هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كتبت صحيفة "وال ستريت جورنال" الأمريكية، تقريرا تناول حياة الرغد لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومراحل وصوله إلى السلطة، وحبه للثروة وجموحه نحو القيادة.
وكتب كل من برادلي هوب وجاستين شيك في تقرير الصحيفة، وصفا لابن سلمان بأنه "الذواق للرغد، المتضور جوعا للثروة، والمندفع بجموح نحو السلطة".
وتاليا النص الكامل للتقرير كما ترجمته "عربي21":
كانت العارضات أول الواصلين. قوارب تقل ما يقرب من 150 امرأة جيء بهن من البرازيل وروسيا وغيرها من البلدان، رست في صيف 2015 على رصيف جزيرة فيلاء الخاصة، وهو عبارة عن منتجع فاره في المالديف. بمجرد وصولهن، أخذت كل واحدة من النساء في عربة غولف إلى عيادة، حيث أجري لها فحص للتأكد من خلوها من الأمراض المنقولة جنسيا، ثم وضعت كل واحدة منهن داخل فيلا خاصة بها.
جيء بهؤلاء النسوة ليقضين ما يقرب من شهر، أو جزءا لا بأس به منه، برفقة مضيفيهم، وهم عشرات من أصدقاء الأمير السعودي محمد بن سلمان، الذين تمت دعوتهم للاحتفال بمناسبة صعود الأمير البالغ من العمر تسعة وعشرين عاما، وهو الذواق للرغد المتضور جوعا للثروة والمندفع بجموح نحو السلطة. ما لبث هذا الأمير أن وجد نفسه في وفرة منها جميعا.
عمل الأمير محمد بجد وعزم لسنة كاملة وهو يتغلب على خصومه ومنافسيه الواحد تلو الآخر، ممهدا الطريق أمام والده السبعيني سلمان للتربع على العرش السعودي. بعد أن استلم سلمان التاج في مطلع عام 2015، فوض ابنه محمد ومنحه صلاحيات غير عادية، وهذا بدوره أحكم قبضته على الجيش والأجهزة الأمنية، وبدأ يقلب رأسا على عقب اقتصاد المملكة البليد، والمعتمد بشكل أساسي على النفط.
إلا أن الأمير محمد كان بحاجة في ذلك الشهر، يوليو / تموز، إلى إجازة. فحجزت بطانته المسكونة بالخصوصية والتكتم منتجع فيلاء بأسره لمدة شهر بتكلفة بلغت 50 مليون دولار، وذلك طبقا لما أفاد به أشخاص لديهم اطلاع على تفاصيل تلك الرحلة. حُظر على الموظفين اصطحاب هواتفهم النقالة المزودة بكاميرات. شارك بتقديم وصلات فنية مغني الراب الأمريكي بيتبول والمغني الشعبي الكوري الجنوبي بساي. ولقد جاء وصف حفلة المالديف على لسان عدة أشخاص ممن حضروها، بما في ذلك بعض من كانوا مشاركين في تنظيمها.
خلال تلك الفترة من الإغراق في السرف، اشترى الأمير الشاب "سيرين"، وهو قارب طوله 439 قدما، كان قد استأجره بيل غيتس في العام السابق، بمبلغ قدره 429 مليون يورو، واشترى كذلك القصر القريب من فارساي في فرنسا، وهو قصر يشتهر بنوافيره وبالخندق المائي المحيط به، بمبلغ قدره 300 مليون دولار.
إلا أن الحفلة ما لبثت أن انتهت فجأة. فقد تسرب خبر وجود الأمير محمد ونشر في صحيفة تصدر في المالديف. تلقفت ذلك وسائل الإعلام في إيران، العدو اللدود للمملكة العربية السعودية، وراحت تهاجمه وتتندر به. بعد أقل من أسبوع على بدء الرحلة، كان الأمير محمد والوفد المرافق له قد رحلوا.
كانت تلك الحفلة التي لم يسمع بها الكثيرون مجرد وقفة قصيرة في النزهة الجامحة للأمير محمد، فقد قام خلال السنوات القليلة التالية بلجم الشرطة الدينية سيئة السمعة في المملكة العربية السعودية، ومنح النساء السعوديات مزيدا من الحقوق، وخاض حربا في اليمن، وحبس الأثرياء وبعض أقاربه في فندق ريتز كارلتون في الرياض بتهمة الفساد. ثم قامت قواته الأمنية باغتيال الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول (يقول الأمير محمد إنه لم يأمر بتنفيذ عملية القتل) والآن، ونظرا لما يعانيه الملك سلمان، الذي بلغ من العمر أربعة وثمانين عاما، من مشاكل صحية تضطره للتردد على المستشفى من حين لآخر – كان آخرها لإجراء عملية جراحية في المرارة، فإن فهم صعود الأمير الشاب يزداد أهمية لتقييم الاتجاه الذي قد تتخذه المملكة العربية السعودية إذا ما أصبح الأمير محمد الملك محمد.
