تقارير

ماجد أبو شرار.. شهيد "سرقته" الثورة من القصة القصيرة

ماجد أبو شرار برفقة ياسر عرفات (أبو عمار)   (ارشيف)
ماجد أبو شرار برفقة ياسر عرفات (أبو عمار) (ارشيف)

كان في روما في فندق "فلورا" الواقع في شارع "فيا فينيتو" حين زرع عملاء للموساد الإسرائيلي عبوة تحت سريره في الفندق، وبعد منتصف تلك الليلة تمزق جسده وعاد إلى بيروت شهيدا ليدفن هناك. 

عاصر القادة التاريخيين في حركة التحرير الوطني الفلسطيني التي تعرف اختصارا بحركة "فتح"، وعمل تحت إدارته الجيل الثاني من "فتح" كان من بينهم الطيب عبد الرحيم وأحمد عبد الرحمن ونبيل عمرو. 

رغم أنه لم تصدر له سوى مجموعة قصصية وحيدة بعنوان "الخبز المر" فهو يعد من رواد القصة القصيرة في فلسطين، ويعتبر قيمة أدبية وفكرية وإنسانية ونضالية لا يزال يثير الكثير من الشجون لدى من عاصره وتتلمذوا على يديه، أو قرؤوا له وتعرفوا على مسيرته النضالية.

ولد ماجد أبو شرار في دورا جنوب مدينة الخليل بالضفة الغربية عام 1936، انتقل لإكمال دراسته في غزة حيث انضم والده لـ"جيش الجهاد المقدس" بقيادة عبد القادر الحسيني في الأربعينيات ضد العصابات الصهيونية وحكومة الانتداب البريطاني، والتحق ماجد بجامعة الإسكندرية وحصل منها على شهادة في الحقوق عام 1958. 

 



بدأ مسيرته المهنية معلما في بلدة الظاهرية في محافظة الخليل، وفي مدرستي "عي" و"المزار" قرب مدينة الكرك جنوب الأردن ثم مديرا للمدرسة. 

سافر إلى السعودية عام 1959 ليعمل محررا في صحيفة "الأيام" عندما لمس ناشرها امتلاكه لغة عصرية للتعبير عن أفكاره السياسية والوطنية بكل وضوح وبلغة جميلة.

التحق بحركة "فتح" عام 1962، وبحلول عام 1968 تفرغ للعمل في جهاز الإعلام التابع لـ"فتح" مع كمال عدوان، كما تولى رئاسة تحرير صحيفة "فتح" اليومية، ودعم تأسيس مدرسة "الكوادر الثورية" في "قوات العاصفة" عام 1969. 

أصبح عضوا في الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين منذ عام 1972، كما كان عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي. 

وبعد استشهاد كمال عدوان عام 1973 أصبح مسؤولا عن الإعلام المركزي ثم الإعلام الموحد لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس دائرة الإعلام المركزي ثم الإعلام الموحد للحركة. كما دخل في عضوية المجلس الوطني الفلسطيني بعد "عملية الفردان". 

في الفترة ما بين عامي 1973 و1978 تولى مهام مفوض سياسي عام لـ"فتح" وكان من بينِ الكوادر الثورية، حيث رسم خط سير الأهداف للحركة وجهز الفدائيين الذين خاضوا معارك في عدد من المدن. 
اعتبر ماجد أبو شرار أحد أبرز قياديي تيار "اليسار الديمقراطي" الذي ضم ناجي علوش، ومنير شفيق، حنا ميخائيل، ومرعي عبد الرحمن (أبو فارس)، وأبو نائل (عبد الفتاح القلقيلي)، نمر صالح، وأبو حاتم (محمد أبو ميزر) وأبو خالد الصين، وقدري (سميح أبو كويك) وأبو خالد العملة والياس شوفاني وغيرهم. 

وقف إلى جانب "البرنامج المرحلي" للثورة الفلسطينية بشرط "عدم الصلح أو الاعتراف أو التفاوض مع إسرائيل"، واتخذ موقفا نقديا من السياسة العامة للحركة. وأجرى مراجعة نقدية لموقفه السابق بخصوص "البرنامج المرحلي" عام 1980 في سياق محاولته رص صفوف هذا التيار وقيادته في تلك المعركة. ونجح في تلك المعركة، حيث انتخب عضوا في اللجنة المركزية للحركة، كما وصل عدد من رموز التيار إلى عضوية المجلس الثوري للحركة. 

 

 



ويقول بعض كتاب سيرته إنه كان محسوبا على "جماعة السوفييت" داخل "فتح"، وكانت له مواقف واضحة في تأييد الاتحاد السوفيتي والرغبة في كسب دعمه، وانعكس ذلك على تصريحاته ومواقفه، وكان له دور مركزي في تبني أدبيات "فتح" الرسمية التحليل الماركسي للتاريخ الفلسطيني ولطبيعة الصراع مع الاحتلال. 

بالإضافةِ إلى نشاطه السياسي والنضالي كان ماجد أبو شرار قاصا وأديبا صدرت له مجموعة قصصية يتيمة باسم "الخبز المر" كما كان يكتب زاوية ساخرة بعنوان "جدا" بصحيفة "فتح." 

أثناء فعاليات مؤتمر التضامن مع الشعب الفلسطيني والذي حضره المفكر الفرنسي روجيه غارودي والنجمة السينمائية البريطانية فانسيا رديغريف والمطران هيلاريون كابوتشي في روما في 9 تشرين الأول/أكتوبر عام 1981 وعندما دخل غرفته في فندق "فلورا" انفجرت قنابل زرعها عملاء "الموساد". 

