هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
صفقة القرن نصت على إعادة تعريف الوضع القائم في الأقصى
الاحتلال يريد الاستيلاء على كامل القدس
حرب الرمزيات والدلالات مهمة في الأقصى والقدس
المواجهة الشعبية هي المدخل المناسب اليوم لإفشال صفقة القرن
المحتل مرشحٌ للفشل في معركة الأقصى
حذر مدير عام مؤسسة القدس الدولية، ياسين حمود، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، من محاولات الاحتلال الإسرائيلي إعادة تعريف الوضع القائم بالأقصى والقدس المعروف بـ"Status quo" كجزء من صفقة الضم والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين.
وتنشر "عربي21" حلقتين من المقابلة مع حمود، الذي يرأس المؤسسة المعنية بشؤون القدس والدفاع عنها والاهتمام بقضاياها متناولا بشكل أساسي ما تتعرض له المدينة المحتلة من محاولات استيلاء على مقدساتها وفرض واقع جديد فيها، في وقت تحاول فيه حكومة الاحتلال ضم الضفة والأغوار.
وتاليا الحلقة الأولى من المقابلة:
يتوعد نتنياهو بضم غور الأردن وأجزاء من الضفة الغربية، وفي الوقت عينه يتزايد الحديث عن تغييرات متسارعة في الأقصى، فما العلاقة بين المسارين؟ هل يحاول إعادة تعريف الوضع القائم كجزء من صفقة الضم والاستيلاء؟
تنظر الحكومة الإسرائيلية إلى خطوتها المقبلة في الضم والاستيلاء، تطبيقا عمليا لصفقة القرن، التي تعتبرها "حلا نهائيا". وتريد بعد ذلك أن تترك للفلسطينيين والعرب أن يقبلوا بذلك أو يرفضوه.
وهي ترى في تشكيل ائتلافها الحاكم الحالي فرصة سانحة لطالما تأخرت، وتريد اغتنامها قبل أن تطرأ أي تغيرات في المشهد الأمريكي أو الإسرائيلي الداخلي، أو في المشهد الدولي.
صفقة القرن نصت على إعادة تعريف الوضع القائم في الأقصى ونصت على الاستيلاء على كامل القدس بحدود الجدار، كما أنها نصت على الاستيلاء على الأغوار ومساحات شاسعة من الريف الفلسطيني في الضفة الغربية.
في موضوع الأقصى هناك جانبان مركزيان للصفقة: الأول: سلمت صفقة القرن السيادة عليه وإدارته للإسرائيليين بشكل مطلق، واعتبرتهم راعيا جيدا للمقدسات بالتجربة التاريخية، وبأنهم حافظوا على الوضع القائم بشكل مناسب رغم كل ما شهدته المقدسات الإسلامية والمسيحية من عدوان تحت الاحتلال. وعلى الرغم من ذلك كله، تدعو الصفقة إلى إبقاء الوضع الحالي دائما.
وهذا يعني من الناحية السياسية شطب دور الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن، ومحاولة القفز عن مشروعيتها الدولية، وجعل مصيرها معلقا بالإرادة الإسرائيلية وحدها.
أما الجانب الثاني، اعتمادها تقسيم الأقصى كحل نهائي، وهذا يعني أن تغيير الوضع القائم، والوصول إلى وضع قريب مما وصفته صفقة القرن، وقابل للاستدامة، هو أمر قيد الدراسة لدى قيادة الاحتلال، تماما كما هو الضم والاستيلاء.
ألا يؤثر ذلك على الدور الخاص للأردن في الأماكن الإسلامية المقدسة؟
نص اتفاقية وادي عربة 1994 بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي يسمح ببناء تفسير بهذا الاتجاه، فالاتفاقية قالت في بندها الثاني من المادة التاسعة بأن "إسرائيل تحترم الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة"، وبأنها "ستعطي أولوية للدور الأردني التاريخي في المقدسات الإسلامية في مفاوضات الحل النهائي". هذا النص كما سبق نقده من كثيرين يجعل الاحتلال في موقع الأصيل الذي يمنح ويعطي ويضمن، وهو ما بنيت عليه صفقة القرن.
صفقة القرن تجعل الدور الأردني في المقدسات بشكله الحالي مؤقتا، وبانتظار إعادة تعريفه في الحل النهائي، وما دام الاحتلال والولايات المتحدة يريان في صفقة القرن حلا نهائيا، فهذا يعني أنهما تفكران في إعادة تعريف الدور الأردني في الأقصى والمقدسات جزءا من هذا الحل.
