هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يمتازان بالصوت الرخيم والفخم والأداء الرجولي والصلابة، وكلاهما ولدا في مدينة يافا ولجأا إلى لبنان مع عائلتيهما، وكانت رحلتهما الفنية متشابهة على نحو مدهش، الأول شهدت مصر نجوميته، والثاني شهدت لبنان والأردن نجوميته، وهما أيضا قدما أعمالا فنية وطنية لامست القضية الفلسطينية والعمل الفدائي واللجوء الفلسطيني.
الأول اشتهر بعدد من الإفيهات السينمائية وأشهرها عبارة "اعمل الصح" ونظاراته الشمسية السوداء التي كان يضعها على عينيه لإصابته بمرض يصيب عصب العين.
غسان مطر ابن مدينة يافا على الساحل الفلسطيني التي ولد فيها عام 1938 تحت اسم عرفات داود حسن المطري، لكنه غادرها بعد احتلالها عام 1948 مع عائلته الكبيرة إلى مخيم البداوي شمال لبنان.
بدأ وعيه بمأساة شعبه مع انضمامه عام 1967 إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وتقول معلومات نشرت حول سيرته الذاتية أنه نفذ العديد من العمليات السرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكان يرغب في أن يكون ضابطا في جيش التحرير الفلسطيني غير أن تهمة "محرض سياسي" حالت بينه وبين حلمه، فالتحق في "راديو الثورة" مذيعا لفخامة صوته، ثم قدم البرامج في الإذاعة اللبنانية، ومن أبرزها ما تعلق بفلسطين، "كل مواطن غفير" و"ركن فلسطين"، ومن ثم انتقل للعمل في التلفزيون اللبناني، وفصل منه لاحقا على خلفية رفضه قطع البث عن حفلة كان يقدمها عبد الحليم حافظ.
وفي حوار تلفزيوني عام 2014 مع الإعلامية المصرية منى الشاذلي قال غسان مطر إنه أجبر على الاستقالة بسبب عبد الحليم حافظ،، فبعد "نكسة" عام 1967، كانت هناك حفلة لـ"العندليب" في بيروت، وكان بليغ حمدي وعبد الحليم في بيروت حين وقعت "النكسة" وإعلان استقالة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وجلس عبد الحليم حزينا يحدث نفسه كيف سأغني في ظل "النكسة" أغنيات عاطفية، فاقترح عليه غسان مطر عمل أغنية للفدائيين، فكتب محمد حمزة الأغنية في القاهرة وتم إرسالها عبر السفارة المصرية في بيروت، ولحنها بليغ حمدي في نصف ساعة، ثم طلب عبد الحليم من الموسيقار أحمد فؤاد حسن عمل بروفات سرية، ودخل "حليم" وغنى "فدائي" و"صور يا زمان" و"بالأحضان" و"جمال يا حبيب الملايين" وغيرها من أغنياته الوطنية.
وأبلغ المخرج المسؤول عن النقل، غسان مطر، بأن هناك اتصالا له وعندما أخذ غسان السماعة طلب منه أحد المسؤولين قطع الإرسال عن الحفلة، لكنه رفض وأكمل "حليم" الحفلة، وكان لبنان يعيش انقسامات سياسية حينها، وفي اليوم التالي طلب منه تقديم استقالته بدلا من طرده.
وفي تلك الفترة عمل أيضا في الصحافة محررا ومدققا في جريدة "النهار" البيروتية، وهناك تأثر بالكاتب والصحافي والناشر غسان تويني واستعار منه اسم غسان.
اهتمامه بالسياسة لم يحرمه من الاقتراب من الفن ومكابدة البدايات الصعبة فقد عشق الفن والسينما منذ الصغر وتأثر بهما عبر تقليد وتجسيد شخصيات الفنانين المختلفة وتقمص أدوارهم، فعمل في لبنان ومصر في العديد من المسلسلات والمسرحيات، وكانت أولى تجاربه السينمائية "الخليفة العادل عمر بن الخطاب" في بداية الستينيات، ليكون بمثابة تصريح مرور له إلى عالم التمثيل حينها، كما أنه اشترك في أفلام تعبر عن الكفاح الفلسطيني في السينما المصرية، وعكف على كتابة سيناريو أول فيلم فلسطيني له بعنوان "كلنا فدائية" عام 1969، وتلاه فيلم "الفلسطيني الثائر" من بطولته وتأليفه عن القضية الفلسطينية.
اشتهر في السينما المصرية، بأدوار الشخصيات الشريرة ومن أهمها دوره في فيلم "الأبطال" أمام فريد شوقي وأحمد رمزي عام 1974، وقام بدور بارز في الفيلم التليفزيوني "الطريق إلى إيلات" عام 1993.
