سبع سنوات مرت على الانقلاب الغاشم على الديمقراطية والرئيس المنتخب، وقد أصبحت
مصر فيها أكثر خوفا وأقل أمنا.
سبع سنوات مرت وقد أضحى أكثر من نصف الشعب المصري فقراء يعيشون على حد الكفاف، وصعدت الديون والقروض إلى مستويات غير مسبوقة لتلاحق أجيالا عدة مقبلة.
نعم مصر اليوم أكثر فقرا وأقل عدلا، بينما يدعو
السيسي المواطنين إلى أن يفخروا بإنجازات؛ على رأسها الجسور، في بلد تراجع في كل شيء في التعليم والصحة وحقوق الإنسان. هذه مصر التي انتظرها الناس بعد وعود السيسي الخادعة. سبع سنوات مرت على مظاهرات 30 حزيران/ يونيو التي نتفق أو نختلف معها، لكنها كانت أكبر خدعة في التاريخ استغلها السيسي للانقلاب على الديمقراطية وعلى الرئيس المنتخب محمد مرسي رحمه الله.
وكل يوم نصحو على زيادة جديدة في الأسعار، في ظل حكومة نزع من قلبها الرحمة تجاه البشر، فرئيس سلطة يكوي الشعب بالجباية ورفع الأسعار. فمنذ أيام أعلنت الحكومة تطبيق زيادة جديدة على أسعار الكهرباء للاستهلاك المنزلي، رغم الضائقة المعيشية التي يعاني منها أغلب المصريين في ظل جائحة كورونا.
وقد أعلنت الحكومة عن الزيادة الجديدة، بنسبة تصل إلى 30 في المئة عن الأسعار الجارية، لتعد بذلك سابع زيادة في الأسعار منذ انقلاب السيسي، ليصل إجمالي نسبتها إلى 660 في المئة.
كما تم فرض رسوم على مبيعات البنزين بأنواعه والسولار والسجائر والهاتف المحمول، من أجل زيادة العائدات المالية للحكومة التي أضحت تعتمد بنسبة تصل إلى 80 في المئة على الضرائب.
وفي كل بلاد الدنيا تكون الضرائب مقابل خدمات تقدمها الدولة للمواطن، لكن في مصر المحروسة الضرائب مقابل تزايد الفقر وتصاعد القمع والطغيان ضد المواطن. وتجد السيسي يعاير الشعب "أمة ذات عوز، أمة الفقر".. يكفي أن نتذكر شهادة كاثرين آشتونن نائبة رئيس المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي، في شباط/ فبراير من العام 2012 بعد الثورة، وهي تقول فيها؛ "إن مصر لديها ثروات تكفي لمساعدة ربع الدول الأوروبية، وإن ما تم سرقته وإهداره من أموال وأرصدة طبيعية خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة من حكم مبارك، تكفي لظهور ملايين الأثرياء في مصر".. لا أدري ماذا تقول كاترين بعد انقلاب ساعدت فيه، وحال مصر أصبح من سيئ إلى أسوأ.
لقد أصبحت مصر في ظل سلطة السيسي مكبلة بالديون والقروض، وصندوق النقد الدولي لا هم له إلا تصدير القروض لمصر لتزداد فقرا على فقر. وعهدنا بصندوق النقد أنه ما دخل بلدا إلا أفقره. وفي ظل هذه القروض المتتالية التي تعدت 20 مليار خلال أربع سنوات، لم تنعم البلاد بخير ولم تتسع رقعة التنمية، بل إن نصف السكان يعيشون تحت عتبة الفقر أو على مقربة منها، حيث ارتفعت نسبة من يعيشون على أقل من 1.9 دولار في اليوم إلى 32.5 في المئة سنة 2019، بعد أن كانت 25.2 في المئة سنة 2011.
أكثر ما يحزنني كمواطن مصري ويُحزن الملايين غيري؛ أن مصر تلاشت قوتها وضاعت مكانتها بعد الانقلاب، بل تلاعبت بها الدول، حتى إن دولة مثل إثيوبيا تمارس البلطجة علنا ضد مصر، وتستولي على حقوقنا التاريخية في مياه النيل، ويقف النظام الذي يقهر الشعب ليل نهار عاجزا أمام إثيوبيا.
الأدهى والأمر هو ارتباط السيسي بشراكة استراتيجية مع الكيان الصهيوني وحكومة اليمين المتطرف، من أجل منحه شرعية دولية بعد أن فقد الشرعية داخل بلاده.
ربما يكون الأهم اليوم، هو كيف نعيد مصر للمسار الديمقراطي مرة أخرى؟ وكيف ننهض ببلادنا ونزيل الفقر والحاجة عن المصريين؟
لا بد للذين خُدعوا أن يصححوا خطأهم، ولا بد للمظلومين أن يغفروا للذين خُدعوا ونصطف جميعا لإعادة مصر لمربع الحرية، وعندما تخلص النوايا سيتنزل النصر على المصريين لينفضوا عن بلادهم غبار الدكتاتورية والظلم.. "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ".
أعتقد أن أول خطوة في العمل الوطني لإنقاذ مصر، هي إعادة اللحمة الوطنية لسابق عهدها، وإنهاء حالة الاستقطاب والانقسام في المجتمع، وأن تتحمل كل القوى الوطنية المسؤولية كاملة لإنقاذ مصر من ديكتاتورية الطغمة المستبدة، التي استباحت حريات المصريين وكرامتهم وفرطت في أرضهم وحقوقهم، ولن يكون ذلك إلا باصطفاف وطني واتحاد لكل القوى الحيّة والمؤسسات الضامنة لأمن واستقرار مصر.
الخطوة الثانية تكون بالعودة السريعة إلى حلبة السياسة مرة أخرى، وعدم تمكين السيسي وعصابته من الانفراد بالساحة السياسية. وأعتقد أن الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم ربما تكون فرصة لكل القوى السياسية، وعلى رأسها الإسلاميون، لخوض تلك الانتخابات رغم الظروف الصعبة التي تمر بها مصر من انسداد الأفق السياسي والمجال العام والاعتقالات، فالعمل على اختراق المجال العام من خلال الانتخابات من الأهمية بمكان، ولو بالمقاعد الفردية أو من خلال قوائم الأحزاب الوطنية، التي لا زالت قائمة، حتى لو حصل المرشحون على بضع مقاعد، فهذا يكفي لوجود أصوات وطنية في البرلمان، من أجل العودة إلى مربع الصراع السياسي، الذي نجح السيسي في حرمان المعارضة والإسلاميين منه.
أيضا العمل على تهيئة المناخ وتصاعد مقاومة ومحاصرة الاستبداد والدكتاتورية لتعود مصر لمربع الحريات. والحمد لله؛ القاعدة الشعبية تراهن دائما على الإسلاميين والوطنيين المخلصين في أي استحقاقات انتخابية، لكن البكاء على الأطلال والماضي والوقوف "محلك سر" لن يجدي شيئا وربما سيفاقم الأزمة. ومصر تتعرض لحالة ضياع وكارثة سد النهضة خير دليل على ذلك؛ فلا بد من مواصلة النضال وعدم اليأس وتصدير الأمل للناس في التغيير وتحقيق النصر للمظلومين، وصدق الله القائل:
﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِين﴾.