حكى مساعدو الرئيس
المصري المخلوع محمد حسني مبارك المُقربون؛ إنه بعد استقرار حكمه وظنه أن أركانه لا يمكن أن تهتز كان يقول لهم؛ إذ يتخوفون من عواقب رفع
الأسعار غير المأمونة: "لا تقلقوا فهذا الشعب ابن (كلمة نابية دارجة لدى العسكريين)، سيتحمل".
وعلى الطريقة نفسها يسير اليوم الجنرال عبد الفتاح
السيسي؛ آمرا مؤخرا وزير نقله كامل وزير بزيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق زيادة كبرى؛ وبالفعل في اليوم التالي تمت زيادة الأسعار بنسبة تتراوح بين أكثر من 120 في المئة و80 في المئة دفعة واحدة، فيما تمادى إعلام النظام في الكذب مدعيا أنها زيادة 40 في المئة فحسب؛ قافزا فوق حقيقة أنه بمجرد أن تطأ قدم الراكب الخط الثالث الجديد للمترو، تتضاعف الزيادة مُباشرة بنسب مُتفاوتة، أقلها يُقارب الضعفين للسعر الأول، عبر انتهاز حاجة الملايين الضرورية للخط الأخير؛ إذ إنه بمسار عرضي بما يُوفر استنزاف الوقت في المُواصلات الأخرى.
ضرب السيسي إذا عرض الحائط بجحيم معاناة نحو ثلاثة ملايين مواطن مصري يتنقلون يوميا عبر المترو المُمتد لـ83.5 كيلومتر من ثلاث محافظات (القاهرة، الجيزة، والقليوبية) تشكل معا القاهرة الكبرى؛ أيضا بالعذاب الجديد غير المُحتمل لعدة ملايين من المُقيمين حول خطوط المترو. إذ إنه بمُجرد الإعلان عن إنشاء خط مترو بخاصة الطُولي في مناطق من العاصمة الكبرى تزدهر الإنشاءات فيها، بما يُمثل ازدهارا لمناطق سكنية ترتوي وتظن أنها سترتاح قليلا من طوفان عذاب استخدام المُواصلات في عاصمة تُعد من أكثر المدن العالمية ازدحاما.
وبذلك يُواصل السيسي حرق الاستقرار العمراني والنفسي لدى قطاع غير قليل من المصريين، تصاعد وارتاح أوله للسكنى منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي حول الخط الأول من المترو (حلوان- رمسيس) قبل افتتاحه في عام 1987م؛ بالإضافة لمد الخط نفسه بعد عامين من المرج حتى رمسيس، ثم مع افتتاح خط شبرا الخيمة من محافظة القليوبية حتى المُنيب في الجيزة، وحتى الخط الأخير الذي جاء عرضيا للمرة الأولى من أمبابة حتى المُهندسين، في 16 من آب/ أغسطس؛ وكان لدى المُستقرين حول المترو أمل أن يستطيعوا التأقلم مع زيادات أسعاره الرهيبة، التي جاءت مع ظن السيسي ارتياح نظامه؛ وعدم مقدرة ملايين المصريين على زحزحته.
بدأت تذاكر المترو عام 1987م بـ10 قروش فحسب (أقل من سنت واحد بأسعار الدولار اليوم)؛ فوصلت في عام 2006م إلى جنيه واحد لجميع المحطات (أقل من 10 سنتات)؛ وهذا هو السعر الذي وجد نظام السيسي عليه تذكرة المترو، إلا أنه منذ أعوام قليلة بدأ ترديد نغمة خسائر المترو وتعويضها، وكأن النظام لا يتبنى إنشاء قصور رئاسية بمئات الملايين من الدولارات على الأقل، دون أن تعود على المصريين بنفع؛ اللهم سوى السيسي وحده، هذا بالإضافة للسجون الـ26 التي تمثل أكثر من ثلث السجون المبنية في تاريخ مصر كله؛ وأيضا كامل العاصمة الإدارية الجديدة غير ذات النفع، سوى في فصل أجهزة الدولة الرئيسية ومؤسساتها السيادية عن كامل مصر حين تعمها ثورة مقبلة.
