هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
هل برج خليفة بعلوّه في الأرض معجزة عمرانية مثل سور الصين العظيم وحدائق بابل المعلقة والأهرامات وقصر الحمراء؟
يُجمع الجمع ممن ضم مجلسنا على أنَّ هذا البرج العالي تحقيق لنبوءة وردت في الحديث الشريف عن ارتفاع رعاء الشاء الحفاة العراة بالبنيان، وهناك صورة للشيخ المؤسس زايد، وهو حاف قبل اكتشاف النفط. الفقر ليس عيباً، وكان الفاتحون الأوائل يوصفون بالحفيان وآكلي الضباب في بعض التصانيف الغربية والفارسية، وقد يكون الغنى عاراً لا يزول، إذا استُخدم المال في القتل والبغي والعدوان، ومثال ذلك قارون موسى.
البرج أقل من الأوابد المذكورة، فهو لا يقي عدوّاً، ولا يبهج صديقا، فهو برج عاجي، وهو متعال بالارتفاع وليس بالانتفاع، وهو كجبل الجليد ليس لأنه يمتد في الأرض مثل امتداده في الأرض، بل لأن فيه قصصا وحكايات لا نعرفها.
البرج بناءٌ عمره عشر سنوات، لم يرفع مثله إنسان، لا في روما ولا في طهران، ولا في بلاد الإغريق ولا في بلاد الصين.
قد يذكّر بفرعون الذي قال: "وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ". وحتى لا نظلم باني البرج ونحكم على نيته بالفساد، فربما بناه كي يعرف العالم أنَّ العرب بناة حضارة، ربما من أجل علم النجوم وريادة الفضاء وقراءة الغيب، ربما بُني لمشاهدة الشمس عند الغروب، وهي تُرى في الصحراء من غير صروح، لكن ابنة أمير دبي وسلوك الباني يقولان إنه لا علاقة له بالحضارة والأخلاق، والذي يصعد الأبراج العالية يرى الناس صغاراً، وهم كذلك.
هذه بعض أوصاف البرج:
البرج ينطح السحاب من غير قرنين، ويرضع الحليب من السماء بعد أن شبع النفط من الأرض، قيل إنه بني لتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط، وقيل فيه إنه استمد بعض ملامحه العمرانية من الطراز الإسلامي، فهو يشبه المئذنة من غير مؤذّن. ويرد في الموسوعات أن فيه عناصر عمرانية ثقافية إسلامية، وهو يتحمل الحرارة في الصيف، وذكروا أن عدد درجاته 2909 درجة، وطوابقه 160 طابقا، وربما لهذا اتهم محبو الزوجين السعيدين أنس وأصالة خصومَهما بالحقد الطبقي! لقد صارت الأسرة من طبقة أخرى، فالبرج رمز الغنى لكن السؤدد أمر آخر.
وذكروا أنه تنبعث من غرفه 18 رائحة مختلفة، وأنَّ وزن الخرسانة يعادل 100 ألف فيل من فيلة أبرهة الحبشي، وبغير الفيلة يمكن تدمير الكعبة التي يشعر مسلمون أنها تدمر. وأن البرج مدينة عمودية، حيث يتواجد فيه في أي وقت 10 آلاف شخص على الأقل، وفيه أطول مكتبة في العالم في الطابق 123، ويشكُّ أن أحداً سيقرأ فيها، فهي مكتبة للزينة، ليس فيها كتب سيد قطب ولا كتب حسن البنا، ولا تفسير الصابوني، ولا كتب ابن تيمية، فهي كتب محرمة كما في مكتبات سوريا ومصر والسعودية.
وذُكر في "ترجمة" البرج أنه مزوّد بنظام إضاءة زينون مكثفة تومض 40 مرة في الدقيقة، وذلك لتجنب وقوع حوادث اصطدام الطائرات العمياء بالمبنى. وهو مقاوم للرياح والشمس والرطوبة، لكن يعيبه أمر:
أنه بلا قصة عظيمة تخلده، ربما يعيه أمر آخر هو أنه لا يبحر مثل التيتانك، ولا يطير مثل مركبة أبولو التي رادت القمر!
