قضايا وآراء

سيدة القطار وحضرات العساكر

أسامة جاويش
1300x600
1300x600
انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر مقطع فيديو يظهر كمسري القطار (العامل الذي يقوم بتحصيل ثمن التذكرة من الركاب) وهو يحاصر مجندا في القوات المسلحة المصرية لم يدفع 22 جنيها (ما يوازي جنيها إسترلينيا واحدا). ظل الكمسري يصرخ في وجه المجند وطالبه بدفع الثمن، وتهديده بالشرطة العسكرية كي تلقي القبض عليه.

سيدة القطار هي أم مصرية دفعتها العاطفة للتدخل الفوري وإنقاذ هذا المجند الذي هو في عمر أبنائها، لتقوم بدفع التذكرة له وتطالبه بالجلوس في مقعده كما هو، لتتحول تلك السيدة إلى إحدى بطلات مواقع التواصل الاجتماعي، وليصبح وسم سيدة القطار هو الأعلى تداولا في مصر عبر موقع التغريدات المصغر تويتر، ولكن الصورة لم تكن كذلك أبدا قبل عام من الآن.

في رحلة قطار آخر العام الماضي أجبر كمسري القطار شابين صغيرين على القفز من القطار وهو يسير بسرعة عالية، ليلقى أحدهما حتفه مباشرة تحت عجلات القطار، والتهمة أنه لم يدفع ثمن التذكرة.

لا أدري في الحقيقة لماذا تحركت السيدة المصرية الأصيلة لتنقذ حياة مجند الجيش المصري من الهلاك، ولم يتحرك أحد الركاب في العام الماضي لدفع ثمن التذكرة وإنقاذ حياة الشابين من الهلاك أيضا. لعله الزي العسكري، أو ربما لأن النظام الحالي لم يعبأ أبدا بصورة أو كرامة المواطن المدني، وإنما كان جل اهتمامه هو إبراز صورة العسكري كما يريد.

الإعلام المصري لم يتوان لحظة في استغلال الحدث بشكل دعائي، يروج فيه لصورة الجيش الذي يحبه الجميع في مصر. شاهدت لقاء مصورا مع سيدة القطار نشرته بعض المواقع الإخبارية المقربة من السيسي. الرسالة التي حاولوا إخراجها من تلك السيدة البسيطة أنها ببساطة قد دفعت لهذا المجند قيمة تذكرة القطار؛ "لأنه يحمي المصريين على الحدود". تلك إذا هي الرسالة.. هم العساكر والجيش والأمن والأمان، هم حائط السد ومن يوفرون للشعب الحماية، ولذلك فواجبنا أن ندفع لهم الأموال ونضحي من أجلهم بالأرواح ونتعاطف معهم في كل وقت وتحت أي ظرف.

حالة الابتزاز العاطفي التي يمارسها النظام العسكري في مصر تجاه الشعب المصري، وخاصة في علاقته بالجيش وعلاقة الجيش، به تمثلت في بيان الجيش تعليقا على الواقعة، وتمثلت أيضا في قرارات وتصريحات وزير النقل المصري كامل الوزير، الذي كان ذراع السيسي الأيمن في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية. بيان الجيش أكد أكثر من مرة وكرر الحديث عن أنه الجيش الوطني الذي يدافع عن الوطن ويحمي الشعب من المخاطر، وبأن جنوده وضباطه على أعلى درجة من الانضباط، في إشارة إلى الخطأ الجسيم الذي وقع فيه كمسري القطار، ثم أثنى البيان العسكري على سيدة القطار ودورها الإنساني.

أما كامل الوزير، فقد قدم للسيسي عربونا للوفاء وتجديدا للإخلاص الممتزج بالنفاق، عندما اتخذ قرارا بإيقاف رئيس القطار عن العمل وتحويله للتحقيق في الواقعة، ثم قدم اعتذارا رسميا للجيش المصري وأكد احترامه له. اللافت هنا أن نفس الشخص كامل الوزير لم يحرك ساكنا عندما أجبروا الشابين في العام الماضي على القفز من القطار وهو يسير بسرعة عالية.

"فين المدني اللي هنا".. عبارة لخصت المشهد منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو ألفين وثلاثة عشر وحتى اللحظة التي نعيشها الآن.. يصرخ السيسي بأعلى صوته في أثناء زيارته لأحد مواقع الإنشاءات في أيام كورونا الأولى؛ متسائلا عن "المدني" اللي هنا. هكذا هي قيمة المصريين في عين السيسي، ما هم إلا مجموعة من المدنيين غير المنضبطين الذين لا يستحقون إلا أقل مما هم فيه الآن، وليس لهم في بلادهم من حق إلا التسبيح بحمد السيسي والثناء على الجيش المصري، وتقديم المال والنفس والروح والأبناء فداء للعسكر، وإلا فهذا المدني سنرفع عليه سعر تذكرة المترو ونهدم منزله بحجة أنه مخالف، وإذا اعترض أو تظاهر فسنعتقله بتهمة الانتماء لتنظيم إرهابي، ولو قاوم فليس له مكان آخر غير القبر، بعد أن تقتله قوات الأمن أو الجيش على حد سواء.