هذا الإنفاق من قبل ولي العهد السعودي وصبه جل اهتمامه على الثروة، الأمر الذي لا يخلو من رغبة في التباهي والتفاخر كما هو جلي، يوجد من ورائه سر عائلي. فطوال حياة الأمير محمد، لم يكن فرع عائلته يتمتع بشيء، ولو ضئيل، من الثراء الذي يتمتع به الآخرون. حينما كان والده سلمان واحدا من كبار الأمراء، كان يتقاضى مرتبا شهريا ضخما، ولكنه كان ينفقه على إدارة قصوره، ويدفع منه رواتب موظفيه، ويوزع منه المنح والعطايا.
شعر محمد بن سلمان، حينما كان في الخامسة عشرة من عمره، كما لو أنه ضُرب على رأسه بصخرة حينما أخبره ابن عم له بأن والده سلمان لم يفلح في تكديس ما يعتبره أفراد العائلة الملكية ثروة جادة. والأسوأ من ذلك أن سلمان كان غارقا في الديون. ذهل أصدقاء العائلة في العقد الأول من الألفية الجديدة، حينما انتشر في باريس ما يفيد بأن مقاولي وموظفي سلمان لم يتقاضوا مستحقاتهم لستة شهور. وبدلا من الاعتماد على إحسان الملك أيا كان حينها، قرر الأمير محمد أن يصبح رجل أعمال العائلة.
هذه المعلومات هي حصيلة مقابلات أجريت مع عشرات الأشخاص عبر ثلاث قارات كانوا على معرفة بالأمير محم،د من خلال العمل أو العلاقات العائلية أو الارتباطات الشخصية. وكان الأمير محمد قد رفض التعليق على مصالحه التجارية أو على صعوده إلى السلطة. وعندما سأله صحفي من قناة سي بي إس الإخبارية في مقابلة تلفزيونية قبل عامين حول إنفاقه، قال الأمير: "فيما يخص نفقاتي الخاصة، فأنا شخص ثري ولست شخصا فقيرا".
وببلوغه السادسة عشرة من عمره، تمكن محمد من تجميع ما يقرب من مائة ألف دولار بعد أن باع ساعات ذهبية وفاخرة كانت قد أعطيت له، وكان ذلك المبلغ هو رأس المال الذي دخل به تجارة الأسهم.
سرعان ما خسر مدخراته، إلا أن شخصية الأمير محمد حققت في بداية الأمر بروزا رفع من قيمته، الأمر الذي أثاره وبث فيه تشوفا، ما فتئ يسعى نحوه منذ ذلك الحين. قرر بعد ذلك أن يسافر إلى الخارج بعد الجامعة ويدخل عالم البنوك أو الاتصالات الهاتفية أو سوق العقارات. لم يكن يتوقع سلطة سياسية حقيقية في الرياض، فهو الابن الأصغر لأمير كانت فرصته في أن يصبح ملكا ضئيلة جدا، ولذلك لم يكن محمد يحذوه الكثير من الأمل في أن يقترب من العرش.
في بعض الأمسيات كان الأمير محمد يصطحب أصدقاءه إلى الصحراء السعودية، حيث ينصب الموظفون التابعون له الخيام ويوقدون النار. كان يتحدث عن خططه لأن يصبح مليارديرا مثل ستيف جوبس وبيل غيتس. وكان يتحدث بإحباط متعاظم عن الشباب السعودي، حتى قال ذات ليلة كما يذكر أحد الحضور: "نحن الذين بإمكاننا أن نقرر مستقبل جيلنا. وإذا لم نتقدم فمن ذا الذي سيفعل ذلك."
ركز الأمير محمد على بناء ثروة، وتأسيس شركات وامتلاك حصص في أخرى. وفي عام 2008، تمكن من خلال وسطاء من إقناع فيريزون بأن تجلب بنية تحتية للألياف الضوئية (فايبر أوبتيك) إلى المملكة العربية السعودية. تمخضت الصفقة عن حصول فيريزون على حصة الأقلية في مشروع مشترك، كانت الشريك الأكبر فيه واحدة من الشركات العديدة التي كان يملكها الأمير محمد.
