما جرت أنظمتها. وهذا ما
رأيناه أيضا من شعبي الدولتين الحديثتين في التطبيع (الإمارات والبحرين)، عبرت عنه
مظاهرات البحرين الحاشدة التي رفعت العلم الفلسطيني، منددة بالتطبيع، وتلك العريضة
الإلكترونية التي أصدرها عدد من شباب الإمارات ضد التطبيع واعتباره خيانة، ووقع
عليها أكثر من مليوني مواطن عربي خلال 24 ساعة فقط.
ويؤيد الصهاينة أنفسهم كلامنا هذا، فقد كتب "جاكي
خوخي"، الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية، مقالاً في صحيفة "معاريف"
قال فيه: "رأى العديد من الإسرائيليين أن مهاجمة الأمير السعودي بندر بن
سلطان للقيادة الفلسطينية موجهة للجمهور السعودي، وهي تعبير عن تقارب الرياض وتل
أبيب باتجاه تطبيع العلاقات بينهما، بعد أن ساعدت الرياض في دفع أبو ظبي والمنامة
إلى حضن تل أبيب. صحيح أن إسرائيل تعتبر العدو التقليدي للعرب والسعودية، إلا أن ابن
سلمان يقود ثورة عقلية في المنطقة العربية، وتحديداً في ما يتعلق بإسرائيل والقضية
الفلسطينية".
وفي فقرة أخرى يعترف بأن نسبة التعاطف مع الفلسطينيين لا
تزال مرتفعة لدى الشارع العربي، وكذلك في المملكة العربية السعودية، وأن الطريق
تجاه إسرائيل مليء بالألغام، وما فعله بندر بن سلطان هو بداية أعمال التفكيك لهذه
الألغام.
لقد أنفقت تلك الأنظمة المتصهينة عشرات المليارات من
الدولارات لتزييف التاريخ، وتزوير الرأي العام العربي، من خلال مسلسلات متصهينة،
تشوه الفلسطينيين وتحسن من صورة العدو الصهيوني، وكتائب إلكترونية مصطنعة تهيم
عشقاً في الصهاينة، وتكيل كل الكيل للفلسطينيين. ولكي يصلوا للهدف بشكل أسرع، ويغسلوا
أدمغة الناس، استعانوا بصحفيين مشاهير وشخصيات عامة كان لها باع في مناصرة الحق
الفلسطيني، ولكن للأسف سال لعابهم أمام المال السعودي والإماراتي الحرام، فباعوا
ضمائرهم بثمن بخس، وسقطوا في بئر الخيانة، فلفظتهم الشعوب العربية وألقت بهم في
مزبلة التاريخ.
كل هذه المحاولات الخبيثة البائسة باءت بالفشل الذريع، وطارت
أموالهم أدراج الرياح، وبقيت القضية الفلسطينية محفوظة في ضمير الأمة.
كلنا نعرف، أو على الأقل المطلعون على مجريات الأحداث
والصحف العالمية، مدى العلاقة الوثيقة التي تربط ولي العهد السعودي مع القيادات
والشخصيات الصهيونية، وأنه زار الكيان الصهيوني سراً عام 2017، وصورت طائرته في
مطار بن جوريون، وأنه نسق معهم ومع "كوشنير"، كبير مستشاري
"ترامب" وصهره، "صفقة القرن"، وأنه وافق على ضم القدس الشرقية
إلى الكيان الصهيوني، قبل أن يعلنها ترامب رسمياً، وأنه هدد "أبو مازن"
وقال له إن عليه أن ينسى القدس نهائياً، و"أبو ديس" هي عاصمة الدولة
الفلسطينية المزعومة!!
العشق الصهيوني لدى "محمد بن سلمان"، لا يمكن
مداراته أو تخبئته وراء حجج ساذجة أو مزاعم باطلة، يطلقها بندر بن سلطان وغيره من
الصهاينة العرب المنبطحين فليطبع حكام السعودية كما يريدون، وليقيموا العلاقات
الدبلوماسية مع عدو الأمة كما يشاؤون، دون اللجوء لهذه الأساليب الرخيصة والمكشوفة،
ويتخذون من الهجوم على الفلسطينيين معبراً للوصول لهدفهم الحرام. إن مصر والأردن
حينما أقاما اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني، لم يتعرضا بسوء أو أذى
للفلسطينيين، ولم يحاولا تشويههم كما يفعل مطبعو اليوم، بل على العكس؛ ادعا أنه يصب في
صالح القضية الفلسطينية، وأن السلام كخيار استراتيجي يُمكن الشعب الفلسطيني من
استرداد حقوقه المشروعة، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة!