ومع آذار/ مارس 2017م زاد وزير النقل السابق الدكتور هشام عرفات سعر التذكرة للضعف مع جعلها مُوحدة كما هي؛ وهو ما لم يرق للنظام الذي يهوى إفساد حياة المصريين فعاد لنظام المراحل الأكثر عذابا للمُواطن، الذي ألغاه المخلوع مبارك. وفي 11 من أيار/ مايو 2018م تم تقسيم المراحل والأسعار لثلاثة تبدأ من ثلاثة جنيهات (نحو 20 سنتا) وتصل حتى سبعة جنيهات (نحو نصف الدولار)، ليتم تحريك الأسعار في حزيران/ يونيو من العام التالي، وما زاده مؤخرا لجنيهين لكل مرحلة، مع إضافة جنيهين جديدين عند الانتقال للخط الثالث بما يساوي أن يتحمل المقيمون حول المترو زلزالا في الأسعار، تستحيل معه حياة أغلبهم إن ظلوا على شرفهم في الاكتفاء بالعمل الشريف؛ فإما أن يُغادروا أخلاقهم أو يُغادروا سكنهم، وحتى مع مُغادرة الأخير فلن ينجوا من طوفان تحريك الأسعار؛ إذ بمجرد زيادة المترو يعمد سائقو سيارات الأجرة الجماعية (الميكروباصات) لزيادة الأجرة لديهم؛ وهو ما يستدعي تحريك الأسعار بوجه عام بالتبعية.
كل هذه المأساة التي جلبها السيسي باستبداد ورعونة واستهتار لسكان العاصمة الكبرى لم تعجبه ولم يكتف بها، إذ إن وزير النقل صرح ليلة الزيادة لأحد البرامج التلفزيونية المُناصرة للنظام، بأن رفع الأسعار لا يُبدد شيئا من تكاليف تشغيل الجهاز الكبيرة، على حد زعمه، بما يُؤذن بزيادات أخرى مستقبلية بدعوى تعويض تكاليف الإنشاء والقروض الخاصة بها وفوائدها وهلم جرا.
فإذا كان المُواطن الذي يتقاضى ثلاثة آلاف جنيه مصري، ومُتوسط دخل الأسر المصرية الحقيقي غير المُعلن رسميا أقل، ولكن على افتراض تقاضي المواطن المبلغ الذي يساوي 200 دولار، فعليه لكي يذهب إلى العمل يوميا عبر استخدام المترو الإنفاق من دولار إلى دولارين (15-30 جنيها مصريا) في رحلتي الذهاب والعودة، فماذا يتبقى له إن احتاج إلى مُواصلات أخرى وليأكل ويلبس وينفق على زوجة وصغار في المدارس (قد يحتاجون لاستخدام المترو أيضا)؟ وماذا عن معدل البطالة الذي بلغ مع فيروس كورونا 9.6 في المئة بما يساوي نحو 2.6 مليون مواطن؟ وماذا أيضا عن الزيادات الجديدة المرتقبة في أسعار المحروقات والسلع الأساسية؟!
إننا لنتمنى أن تكون الزيادة الكارثية الجديدة في أسعار مترو الأنفاق التي كان يحرص حتى مبارك مع فساده واستبداده على عدم تحريكها بما يُضني المصريين بهذه الطريقة المُفجعة. نتمنى أن يكون مُصاب الملايين من المُقيمين حوله والمُستخدمين له؛ مُؤذنا بتململ شعبي يتصاعد بما يُبشر بانقلاب سحر السيسي عليه وعلى أراجيفه (من مثل الزعم بأنه اشترى اشتراكا في المترو طوال عمره)، وبزحف جماهيري مُتصاعد يريح مصر من حكمه وسخافاته!