قضايا وآراء

فواتير التطبيع الخليجي فلسطينيا

هاني بشر
1300x600
1300x600
العلاقة بين الدول العربية وفلسطين هي طريق ذو اتجاهين: تدافع الدول العربية عن نفسها حين تدافع عن فلسطين. يمكن أن تقول وحدة التراب مع دول الجوار، ويمكن أن تقول وحدة المصير مع بقية الجيران، وآخر القول هو أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض. فمثلا السياج الحدودي لفلسطين من لبنان إلى مصر مرورا بسوريا والأردن هو سياج من تاريخ الشهداء والنضال، وحين دخلت دولتان من هذه الدول في علاقة تطبيع حكوماتي (وليس شعبيا) مع إسرائيل، كان ذلك بغلاف المصلحة الفلسطينية وتمهيدا لحل القضية، بغض النظر عن النتائج النهائية.

لم تكن دول الخليج استثناء من هذه المعادلة، صحيح أنها لم تكن بنفس الزخم العسكري الذي عرفه تاريخ دول جوار فلسطين، لكن مستها نفحات من النضال.

يروي الباحث محمد بن ناصر الأسمري بعضا من شهادات ووثائق حول المقاتلين السعوديين في حرب 1948، في كتابه "الجيش السعودي في حرب فلسطين 1948". ولاحقا اشتهر الأمر بالدعم المالي متعدد المستويات. وكانت هذه الدول تعلم يقينا أنها تسدد فواتير مستحقة للقضية الفلسطينية، إنسانيا واستراتيجيا وسياسيا. يستفيد الفلسطينيون بشكل مباشر ببعض من هذا الدعم، والجزء الأكبر تحصل به هذه الدولة أو تلك على وضع استراتيجي دولي في علاقتها مع الدول العظمى، بوصفها صاحبة تأثير في القضية الأشهر في الوطن العربي خلال العقود الثمانية الأخيرة.

وكانت أوجه الدعم المختلفة تعد أحد الأمور التي تعطي احتراما لهذه الدول في عيون كثير من العرب، وخاصة الفلسطينيين العاملين والمقيمين في دول الخليج، هؤلاء المتمسكين بحق العودة في ظل مطالب إسرائيلية وغربية متكررة بأن يتم تجنيس هؤلاء في دولهم المقيمين فيها وإغلاق هذا الملف. ولطالما ماطلت الدول العربية في إعطاء الحقوق المشروعة للمقيمين الفلسطينيين على أراضيها بذريعة حق العودة، رغم عدم التعارض بين الأمرين.

اليوم ومع سباق التطبيع الخليجي ستكون هناك فواتير أخرى، ليس من الواضح من سيدفعها وكيف. فلم تحصل دول مثل الإمارات والبحرين على أي شيء يذكر مقابل التطبيع الرسمي والشعبي، ولو حتى على مستوى الوعود. حتى إن التصريح الإماراتي بأن التطبيع كان مقابل وقف ضم إسرائيل لأراض من الضفة الغربية، نفته إسرائيل. فهل تغاضت هذه الدول عن مساندتها لحق العودة تماما؟ وهل يعني هذا تجنيس أو على الأقل إعطاء الإقامة الدائمة للفلسطينيين المقيمين على أراضيها، خاصة أولئك المقيمين فيها منذ عقود؟

إن المقامرة بفلسطين ومصير اللاجئين هي مغامرة كبرى على مستوى الأمن القومي لكل دولة عربية، أكثر منها مقامرة بالفلسطينيين. مصر والأردن على سبيل المثال يحتفظان بعلاقات مع كل الأطياف الفلسطينية، ويقومان بأدوار من آن لآخر، يساعدهما في ذلك الموقع الجغرافي والتاريخ المشترك. وليس سرا أن ملف العلاقة مع إسرائيل لم يتزحزح عن التطبيع الحكومي وسط مقاومة شعبية كبيرة في كلا البلدين. فماذا ستفعل الدول الخليجية المطبعة مع أصواتها الداخلية المناهضة لهذه السياسات؟ لم ولن يكون القمع السياسي إجابة نموذجية على هذا السؤال.

ليس هناك تبرير مقبول للمصالح الخليجية جراء هذا التطبيع المجاني مع إسرائيل على أي مستوى من المستويات، اللهم إلا مستوى تلاقي بعض الرؤى، وهي رؤى لا يمكن ترجمتها لأي شيء مفيد على الصعيد الاقتصادي أو الاستراتيجي لدول الخليج المطبعة. وليس لها تفسير سوى ما تنبأ به المفكر الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله قبل أكثر من عقدين من الزمان، حين طالب الجميع بأن يفهموا نيّة إسرائيل كما هي وليس كما تدعي وتقول عن نفسها، وأن دورها كدولة وظيفية سيكون قابلا للاستنساخ. وأضاف أن هناك من سيدافع عن إسرائيل ويمثلها خير تمثيل من غير اليهود لأنه يتبنى النموذج، وقد كان.

twitter.com/hanybeshr
التعليقات (0)