وعن نجاحه بأدوار الشر قال غسان مطر: أول فيلم قدمته كان "الشيماء " ولم يكن دوري شريرا، وبعده رشحني المخرج نيازي مصطفى لفيلم "المتعة والعذاب" وطلبني في دور شر ونجح جدا وقدمت حوالي عشرين دورا شريرا بمواصفات لم تكن موجودة من قبل".
وأشار إلى أنه قدم أكثر من فيلم لشخصية الشيطان وتفنن في تشخيصها، ورغم ذلك يؤكد: "أنا طيب جدا ولست شريرا، كما أظهر على الشاشة".
تعرض لحادث مؤلم عندما فقد والدته وزوجته وابنه غيفارا في حرب المخيمات الفلسطينية عام 1985. وعلم بالأمر عندما كان يصور مشهدا في مسلسل "محمد رسول الله"، ففتح الإذاعة ليسمع الأخبار، وكان الخبر الأول في النشرة موت عائلته، وصرح مرة في لقاء تلفزيوني بأنه حزن بالطبع لكنه "يفدي فلسطين بكل ما لديه".
وكشف مطر خلال لقائه مع الإعلامية المصرية منى سلمان، أنه "كان آنذاك خلاف عميق بين حافظ الأسد وياسر عرفات، وكنت جزءا من هذا الخلاف، إذ كنت المعلق السياسي في الحرب ودائم الانتقاد للنظام السوري".
لم يكن غسان مطر يهتم بمساحة الدور الذي يقدمه بقدر اهتمامه بتقديم أدوار تنال إعجاب جمهوره، وفي السنوات الأخيرة من حياته، ساند الفنانين الشباب وشاركهم في أعمالهم الفنية التي بدا بعضها سطحيا، ويبرر قبوله بهذه الأدوار بقوله: "كل فين وفين لما ينعرض عليا دور كويس، لو مثلت الكويس بس هموت من الجوع، وبعمل الأنواع دي عشان أعرف أصرف على الكويس".
تتويجا لمسيرته الفنية تقلد الفنان غسان مطر منصب نائب رئيس اتحاد الفنانين العرب، والأمين العام لاتحاد الفنانين الفلسطينيين. وكان عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني، والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
توفي عام 2015 بعد صراع طويل مع مرض السرطان بعد أن قدم أكثر من 60 فيلما سينمائيا ونحو 40 مسلسلا تلفزيونيا و6 أعمال إذاعية و6 مسرحيات، مسيرة نضالية وشخصية شق وحفر فيها مسيرته في الصخر لتثبيت قيمته كفنان ومناضل.
محمود سعيد
كان شابا متحمسا وواعيا لقضيته الفلسطينية، شارك في الكثير من الأعمال السينمائية التي تتناول القضية الفلسطينية التي وصلت إلى نحو 19 فيلما، كما أنه شارك بأفلام تاريخية إسلامية، فيما لا تتجاوز الأعمال التجارية التي شارك فيها أصابع اليد الواحدة.
ولد محمود سعيد في مدينة يافا عام 1941، وانتقل للعيش مع والدته في مدينة صيدا في جنوب لبنان، فيما كان أشقاؤه يجاهدون في "جيش الإنقاذ" دفاعا عن فلسطين عام 1948.
اشتهر بدور خالد بن الوليد في فيلم مصطفى العقاد "الرسالة". وفي مسلسل "فارس ونجود" الذي ترك بصمات في وعي المشاهد العربي، في فترة السبعينيات وهو من إخراج إيلي سعادة عن نص لنزار مؤيد العظم، وأسس هذا المسلسل لمجموعة أعمال تلفزيونية وسينمائية على النمط البدوي تلقفتها المحطات العربية كافة. كما عرف بدور عنتر في فيلم "عنتر فارس الصحراء" مع المطربة والممثلة اللبنانية سميرة توفيق.
سجلته والدته في "دار الأيتام الإسلامية"، حيث تابع دروسه حتى المرحلة الثانوية، والتحق بمدارس "الأونروا"، وفي ذلك الوقت كان يتردد على دار الأيتام رئيس قسم المذيعين في الإذاعة اللبنانية شفيق جدايل لينظم عملا مسرحيا في نهاية كل عام دراسي.
واكتشف جدايل موهبة الطفل محمود في التمثيل والأداء، وفي عام 1959 لم يتردد الشاب المولع بالفن في التقدم إلى مسابقة أجرتها الإذاعة اللبنانية لممثلين وإذاعيين، واختير محمود سعيد ممثلا ومؤديا في الإذاعة.
تعب على نفسه كثيرا وتعلم اللغة ومخارج الحروف من أساتذة الإذاعة وواظب على القراءة بنهم شديد حتى رحيله.
كانت إطلالته الأولى في تلفزيون لبنان عام 1961 بجملة بدوية وحيدة في برنامج "من وحي البادية" أسندها إليه الفنان الكبير رشيد علامة يقول فيها: "إنْ ما تْرِيدون النُّوْم غيركُم يْريد يْنام".
وواصل رشيد علامة اختياره في أكثر من عمل مثل "سر الغريب" عام 1967 وهو أول مسلسل باللغة العربية الفصحى. وفي هذه الفترة، كانت له مشاركات سينمائية في عدد من الأفلام مثل "عنتر يغزو الصحراء" عام 1960 و"غارو" و"صقر العرب" و"أسير المحراب".
بعد فترة، سيعرض تلفزيون لبنان على محمود سعيد عقد "احتكار" لصالح المحطة، مقابل ثلاثة مسلسلات في العام الواحد، يقول سعيد عن ذلك: "ترك لي أمر تحديد الكاتب والممثلين ونوعية العمل وأن أشرف على الإنتاج التنفيذي، هكذا كرت سبحة الأعمال التي أطلقتني أكثر فأكثر محليا وعربيا".
شهد عام 1970 نقلة فنية كبيرة له عبر بطولة مسلسل "التائه" المقتبس عن رواية إميلي برونتي "مرتفعات ويذرنغ". يقول: "حقق لي هذا المسلسل المقدم بالعربية الفصحى نقلة كبيرة، خصوصا بعد عرضه في تلفزيون المغرب وشمال أفريقيا، حيث تلقفه السكان لأنهم يعرفون كثيرا عن الرواية الأصلية. وعندما زرت تلك المنطقة وجدت الناس ينادونني باسمي في المسلسل غريب"، وقد لازمه هذا الاسم فترة طويلة.
قدم مع المخرج اللبناني أنطوان ريمي مسلسل "السراب" مع هند أبي اللمع، زوجة ريمي، في إطلالتها الأولى، إضافة إلى مسلسل "غروب".
شهرته لفتت نظر المخرج السوري الراحل مصطفى العقاد أثناء تصوير فيلم "الرسالة" فدعاه العقاد إلى لقاء في مكتبه في بيروت. لم يطلب العقاد من سعيد تقديم عرض تمثيلي، بل استمع إليه وهو يقرأ من سير الشخصيات التاريخية. بعدها، اتصل به العقاد وقال له إنه اختاره لدور خالد بن الوليد في الفيلم.
شارك سعيد في مجموعة من الأعمال عن فلسطين منها المسلسل التاريخي الضخم "وتعود القدس"، وفيلم "فداك يا فلسطين". وعندما اشتعلت الحرب الأهلية اللبنانية، غادر إلى أثينا حيث أقام ثلاث سنوات، ثم إلى الأردن حيث أقام نحو خمس سنوات قدم خلالها عددا كبيرا من الأعمال التلفزيونية.
أما في المسرح فقد شارك في أعمال مثل "المهرج" لمحمد الماغوط، و"موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح ، و"موقعة عنجر" من إخراج نزار ميقاتي، و"موال الأرض" مع عايدة عبد العزيز. رحل وهو يرفض الأدوار التي عرضت عليه "لأن فيها الكثير من الإهانة لتاريخي الفني".
يقول: "عدونا لا يريد لنا الحياة الحرة. يقتل كل شيء جميل فينا، وفي مقدمة ذلك الثقافة، ونحن ننساق إلى ما يخططه لنا عدونا من دون تردد". ويضيف: "أنا حزين على هذه الأمة. نقترب من مرور 100 عام على النكبة ولم نحقق شيئا. أصبحنا نحو 400 مليون نسمة، وليس لدينا محطة أو جريدة نمون عليها في أمريكا أو أوروبا لنوصل صوتنا إلى مجتمعاتهم ونقول رأينا ونشرح ظلمنا".
رحل عام 2014 بعد صراع مع سرطان الرئة الذي لم يمهله طويلا، ودفن في مقبرة "شهداء فلسطين" قرب بيروت.
وكان يحلم في أن يشارك وأن يدعم أي إنتاج فني عربي يهدف إلى خدمة القضية المركزية العربية قضية فلسطين قضية العرب جميعا، لكن حلمه دفن معه، فحتى اللحظة لم ينتح عمل سينمائي بحجم مأساة فلسطين وتشرد شعبها.
يسجل له أنه رعى الفنانين الفلسطينيين الشبان في لبنان من خلال تأسيس "الاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين" الذي كان رئيسا فخريا له.