هل أتاكم نبأ حل الدولتين؟

ربما لا يعلم الكثير من عموم أبناء الأمتين العربية والإسلاميىة عن المقصود بـ"حل الدولتين"، سوى ما يردده الإعلام العربي من جمل مبهمة وشعارات رنانة جوفاء، من عيّنة: "دولتان تعيشان جنبا إلى جنب"، أو "دولة مستقلة ذات سيادة".

يا سادة! حل الدولتين يعني التنازل عن 78 في المئة من مساحة فلسطين، يعني التوقيع على بيع القضية الفلسطينية والإقرار بما تم من احتلال للأراضي الفلسطينية قبل حرب 1948م وبعدها، والاكتفاء بحدود 4 حزيران/ يونيو 1967م، يعني العدول عن قرار التقسيم رقم 181 الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1947م والذي كان ينص على إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيمها إلى ثلاث مناطق على أن يكون لإسرائيل 55 في المئة من مساحة فلسطين، ذلك القرار الذي رفضه العرب وقتها وحاربوا اعتراضاً عليه..

يعني الاستسلام لما اغتصبته العصابات الصهيونية من أراض قبل قرار التقسيم ومنذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917م. يعني أنه في حالة إقامة دولة فلسطينية ستكون عبارة عن جزءين منفصلين عن بعضهما، يمثلان فقط 22 في المئة من مساحة فلسطين؛ جزء في الضفة الغربية وآخر في قطاع غزة، وبين هذين الجزءين المنفصلين وشمالهما وجنوبهما تقع دولة الكيان الصهيوني.

يعني أن تنتهي فكرة المقاومة والجهاد لاسترداد بقية الأراضي المقدسة إلى الأبد، بل ويتم اعتبار من يفكر خارج ذلك الإطار مخالفا للاتفاق ومستحقاً للعقاب، موسوما بالتطرف والإرهاب ليس من أمريكا وحدها، ولكن من كل دول العالم بما فيها الدول العربية.

وقد يقول قائل: أليس هذا أفضل من لا شيء؟ أو يقول آخر: إن كافة الدول العربية توافق عليه. وربما يقول ثالث: إن حركة حماس قد وافقت على ذلك. وربما يرد رابع بقوله: نقبله من أجل تحقيق السلام.

وللرد على كل تلك المزاعم، يمكن القول بأن هذا الحل ليس أفضل من لا شيء، بل لا شيء الآن في ظل الوهن العربي وتشرذم الأمة الإسلامية أفضل منه.

لأنه لا شيء الآن يعني إبقاء القضية حية في نفوس أبناء الأمة جميعا إلى أن تسترد عافيتها، فتجد المجال متاحاً لاسترداد كافة الأراضي المحتلة ولو بعد حين.

ولا شيء الآن في ظل حالة الضعف يعني عدم التوقيع بالتنازل عن أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين. ولا شيء الآن يعني إبقاء إسرائيل كياناً مغتصباً لا شرعية له.

أما الرد على من يقول بأن الدول العربية وافقت على ذلك، فله أن يعلم أن تلك الدول هي ذاتها التي رفضت ما هو أفضل منه نسبيا فحاربت قرار التقسيم عام 1948م إما بصورة مباشرة كمصر وسوريا ولبنان والعراق، أو بدعم لوجستي من غيرها من الدول، وأن موافقة تلك الدول على هذا الحل بعد ذلك إنما جاء ليعبر عن حالة الضعف والخوار والتشرذم التي ألمّت بالجسد العربي والإسلامي بفعل الأنظمة المستبدة العميلة التي لا تحارب إلا من أجل الحفاظ على استمرارها في الحكم.

وأما القول بأن حركة المقاومة الإسلامية حماس قبلت بهذا الحل، فإن من يقول ذلك عليه يقرأ بقية الآية ولا يقف عند قوله تعالى: "لا تقربوا الصلاة"، فلينتبه إلى بقية كلام حماس وهو بين هلالين "في المرحلة الحالية"، ويعني ذلك أنها إن قبلت ذلك الحل فإن قبولها به كان تكتيكياً ومرحلياً لا نهائياً، ولا يعني الاعتراف بإسرائيل.

وأما مسألة أن هذا الحل يحقق السلام، فهذا القول مردود عليه بسؤال: أين السلام الذي تحقق منذ توقيع إعلان المبادئ المعروف باتفاق أوسلو؟ ذلك الاتفاق الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات - رحمه الله - مع الإسرائيليين برئاسة شمعون بيريز عام 1993م برعاية أمريكية وبحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، والذي كان ينص على حق إسرائيل في العيش في سلام وأمن، والوصول إلى حل لكل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة من خلال المفاوضات، وأن إعلان المبادئ هذا يبدأ حقبة خالية من العنف. وطبقا لذلك فإن منظمة التحرير تدين استخدام الإرهاب وأعمال العنف الأخرى، وستقوم بتعديل بنود الميثاق الوطني للتماشي مع هذا التغيير، وسوف تأخذ على عاتقها إلزام كل عناصر أفراد منظمة التحرير بها ومنع انتهاك هذه الحالة وضبط المنتهكين.

فأين ذهب اتفاق أوسلو إذن؟.. لقد مر على هذا الاتفاق أكثر من ربع قرن من الزمان ولم يتحقق منه شيء على الأرض، بل أكثر من ذلك تم حبس ياسر عرفات - رحمه الله - في مقره برام الله، ثم قتله بالسم والتخلص منه، واستمرت إسرائيل في قتل الفلسطينيين وبناء المستوطنات، بل وأقدمت أمريكا أخيرا في عهد ترامب على نقل سفارتها للقدس واعتبارها عاصمة إسرائيل ضاربة بوساطاتها وتعهداتها السابقة وبالقرارات الدولية عرض الحائط.

ولو زدنا من الشعر بيتاً لقلنا: أين المبادرة العربية للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية عام 2002؟

تلك المبادرة التي تم الإعلان عنها في القمة العربية في بيروت ونالت تأييداً عربياً، وكان هدفها المعلن إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967م، وعودة اللاجئين، والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل. لقد ذهبت أدراج الرياح ولم تلتفت إليها إسرائيل رغم مرور 18 سنة على إطلاقها.

ومع كل ما سبق نقول لمن يدافع عن هذا التصور للحل: وأين هو حل الدولتين المزعوم؟!!

إن ما يحزن كل عربي حر وكل مسلم غيور في الوقت الحالي هو ما تفعله بعض الأنظمة العربية المتآمرة على شعوبها؛ من هرولة ذليلة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون أدنى مقابل سوى خشيتها أن تصيبها دائرة.

فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ.