هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
هو أبو منصور، عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي التميمي البغدادي (980- 1037م)، ولد في بغداد ونشأ فيها ثم رحل مع أبيه إلى خراسان واستقرّ في نيسابور، وتفقه على أهل العلم والحديث، وكان من شيوخه أبو عمرو إسماعيل بن نُجيد النيسابوري شيخ الصوفية بنيسابور المتوفى عام977م، وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني أحد الأئمة الثقات في الحديث (1009- 1078م)، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني، العالم الفقيه بالأصول (949- 1027م).
له العديد من المؤلفات، لكن أشهر كتابين له، هما: أصول الدين والفرق بين الفرق.
خصص الكتاب الأول لعرض أصول الدين وشرح كل أصل بخمس عشرة مسألة من مسائل العدل والتوحيد والوعد والوعيد، وما يتعلق بها من مسائل النبوات والمعجزات.
وهذه المسائل، هي: بيان الحقائق والعلوم على الخصوص والعموم، حدوث العالم على أقسامه من أعراضه وأجسامه، معرفة صانع العالم ونعوته في ذاته، معرفة صفاته القائمة بذاته، معرفة أسمائه وصفاته، معرفة عدله وحكمه، معرفة رسله وأنبيائه، معرفة معجزات أنبيائه وكرامات أوليائه، معرفة أركان شريعة الإسلام، معرفة أحكام التكليف في الأمر والنهي والخير، معرفة أحكام العباد في المعاد، بيان أصول الإيمان، بيان أحكام الإمامة وشروط الزعامة، معرفة أحكام العلماء والأئمة، بيان أحكام الكفر وأهل الأهواء الفجرة.
أما الكتاب الثاني (الفرق بين الفرق)، فغايته شرح معنى الخبر المأثور عن النبي في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، منها واحدة ناجية، ثم يعرض أفكار الروافض والخوارج والمرجئة والقدرية والمعتزلة وما توزع عنها من فرق وما تؤمن كل فرقة به، حاكما على كل فرقة من وجهة النظر الأشعرية.
اعتمد البغدادي في تقسيم الفرق الإسلامية على حديث الافتراق للنبي، وسعى في تحديد الفرق طبقا للعدد المذكور في الحديث، فاعتبر العقيدة الأشعرية، عقيدة أهل السنة والجماعة هي الفرقة الناجية.
وصف بعض الباحثين هذا الكتاب بالموضوعية، في حين ذهب آخرون إلى أنه كتاب يتحامل على الفرق الأخرى، خصوصا المعتزلة.
اقرأ أيضا : المعتزلة: عقلانية إسلامية مبكرة (1-4)
يكتب البغدادي في الأصل الخامس عشر من الفصل الثالث من الباب الخامس من كتابه الفرق بين الفرق:
أمـا أهـل الأهـواء من الجـارودية والهشـاميـة
والنجارية والجهمية والإمــاميـة الذيـن أكفروا
خيار الصحــابة، والقدرية المعتزلة عن الحق،
والبكريــة المنسـوبة إلـى بكـر بن أخـت عبـد
الواحد، والضرارية والمشبهة كلها، والخوارج،
فإنا نكفرهم كما يكفرون أهل السنة.
واختلف أصحاب الشـافعي في حكـم القدرية
المعتزلة عن الحـق، فمنهم من قـال: حكمهم
حكم المجوس لقول النبي في القدرية "إنهم
مجـوس هـذه الأمـة" فعلى هـذا القول يجوز
أخـذ الجزيـة منهم، ومنهم مـن قـال: حكمهم
حكـم المرتديـن، وعلـى هـذا لا تـؤخذ الجزية
منهـم، بـل يستتــابـون، فـإن تابـوا وإلا وجـب
على المسلمين قتلهم.
صفات الله
يسير البغدادي على نهج الباقلاني وقبله الأشعري بإثبات صفات الله السبعة (القدرة والعلم والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام)، فالله قادر بقدرة وعالم بعلم وحي بحياة.. إلخ.
والله له قدرة واحدة يقدر بها على كل المقدورات، كما أن له علما يعلم به جميع المعلومات.
يكتب البغدادي في الفرق بين الفرق:
وأجمع أهل السنة على أن قدرة الله تعـالـى
على المقدورات كلها قــدرة واحـدة يقدر بهـا
على جميع المقدورات علـى طريق الاختراع
دون الاكتســاب، خـلاف قـول الكراميـة فــي
دعواها أن الله تعالى إنما يقدر بقدرته علــى
الحوادث التي تحدث في ذاته.
تبقى مسألة نسبة الشر إلى الله: ففي حين ذهب المعتزلة إلى نسبة الخير فقط لله دون الشر، ذهب أبو الحسن الأشعري مؤسس المذهب الأشعري إلى أن الله أراد حدوث المعصية من العاصي.
أما البغدادي، فيقول إن الله أراد حدوث الحوادث كلها خيرها وشرها:
فإرادة الله تعالى مشيئته واختياره، وعلى أن
إرادته للشــيء كراهة لعـدمه، كمـا قالوا: إن
أمره بالشيء نهيٌ عن تركه، وقـالوا أيضا: إن
إرادته نـافذة فـي جميع مراداته علـى حسب
علمـه بهـا، فمـا علـم كـونه (أراد كـونه) فــي
الوقت الـذي علم أن يكـون فيه، ومـا علـم أنه
لا يكون أراد ألا يكون.
العدل الإلهي
العدل عند المعتزلة هو الأصل الثاني من أصولهم، واعتبروا أنه ليس من العدالة أن يكلف الله الإنسان ما لا يطاق، وبناء على ذلك قالوا إن الإنسان خالق لأفعاله خيرها وشرها.
العدل لدى الأشاعرة، ما للفاعل أن يفعله، فإن قيل بمقتضى ذلك يصبح كل كفر ومعصية عد، قيل إرادة الله أن يقع الكفر والظلم عدل منه، جور وظلم من مكتسبه.
واضح أن مفهوم العدل هذا ينسجم من نظرية الكسب لدى الأشاعرة: فالعدل لدى المعتزلة هو صدور الفعل عل وجه الصواب والمصلحة بمقتضى الحكمة، بينما أدى مفهوم الأشاعرة التصرف في الملك والملك كما يشاء وإنه فعال لما يريد.
يكتب البغدادي:
إن الله سبحانه وتعالـى خالق الأجسام
والأعـراض خيرهــا وشرهـا، إنـه خــالق
أكساب العبـاد، وخـالـق غير الله، وهـذا
خلاف قول مـن زعم من القـدرية أن الله
تعالى لم يخلق شيئا من أكساب العباد
وخــلاف قـول الجهميـة: إن العبــاد غيـر
مكتسبين وقــادرين على أكسابهم.
الله خالق أفعال العباد كما أنه خالق الأجسام والألوان والطعوم والروائح، وما العباد سوى مكتسبون لأفعالهم، لكن الكسب يقتصر فقط على الحركة والسكون والإرادة والعلم والجهل والاعتماد والقول والصمت، أما عدى ذلك فليس الإنسان بقادر، مثل اكتساب الأجسام والألوان والطعوم والروائح والقدرة والسمع.. إلخ.
ويتابع البغدادي في مسألة المضاف إلى الأمر والنهي، فيقول إن أفعال المكلفين خمسة أقسام: واجب، محظور، مسنون، مكروه، مباح.
الواجب: ما أمر الله تعالى به على وجه اللزوم، وتاركه مستحق للعقاب.
المحظور: ما نهى الله عنه، وفاعله يستحق العقاب على فعله.
المسنون: ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه.
المكروه: ما يثاب تاركه ويعاقب فاعله.
المباح: ما ليس في فعله ثواب ولا عقاب، وفي تركه ثواب ولا عقاب.
إن كل واجب على المكلف من معرفة أو قول أو فعل، فإنما وجب عليه بأمر الله تعالى إياه به، وكل ما حرم عليه فعله فبنهي الله تعالى إياه عنه، ولو لم يرد الأمر والنهي من الله تعالى على عباده لم يجب عليهم شيء ولم يحرم عليهم شيء.
وهذا خلاف قول من زعم من البراهمة والقدرية أن التكليف يتوجه على العاقل بخاطرين يخطران بقلبه:
أحدهما: من قبل الله تعالى يدعوه به إلى النظر والاستدلال.
ثانيهما: من قبل الشيطان يدعوه به إلى العصيان، وينهاه به عن طاعة الخاطر الأول.
الإيمان
أصل الإيمان المعرفة والتصديق بالقلب، واختلف أهل السنة في تسمية الإقرار وطاعات الأعضاء الظاهرة إيمانا، مع اتفاقهم على وجوب جميع الطاعات المفروضة، وعلى استحباب النوافل المشروعة، خلاف قول الكرامية الذين زعموا أن الإيمان هو إقرار الفرد، سواء كان معه إخلاص أو نفاق، وخلاف قول من زعم من القدرية / المعتزلة والخوارج أن اسم المؤمن يزول عند مرتكبي الذنوب.
ينقسم الإيمان عند البغدادي إلى ثلاثة أقسام:
ـ قسم يخرج به صاحبه من الكفر ويتخلص به من الخلود في النار، وهو معرفته بالله وبرسله وكتبه وبالقدر خيره وشره، مع إثبات صفات الله الأزلية، ونفي التشبيه والتعطيل.
وواضح هنا، أن البغدادي يعتبر الأصول الأشعرية وحدها التي توصف بالإيمان وتجعل صاحبها بعيد عن النار.
ـ قسم يوجب زوال اسم الفسق عن صاحبه ويتخلص به من دخول النار، وهو أداء الفرائض واجتناب الكبائر.
ـ قسم يوجب كون صاحبه من السابقين الذين يدخول الجنة بلا حساب وهو أداء الفرائض والنوافل مع اجتناب الذنوب كلها.
يقول أحمد محمود صبحي، إن البغدادي لم يفرق بين ما هو أصل جوهري في الإيمان كمعرفة الله وكتبه ورسله وبين ما هو خلافي تختلف فيه فرق المسلمين، كنفي التشبيه والتعليل وجواز الرؤية والقضاء والقدر خيره وشره.