ماتت السياسة في
مصر بعد إهدار إرادة الجماهير ومطاردة وسجن كل صاحب كلمة ورؤية معارضة للانقلاب.. فعلا مصر تعيش فراغا سياسيا قاتلا، تتصاعد فيها وتيرة القمع ضد الجميع.
ولا عجب أن تتصدر خلال الأيام الماضية الوسوم المطالبة برحيل
السيسي، بل إن هناك دعوات للتظاهر يوم 20 أيلول/ سبتمبر الجاري، أطلقها الفنان محمد علي، رغم عدم ثقتي بالدعوة في تحقيق مرادها، لكن أثق تمام الثقة بأن مصر حبلى بثورة يمكن أن تنفجر في أي لحظة؛ فبراكين الغضب تنتشر في ربوع مصر في ظل تصاعد طغيان وانتهاكات السيسي التي بلغت ذروتها ونالت كل شبر في المحروسة، فإن الواقع الأليم يؤذن بالتغيير القادم لينهي عذابات الناس ويريح الشعب من ظلم السيسي الذي فاق كل الحدود.
ولعل أخطر ما يفعله السيسي اليوم هو هدم منازل وبيوت الفقراء والمهمشين، تحت لافتة مخالفة قوانين البناء، والبناء على الأراضي الزراعية، بالإضافة لتحصيل مبالغ باهظة نظير التصالح، وهو أمر لم يحدث في التاريخ المصري حتى في زمن الاستعمار، فهو تدمير لمصر وإفقار وإذلال للشعب المصري، خاصة وأن مشكلة العشوائيات ومخالفة قوانين البناء ليست وليدة ثورة 25 يناير أو اليوم، بل هي تركة ورثناها منذ حكم عبد الناصر.
ويوجد في مصر أكثر من 20 مليون مواطن يعيشون في العشوائيات، أي خمس سكان المحروسة، والأغرب من ذلك أن السيسي الذي يستأسد على منازل المواطنين ومساجد الله بحجة حرصه على الرقعة الزراعية؛ يفرّط في حقوق المصريين في مياه النيل، والتي ستفقد مصر نصف الرقعة الزراعية، وسوف تتسبب في بوار أربعة ملايين فدان.. فأين عنترية السيسي من غطرسة إثيوبيا وابتلاعها مياه النيل؟
لكن دوافع وأطماع نظام السيسي معروفة في تعامله مع العشوائيات وقمعه للفقراء والمهمشين؛ فطمع السيسي في أراضي العشوائيات داخل المناطق الشعبية القديمة والزراعية كبيرة، حيث تشكل هذه الأراضي
ثروات وكنزا عقاريا واستثماريا ضخما.
وأكبر دليل على ذلك جزيرة الوراق والجزر الواقعة في النيل، تمهيدا لتسليم هذه الأراضي للإمارات وأصحاب الشركات الصهيونية المشبوهة، بالإضافة إلى تخريب مصر وتدميرها وتبديد ثرواتها. وهذا منهج السيسي منذ أن سطا على كرسي السلطة، فهو ينتقم من المصريين، ولذلك هو يسعى دائما لإحكام القبضة والسيطرة الأمنية على الحيز المديني والمناطق العشوائية.
أعتقد أن قضية هدم المنازل وبيوت الفقراء، والتي حوّلت مصر إلى مأتم كبير، هي قضية أمن قومي يجب أن تجتمع عليها كل القوى الوطنية نصرة للمصريين المضارين من هدم منازلهم؛ فالسيسي يمارس الإبادة الإنسانية ويغير معالم مصر الجغرافية، سواء في سيناء أو مدن مصر.
هذا إضافة للقرار الأخطر، وهو نقل ملكية العقارات التاريخية والضخمة لصالح صندوق مصر، وعلى رأسها مبنى مجمع التحرير، وأرض ومباني المقر الإداري لوزارة الداخلية القديم، وأرض الحزب الوطني المنقضي بجوار المتحف المصري، وأرض ومباني القرية التعليمية الاستكشافية بمدينة السادس من أكتوبر، وأرض ومباني الكونية بمدينة السادس من أكتوبر، وأرض ومباني ملحق معهد ناصر بكورنيش شبرا مصر، وأرض حديقة الأندلس (حديقة الحيوان بطنطا) بمحافظة الغربية.. لتكون تلك المباني والأراضي رهنا للبيع بجرة قلم من السيسي.
فمصر تُباع وتُدمر، ولذلك من واجبنا أن نتكلم، وأن يعلو صراخنا في وجه الظالم المستبد؛ فالسكوت أمام الكوارث والمآسي يؤدي لضياع الأوطان، ولذلك يجب أن نقوم بواجبنا تجاه هذا الوطن الذي يقوم السيسي بتخريبه وتدميره. فلو تركناه وما أراد لهلكت مصر، كما أخبر النبي صلى الله وسلم في الحديث الذي رواه النعمان بن بشير رضى الله عنهما: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".
فالسكوت على السيسي وجرائمه في حق الشعب عار وخيانة لهذا الوطن.. اللهم احفظ مصر من كل مكروه وسوء يا رب العالمين.