صُوّر فيه فيلم "المهمة المستحيلة" من بطولة توم كروز، لكن هذه ليست قصة خالدة، وقصة الفيلم رديئة أيضاً، وقد صُوّرت مئات أفلام أجمل من المهمة المستحيلة في المغرب العربي. ونعترف أن للبرج مهمة مستحيلة، وهي تغيير دين العرب، وأنه حاول غزو حواضر العرب فنجح في غزو بعضها، مثل عدن، وصنعاء، والقاهرة، ودمشق، وطرابلس بل حاول غزو القسطنطينية مرة ثانية لكن محاولته سقطت على أسوارها.
الصرح تيتانك العرب من غير إبحار، لكنه بلا قصة خالدة حتى يغرق، بشرط أن تقع فيه قصة حب عظيمة، وربما تخلده قصة جنس المولود السوري الذي لم نعرف اسمه، وربما يختار العروسان اسم خليفة اسماً للمولود؟ كان الارتفاع في البنيان مكروهاً في الإسلام، ونهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام.
وكان الارتفاع في البنيان مصحوباً دوما بهبوط في الاخلاق، كما أن قصة زوجة الأمير الهاربة هيا بنت الحسين، والتي لجأت إلى لندن، قصة رائعة وحزينة أو مأساوية، وبطلها أميران، لو وقفنا على جلية الخبر وهي قصة غرام وانتقام، ومثلها قصة لطيفة التي هربت إلى الهند وأعيدت منها، لكنها قصة ما تزال مجهولة.
مع كل ما يحكى عن الصرح من معلومات، مثل عدد المهندسين الذين عملوا فيه، والمضخات التي ضخت الخرسانة، يُشّك بخلوده، فقصة تاج محل أجمل، ويختلف الخلود الطيب عن الخلود الخبيث، فليس لآلاف المهندسين الذين عملوا فيه قصة مثل قصة المهندس العبقري الذي بني تاج محل، فهي قصة عشق ووفاء خالدة، ولا قصة مثل سنمار الذي بنى قصر الخورنق.
وليست له قصة مثل قصة قصر وردان الروماني في حماة، الذي كلما هطل المطر فاحت رائحة الحب منه لأنه بني من طين مجبول بماء الورد. وفي قصر وردان قصة حمدة التي عشقت صاحبها لأن المطر هطل في الوقت الذي التقت به.
وتشير القصتان إلى أن قصة برج خليفة مجبولة بالنفط الأسود والدم الأحمر، كما تقول الأميرة لطيفة عن أبيها القاتل الحقود. وقد دبرت فيه المؤامرات والانقلابات، يمكن أن تكون قصة قتل المبحوح قصة غدر خالدة تستحق أن تروى وأن تخلد قاتليها، لكن الطغاة لا يروون القصص العظيمة لأنهم أشرار القصص.
لا يزال البرج بلا قصة خالدة، يتواجد فيه عشرة آلاف إنسان، لهم عشرة آلاف قصة، وإذا كُشفت القصص قد يصير خالداً مثل القنصلية السعودية في إسطنبول.
ومن المشكوك به أن يخلد البرج تحويله إلى قارئة الفنجان للتنبؤ بجنس المولود السوري أو الإعلان عنه، لا بد من حكاية عظيمة تجعله خالدا، كأن يؤدي البرج رقصة عجبن الفلاحة، او أن يعيد الغائب، أو يقلد نومة العازب.
يروى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه، قال: لا يستقيم أمر العرب ما دام فيها غمدانها.
عفواً أيها السادة:
هناك قصة حب سرية جرت في غمدان العرب، أو بقربه، عمرها عشر سنوات بين إسرائيل والإمارات، وفيها لقاءات سرية، ومكاتيب غرام، لكن عيبها أنها من طرف واحد، وقصص الحب الخالدة أحد طرفيها (أو كليهما) شهيد أو صريع عشقا وعذابا، مهجة حرة وبرجا مسّه الشوق فذابا.