دفن ماجد في مقابر الشهداء في بيروت. رثاه الشاعر محمود درويش في ديوان "في حضرة الغياب"، ورثاه شعراء وأدباء كثيرون وكتبت عنه عدة كتب تناولت مسيرته النضالية والأدبية، كما افتتحت "مؤسسة ماجد أبو شرار الإعلامية" تخليدا لاسمه، وهي منظمة غير حكومية تعمل من أجل تمكين الشباب في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان في مجال الإعلام لمنحهم الصوت والقدرة على نقل أخبارهم ومجتمعاتهم إلى العالم الخارجي بعيدا عن الصور النمطية لصلب وسائل الإعلام.

تقول مديرة المؤسسة وابنته الصحافية والإعلامية سماء ماجد أبو شرار المقيمة في بيروت عنه: "كان ماجد اجتماعيا بامتياز، كما كان سياسيا بامتياز، أحب الناس كما أحبوه ولهذا كان بيتنا ملتقى للسياسيين والمثقفين والإعلاميين، وبحكم عمله كان بيتنا دائما مليئا بالوفود الأجنبية التي كان يصر على دعوتها إلى البيت وكان يطهو لهم المنسف (الطبق الشعبي الأردني) بنفسه". 

تضيف سماء: "كان الوحيد القادر على توحيد الجميع من مختلف الأطياف والفصائل، ومن القلائل الذين باستطاعتهم التحدث إلى المثقف كما إلى الشخص العادي كل بلغته". كان لديه أصدقاء كثر من الوسط الفلسطيني المثقف والعسكري والسياسي. ولإيمان ماجد الشديد بأهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية اللبنانية كان أيضا يتمتع بصداقات مع كثر من الطبقة السياسية والمثقفين والإعلاميين اللبنانيين". 

في رسالة سابقة لوالدها، تقول سماء أبو شرار، المقيمة في بيروت: "أنا وسلام وعزة وداليا، كبرنا ولم تكن شاهدا على ذلك كباقي الآباء. سلام يتنقل من بلد إلى آخر حاملا في جعبته حلمك بعالم أفضل وفلسطين محررة، أنا وعزة وداليا حققنا بعضا من أحلامنا ونعمل على تحقيق ما تبقى منها. عزة أصبح لديها كرم، ودالية أصبح لديها كرمة، أما أنا فأصبح لدي مينا." 

ويتحدث الوزير السابق في السلطة الفلسطينية نبيل عمرو الذي تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة عام 2004 اضطر الأطباء لبتر ساقه اليمنى إثر ذلك، عن ماجد أبو شرار بقوله: "ماجد قوي التأهيل الفكري والثقافي ذلك بدا جليا في بلاغة القول ورشاقة الجملة وإذا ما قرأنا مجموعته القصصية "الخبز المر" وقرأنا لقطاته الانتقادية الساخرة في الصحافة العربية والفلسطينية ومنها زاوية "جدا" وإذا ما استعدنا تصريحاته الرسمية ومحاضراته وخطبه فنادرا ما نعثر على لعثمة أو قول غامض أو رأي يحتاج إلى نفي أو توضيح، وهذا الذي أقول ليس من قبيل المحبة وخلع الأوصاف مجاملة على الراحلين، بل كله مثبت في جميع ما ترك ماجد وراءه من تراث فكري وسياسي وثقافي وإعلامي". 

مئات الكتاب الفلسطينيين والعرب الذين بدأوا الكتابة في فترة السبعينيات والثمانينيات كان يعتبرونه ملهما لهم ومعلما، فهو يقف إلى جانب القامات الثقافية الفلسطينية الكبيرة من وزن وقيمة الشهداء، غسان كنفاني وناجي العلي وغيرهم. 

 إذ سرقته الثورة والنضال وتفرغه للإعلام الثوري من الأدب، لكنه في جميع الأحوال، رحل وهو مثقل بالإنجازات والتاريخ والصلابة الوطنية والوضوح في كل شيء حتى وهو يمارس دوره كأب ورب أسرة ومعلم وثائر. 

المصادر والمراجع: 

* مهدي عبد الهادي، "فلسطينيون"، الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية، 2011. 
*عبد الفتاح القلقيلي، نزيه أبو نضال، "الكاشف معجم كتال وأدباء فلسطين"، 2011. 
* عبد العزيز السيد،" ماجد أبو شرار.. سيرة لم تنته بعد"، 2015. 
* يزيد صايغ، "الكفاح المسلح والبحث عن الدولة الحركة الوطنية الفلسطينية ( 1949-1993)، 2002. 
"الموسوعة الفلسطينية"، القسم العام، هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1984. 
*مجلة الكرمل، العدد 4، نيسان/إبريل 1982. 
* بشير شريف البرغوثي، "ماجد أبو شرار: مشروع النهوض الوطني الفلسطيني"، 2019. 

التعليقات (2)
علي الحاج
الأحد، 09-10-2022 09:22 ص
اطلبوا فتح تحقيق باستشهاد القائد ماجد أبو شرار ...! خرج بوفد من بيروت الى روما ... انتهت الاجتماعات وطُلب من الوفد العودة باستثناء ماجد ... إن يبقى في روما ؛ كان مسؤول مكتب م ت ف في روما نمر حماد. غيّر مكان الاقامه لماجد من فندق لآخر ... في الفندق الآخر كان السرير مفخّاخاً ...و حدث ما كان !!!!
دورا
الإثنين، 12-10-2020 05:25 م
الف رحمه ونور على روحك الطاهره انت ومن سبقك ومن لحقك وعلى من سيلحق بكم من فرسان شعبنا الأبي لكم المجد والخلود
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل