هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تقترب الأوضاع داخل ليبيا من
أتون حرب مدمِّرة بسبب إصرار أطراف الأزمة على الاحتكام إلى لغة السلاح، وأخطر ما
وقع خلال اليومين الأخيرين هو التفويض الغريب الذي حصل عليه الجيش المصري من أجل
التدخل العسكري المباشر في الداخل الليبي، مع أن التّحدي الكبير الذي يواجهه الشعب
المصري هذه الأيام هو شروع إثيوبيا في ملء سد النهضة وما يشكل ذلك من خطر على
الأمن الغذائي المصري الذي يعتمد بشكل أساسي على مياه النيل. ومن الواضح أن الحماس
الزائد للقيادة المصرية في الموضوع الليبي الهدف منه التغطية على أزمة سد النهضة
مع إثيوبيا التي تفاقمت مع شروعها هذه الأيام بملء السد بشكل انفرادي.
هذا التصعيد في الأزمة الليبية يقابله موقف
متوازن للدبلوماسية الجزائرية التي ترفض إلى الآن الانحياز إلى طرف دون الآخر
وتصرُّ على حل توافقي للأزمة باعتماد الحوار وبعيدا عن التدخل الأجنبي، وهو موقف
تتناغم معه العديد من الدول الفاعلة في الموضوع الليبي، وعلى رأسها روسيا التي
أظهرت تجاوبا كبيرا مع الطرح الجزائري.
وبدا الموقف الجزائري أكثر وضوحا مع إلغاء
الزيارة التي كانت مقررة لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح في آخر لحظة، وهي الخطوة
التي فُسِّرت برفض الجزائر الصريح للمقاربة المصرية في الأزمة الليبية على أساس أن
زيارة عقيلة صالح كانت لأجل التأثير في الموقف الجزائري وليس التشاور معها، وقد
قالها الرّئيس تبون صراحة في آخر لقاء مع الصحافة حين رفض محاولات إقحام بعض
القبائل الليبية في حمل السلاح ووصف ما يحدث بـ”الأمر الخطير الذي قد يعصف بالبلاد
ويؤول بها إلى ما آلت إليه الصومال”.
لذلك، فإنّ ليبيا مقبلة على أخطر مرحلة في
تاريخها إذا استمرّ التأجيج ودقُّ طبول الحرب سواء من الجانب التركي أو المصري،
لأن التدخل العسكري المصري المباشر سينتج عنه تدخل تركيّ مباشر وستقع حرب مدمرة
تتأثر بها كل دول الجوار، وعلى رأسها مصر التي تواجه أزمات اجتماعية واقتصادية
متداخلة ولن تستطيع تحمل تكاليف حرب مباشرة مع دولة متطوِّرة مثل تركيا.
وقد بدأت الأصوات ترتفع داخل ليبيا لرفض منطق
الحرب والاحتكام إلى الحوار والحل السياسي، وهو ما أعلنته العديد من القبائل التي
رفضت الانحياز لهذا الطرف أو ذاك ودعت إلى حل تفاوضي بين الطرفين بعيدا عن التدخل
الأجنبي، وهو بالذات ما تدعو إليه الجزائر.
(الشروق الجزائرية)