سيدة القطار تحركت بمشاعرها كأي أم مصرية طيبة القلب، فحوّلها السيسي وأذرعه الإعلامية إلى مادة دعائية تخدم البروباجندا العسكرية المستمرة منذ اللحظات الأولى لانقلاب السيسي.

twitter.com/osgaweesh
التعليقات (3)
الكاتب المقدام
السبت، 12-09-2020 12:25 ص
... دأبت الأذرع الإعلامية لسلطة الانقلاب على النفخ في أمثال تلك القصص التافهة، والأذرع هو المصطلح الذي يستخدمه الجنرال الانقلابي حتى في اجتماعاته العلنية المذاعة، والمصطلح على ما فيه من إهانة لأولئك الإعلاميين والحط من مكانتهم، فهم يرتضون المذلة، ويخرسون عن الرد على تلك الإهانة في مقابل ما يقترفونه من أموال السحت التي يغرقهم فيها الانقلابيون نهباُ من أموال الدولة، ورغم تفاهة وضحالة أولئك الإعلاميين الذين ارتضوا وضع رؤوسهم تحت بيادة العسكر الانقلابيين فهم يقومون بتفان بدورهم كالذباب الالكتروني الموجه لنشر أمثال تلك التفاهات لإلهاء الدهماء بها، ومسرحية المجند في القطار من نوعية تلك المسرحيات التافهة التي تخترعها وتبثها وتنشرها أجهزة التجسس على المواطنين بهدف شغلهم بأمور تافهة لتشتيت أفكارهم عن الانتباه إلى مصائب العصبة الانقلابية، وإلى تعمية أعينهم عن الهوة التي يقودون الشعب إليها، وكلما اقتربنا من حافة تلك الهاوية سيزيد نشاط تلك الآلة الدعائية في إنتاج وفبركة وترويج أمثال تلك الروايات المختلقة، في محاولة إجهاض أو عرقلة الهبة الشعبية القريبة ضد عصابة الانقلابيين المتسربلين خلف الزي العسكري ومؤيدوهم، وهم في حقيقتهم عملاء للقوى العالمية التابعة للتحالف الصهيوني الصليبي الجديد، وهو المصطلح الذي استخدمه رئيس الولايات المتحدة في بدايات القرن، ومعلن أهدافه ووسائله وأدواته، التي يعمى عنها المغيبون من أبناء الأمة العربية الإسلامية.
سلطة النفاق الانقلابية!
الجمعة، 11-09-2020 05:56 م
هذا البلد هو بامتياز بلد سلطة النفاق الانقلابية! دولة العسكر الخونة! دولة جمهورية الضباط! ولو كان الجيش حريصاً جداً بهذا الشكل على سمعة جنوده (وأن جنودها هم عصب القوات المسلحة على مر العصور وهم حماة الوطن الذي نعيش فيه) فلماذ لم يدفع تذاكرهم هم على نفقته هو وليس على نفقة جهات النقل التي يجب عليها تغطية نفقات تشغيلها؟ ولماذا لا يعطيهم هذا الجيش "العظيم" مرتبات معقولة خاصة وأن أهالى هؤلاء المجندين المساكين هم من المطحونين الذين لا يكادون يملكون قوت يومهم؟ ولماذا الإصرار على تجنيدهم ثلاث سنوات كاملة وأسرهم الفقيرة المطحونة في اشد الحاجة إليهم لمساعدتها مادياً على العيش عند الحد الأدنى للعيش الآدمي؟ ولماذا لا تكون الخدمة العسكرية للجميع هي 12 شهراً كحد أقصى وعدم التمييز بين المتعلمين وأنصاف المتعلمين وغير المتعلمين مثل بلدان الدنيا المحترمة؟ ولماذا حتى جمهور المعلقين في الخبر ذي العلاقة لا يحمّل الجيش نفسه تكلفة سفر هؤلاء الجنود مع عدم تحميلها لوزارة النقل التي عليها أن تغطي تكلفة تقديم الخدمات. ومن يريد أن يتمظهر بأن جنوده عصب الحياة (وهو ليس سوى ادعاء من جانبه) عليه أن يدفع من جيبه، أعني من جيب الجيش الذي لا حدود لميزانيته ولكن المستفيد الأكبر من هذه الميزانية هم الجترالات وكبار القادة وبعض الضباط وليس الجنود المطحونين غير المتعلمين أو الذين هم من أنصاف المتعلمين. فوقوا !
الصعيدي المصري
الجمعة، 11-09-2020 02:56 م
المجندون المصريون يعملون بالسخرة تحت امرة فادة العسكر .. والتحنيد في مصر اجباري .. ولا مانع من ذلك .. لكن السؤال هو لماذا لا يمتلك ذلك المجند ثمن التذكرة .. ببساطة لانه يتقاضى راتبا هو عبارة عن فتات فتات الفتات .. بينما ينهب قادة العسكر مصر من شرقها لغربها لارضها لمصانعها ويحتكرون كل شيء الا الهواء ... وبدلا من خلط الاوراق وابتزاز العاطفة الذي يروج له اعلام العسكر .. لماذا لا يجيبون عن السءال البديهي ... وهو لماذا لا يملك ذلك المجند الذي يعمل بالسخرة تحت امرة قادة العسكر ثمن التذكرة ؟؟؟ وهل يقع اللوم على الكمسري الذي ينفذ تعليمات مدرائه ام على قادة المؤسسة الانقلابية الذين يستعبدون المجندين دون دفع رواتب لهم تحفظ لهم حد ادنى من كرامة ؟؟