ولعل هذا ما يفسر تماما تسريبات صحيفة "إسرائيل اليوم" المقربة من نتنياهو، حول ترتيبات جديدة لإدارة المقدسات تدخل السعودية طرفا فيها.
هل هناك بوادر عملية لإعادة تعريف الوضع القائم في الأقصى كما تحذرون؟
منذ إعادة فتح الأقصى في 31 أيار/ مايو 2020، حصلت تغييرات أهمها أن شرطة الاحتلال باتت تفرغ مسار الاقتحام تماما أمام المقتحمين. وهذه المرة لا يمنع التكبير فقط عند دخولهم كما في السابق، بل يمنع التواجد بالكامل في مسار اقتحامهم.
وشددت كذلك شرطة الاحتلال على منع المرابطين وحراس المسجد الأقصى من تصوير الاقتحامات. والهدف من ذلك السماح للمقتحمين بأداء الطقوس الكاملة بعيدا عن أي توثيق، وهذا مسار بدأ في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2019. ومؤخرا اعتقل عدد من حراس الأقصى وأبعدوا عن مكان عملهم بتهمة تصوير الاقتحامات.
وأيضا، بدأت "جماعات الهيكل" في أداء طقوس كاملة. كما أنهم كثفوا دروس تعليم التوراة على يد مدرسة جبل الهيكل التوراتية التي تأسست العام الماضي، وتتخذ من الأقصى مقرا لها.
ومن المشاهد أيضا، مبادرة سلطات الاحتلال إلى إبعاد أكثر من 30 مقدسيا، علما بأن هذه الإبعادات ليست على خلفية أي هبة حدثت مؤخرا أو مواجهة كما في السابق، بل هي قائمة إبعادات معدة مسبقا يجري تنفيذها لضمان بعد الأئمة والمرابطين والناشطين عن الأقصى. علاوة عن إبعادات عن البلدة القديمة وعن القدس بأسرها، وبحملات اعتقال يومية واسعة، وهو ما يشي بتمهيد مقصود للميدان.
كذلك تشددت شرطة الاحتلال بمنع الأنشطة للمقدسيين خلال وجود المقتحمين للأقصى. فتمنع حتى تناول الطعام في باحات المسجد أثناء تواجد المقتحمين بحجة أنها "لا تتناسب مع طقوسهم"، فبالنسبة لهم الأفعال الدنيوية تخرج من دائرة المقدس، ولا يجوز أداؤها في الأوقات والأماكن المقدسة.
المقدس بحد ذاته رمز لقيمة عليا، وحرب الرمزيات والدلالات فيه مهمة، وتراكم الرمزيات هو ما يمكن أن يقود لإعادة تعريف المقدس بكامله.
هذه الإجراءات التي تمت في 22 يوما من عمر إعادة فتح الأقصى، وهو ليس تسارعا طبيعيا أو منطقيا للأحداث، بل الأدهى من ذلك أنه يمر بهدوء وصمت.
لماذا لا يجري الحديث عن إعادة تعريف الوضع القائم كما يجري الحديث عن ضم الأغوار وأجزاء من الضفة الغربية؟
الاحتلال يغفل الحديث عنه تماما، والسبب المركزي لذلك، أنه يريد تجنب حصول رد فعل شعبي. فعلى الرغم من أن محاولة إعادة تعريف الوضع القائم جارية على الأرض ومنذ سنوات، لكنها كانت تصطدم بالرد الشعبي الجماهيري في كل مرة.
وهذا ما رأيناه في اعتكافات 2013، وفي مواجهات رمضان 2014، بعد أن حاول الاحتلال تقييد أعداد المصلين تحت غطاء الظرف الأمني لحرب غزة، وكذلك في انتفاضة السكاكين 2015 ردا على محاولة التقسيم الزماني وإغلاق الأقصى تماما أمام المسلمين في الأعياد اليهودية، وفي هبة باب الأسباط 2017 حينما حاول الاحتلال فرض البوابات الإلكترونية، وفي 2019 في هبة باب الرحمة وفي مطلع العام الجاري في "حملة الفجر العظيم"، قبل دخول وباء كورونا إلى المشهد وبدء الاحتلال العمل على توظيفه لصالحه.