كانت الدائرة القانونية في فيريزون حينذاك يرأسها ويليام بار، الذي يشغل حاليا منصب وزير العدل في الولايات المتحدة. ساعدت تلك الصفقة الأمير محمد في تعزيز مكانته محليا، حتى تفاخر والده به أمام أحد الزوار بعد إبرام الصفقة قائلا: "لقد جنى ابني الملايين من أجل العائلة." إلا أن الصفقة لم تمض قدما، وذلك أن شركة محمد بن سلمان لم تتوفر لديها الخبرة لإنجاز المشروع، تكبدت فيريزون الخسارة وغادرت.
وحتى تجارة الأسهم التي كان يمارسها الأمير محمد لم تسلم من المطبات، ففي عام 2013 اكتشف المراقبون أنماطا مريبة من التعامل ارتبطت بحسابات تعود له ولأمراء آخرين. كان مسؤول المراقبة على تعاملات الأسهم في المملكة العربية السعودية حينذاك هو محمد الشيخ، الذي قام بالتحقيق في الأمر وخلص إلى أن أحد المتعاملين نيابة عن الأمير محمد كان وراء التعامل المريب. أثارت الحادثة حنق الملك عبدالله، وما لبث الأمير محمد أن أخرج من العمل في شؤون الحكومة. (رفض ناطق باسم الأمير محمد التعليق على ما جرى حينها).
إلا أن ذلك كان إجراء مؤقتا. حتى في الأيام التي كان فيها الأمير محمد منهمكا بجني المال، كان حريصا على دراسة كيف يكسب – أو لو دعت الضرورة كيف يستعيد – وضعا داخل الديوان الملكي. كان يعرف كيف يعرض خدماته على الرجال الأقوياء من كبار السن مثل الملك عبدالله، وخاصة من حيث القيام بأدوار لا يستسيغ القيام بها الأمراء الآخرون، مثل طرد أرملة ملك سابق من قصر رفضت إخلاءه.
وما إن استلم سلمان العرش، حتى أضحت أفكار الأمير محمد فجأة هي صاحبة الأولوية الأعلى. بعد يوم واحد من جنازة الملك عبدالله، استولى محمد بن سلمان على الديوان الملكي. في الرابعة فجرا اتصل بالمسؤولين وبرجال الأعمال وطلب منهم أن يجتمعوا به في وقت لاحق من ذلك اليوم، وحينما أتوا سألهم ما إذا كانت ثمة مجازفة خطرة في إعادة تشكيل الحكومة السعودية من خلال التخلص من لجان الحكم التي كانت في عهد عبدالله. نصحه بعضهم بالمضي في ذلك بتروٍّ حتى يرصد الآثار غير المتوقعة لذلك.
بحسب ما يذكره واحد ممن حضروا اللقاء، أجاب الأمير محمد قائلا: "كلام فارغ. إذا كان فعل ذلك هو الصواب، فسنقوم به اليوم".
خلال أسبوع من ذلك، فُوض الأمير محمد بإدارة الاقتصاد والجيش في المملكة، ومنذ ذلك الحين بات التعجل في كل الشؤون علامة تجارية؛ أحاط نفسه بالمستشارين الجدد، وبعضهم لا خبرة لهم في أي عمل حكومي، وشجعهم على النقاش معه حتى وقت متأخر من الليل حول الأفكار الجديدة في سياسة شؤون البلاد، وأصدر أمرا بترقية محمد الشيخ – الرجل نفسه الذي حقق في ضلوعه بتعاملات مريبة في البورصة في عام 2013 – وعينه كبير مستشاريه الاقتصاديين.
بعد ذلك بوقت قصير، سيطر الأمير محمد بن سلمان على شركة النفط الحكومية أرامكو، الشركة الأعلى أرباحا في العالم. وحيث إن أموالها أصبحت تحت تصرفه، بدأ العمل على تحويل صندوق الثروة السيادي في المملكة، الذي كان في حالة من الركود والجمود، ليكون المستثمر الأعلى نفوذا في سيليكون فالي. وبهذا، فإن ذلك المراهق الذي كان مسكونا بالرغبة في أن يصبح ثريا ويحاكي تجربة ستيف جوبز، بات يسيطر على كم من المال أكبر بكثير مما يدري ماذا يفعل به. غدا بناء الثروة والسلطة الهم الأكبر للأمير محمد بن سلمان.
* كاتبا المقال هما صحفيان في صحيفة ذي وال ستريت جورنال. وقد حررا هذا المقال تلخيصا لكتابهما الذي سيصدر في الأول من أيلول/سبتمبر بعنوان: "الدم والنفط: بحث محمد بن سلمان بلا هوادة عن النفوذ العالمي".