لماذا يلجأ مطبعو اليوم لشيطنة الفلسطينيين، لتبرير
خيانتهم للأمة؟! ولماذا هذه المبالغة في العشق والغرام، والسعي الحثيث لتجميل وجه
حبيبهم العنصري البغيض، والدفاع المستميت عنه، والذي يشهد العالم كله مدى إجرامه
ووحشيته تجاه الشعب الفلسطيني؟!
إنهم إذن يناصرون الجاني المجرم، ويجلدون الضحية التي
دافعت عن شرف الأمة ومقدساتها ومعتقداتها، وقت تقاعسهم وتخاذلهم، أو بالأدق
خياناتهم وتآمرهم. لقد دفع الفلسطينيون ضريبة الدفاع عن كرامة الأمة، من دم
أبنائهم المقاومين البواسل، فيما يشربونه هؤلاء المبطعون الجدد الآن نخبا لتطبيعهم
مع الكيان الصهيوني..
إنهم يريدون تحويل البوصلة، وتشكيل وجدان عربي جديد على
هواهم الصهيوني، ولكن هيهات هيهات أن يفلحوا مهما بلغوا من الأسباب مداها.
يزعم "بندر بن سلطان" في حديثه مع قناة "العربية"،
أن القيادة الفلسطينية أضاعت فرصا كثيرة لحل الصراع مع الاحتلال الصهيوني، ونحن
هنا فقط نذكره بما نسيه، ربما بعامل السن، أو تناساه بفعل التطبيع؛ أن قيادة
السلطة وافقت على حلول كثيرة لا يقبلها الشعب الفلسطيني، ولكن رفضها الكيان
الصهيوني، ولعل آخرها مبادرة عمه الملك "عبد الله بن عبد العزيز"، في
قمة بيروت عام 2002، وتبنتها الجامعة العربية آنذاك، ولا زالت قائمة حتى يومنا
هذا، ولكن رفضها رئيس الوزراء آنذاك "أرئيل شارون"، ومزقها وقال: "إنها
لا تساوي الحبر الذي كتبت به".
كما يدعي "بندر" أنه لم يبق للفلسطينيين من
أصدقاء سوى تركيا وإيران، وكأنه يعايرهم، وعلى الرغم من عدم صحة ذلك الادعاء
السفيه، فما هو العيب في أن يساند الفلسطينيين أكبر دولتين إسلاميتين في المنطقة؟! كانتا
حاضنتين لأهم إمبراطوريتين في العالم، وهما الآن صاحبتا أهم مشروعين للنهضة في
المنطقة، لم تبخلا على الشعب الفلسطيني بشيء، بل تدعمانه مادياً وسياسياً ولوجيستياً
ومعنوياً. فهما تناصرانه علناً في جميع المحافل الدولية، وتقفان معه في الخندق
المعادي للمشروع الصهيوني، بينما بنو جلدتهم من إخوانهم العرب، أقارب بندر وعشيرته،
تخلوا عنهم وتآمروا عليهم، ويحاصرونهم ويمنعون عنهم الماعون!
إنه لشرف كبير يمنحه "بندر" للفلسطينيين
بادعائه الساذج هذا، ولكننا نحب أن نطمئنه بأن معظم الدول العربية تدعم الشعب
الفلسطيني، والدليل رفض ست دول عربية حتى الآن رئاسة جامعة الدول العربية، جامعة
المطبعين، التي تسيطر عليها السعودية والإمارات، بعد اجتماعها الأخير الذي أسقطت
فيه المشروع الفلسطيني، ومررت التطبيع ورفضت إدانة أبو ظبي..
وأخيرا، فليطبع مَن يريد التطبيع، ولكن إياكم ثم إياكم الاقتراب من الشعب الفلسطيني البطل، وشيطنته لتبرير خيانتكم للأمة، وصدقوني لن
تجنوا من تطبيعكم هذا، وعلاقاتكم الآثمة مع العدو الصهيوني، غير الندامة والخسارة،
ولن تحميكم أمريكا ولا الصهاينة، ولكم في شاه إيران، صديقهم الحميم، عبرة، ولكنكم
قوم لا تعتبرون ولا تتعظون. ولن تستطيع يا "بندر" ولا بنو عشيرتك كلها،
حلق ذقونكم من بعد ذلك، والأيام بيننا..
ولنعيد عليهم، رائعة محمود درويش:
عرب أطاعوا رومهم
عرب وباعوا روحهم
عرب ... وضاعوا
سقط القناع عن القناع
عن القناع سقط القناع
لا إخوة لك يا أخي لا أصدقاء..
twitter.com/amiraaboelfetou