نحن نتحدث عن 6 محطات مواجهة شعبية عنوانها الأقصى في 8 سنوات. الأقصى المركز المؤهل للمواجهة الشعبية، بشكل طبيعي، وهذا ما أثبتته التجربة. بالنسبة لنا فلسطينيا وعربيا لا بد أن تكون المعركة لمنع إعادة تعريف الوضع القائم في الأقصى هي نقطة الانطلاق نحو فعل شعبي يواجه محاولة تصفية قضية فلسطين ويفشلها.
ولذلك تحديدا يغفل المحتل أي حديث حول الأقصى، ويحاول تمرير خطواته بصمت وتدرج، لكنه في النهاية سيضطر للوصول إلى نقطة يفرض فيها التغييرات على الأرض بشكلٍ واضح للعيان، وحينها سيكون الفعل الشعبي في انتظاره، كما كان من قبل في كل المحطات.
كيف تنظرون إلى نتائج محاولة إعادة تعريف الوضع القائم في الأقصى من بوابة مخطط الضم؟ هل ينجح الاحتلال في ذلك؟
اليوم، وأمام الالتفات لخطوة الضم والاستيلاء والتركيز عليها إعلاميا، يراد لنا التعامل مع تصفية الحقوق في القدس والأقصى باعتبارها هدفا منجزا، إلا أن المعركة مستمرة على أرض الواقع، وإفشال المحتل فيها ممكن، في حال تم توجيه الاهتمام لذلك، وُوضعت الجهود المناسبة لصد مخططات الاحتلال.
تنبئنا التجربة التاريخية بأن الأقصى لطالما كان العنوان لانطلاق المواجهة الشعبية الشاملة أو المحدودة، على مدى ثلاثة عقود من الزمن، من هبة النفق 1996 وانتفاضة الأقصى 2000، مرورا بمحطات انتفاضة السكاكين 2015، وهبة باب الأسباط 2017، وهبة باب الرحمة 2019، واليوم إذا كنا نريد مواجهة صفقة القرن كحل تصفوي، فإن معركة الأقصى هي المدخل المرشح للوصول إلى تحرك شعبي شامل يفشله.
ومن هذا الباب كانت الدعوات إلى فتح الأقصى يوم الجمعة 29 أيار/ مايو 2020، بمشهد شعبي، فالمحتل كما رصدنا اتخذ فترة إغلاقه لفرض تغييرات في إدارته والسيطرة عليه، وكان واضحا لدينا أنه سيحاول إعادة فتحه على أسس وقواعد جديدة.
وفتحه شعبيا كان المدخل المناسب لإفشال هذا الرهان، ولصناعة نقطة انطلاق شعبية مناسبة في مواجهة مخططات الاستيلاء ومحاولات فرض صفقة القرن. وما زلنا نرى أن تلك الفرصة لم تضِع، وهي متاحة، شريطة تصحيح جدول الاهتمامات، وخوض المعركة انطلاقا من مدخلها الطبيعي الذي أثبتت التجربة التاريخية نجاحه، وهو مجابهة الخطر شعبياً في الأقصى.
في مواجهة ما يحصل من تقدم على الأرض، ما هو الخط السياسي الذي ترونه لمواجهة محاولات إعادة تعريف الوضع القائم؟
ما تطرحه المؤسسة في مواجهة ذلك خط سياسي واضح، بأن المواجهة الشعبية هي المدخل المناسب اليوم لإفشال صفقة القرن، وللوقوف في وجه محاولات تهويد الأقصى وتصفية قضية القدس، وأن الواجب هو دعم هذا الفعل الشعبي والوقوف إلى جانبه وإسناده بكل الوسائل الممكنة السياسية والإعلامية والجماهيرية والمالية.
وفيما يخص معركة الأقصى، فلا بد من الحفاظ على الحصرية الإسلامية للأقصى والممثلة اليوم بالأوقاف الإسلامية التابعة للأردن، وهذا يتطلب تحقيق شرطين: الحفاظ عليها من الانزلاق إلى التسويات على المقدس تحت الضغوط، وهذا واجب القائمين عليها، والثاني الوقوف إلى جانبها ودعمها لتحافظ على وجودها وصلاحياتها وعلى وحدة المسجد الأقصى مقدسا إسلاميا، وهذا واجب داعميها.
المواجهة الشعبية ليست حسب الطلب، ويصنعها أبناء الميدان في القدس والضفة والأراضي المحتلة عام 1948، ونحن في الخارج كقوى عربية وإسلامية، نقف معهم وإلى جانبهم، لكن هذه المواجهة لها ظروف حتى تنشأ، ولها شروط حتى تنجح، وأحد أهم شروطها هو وضوح الهدف والبوصلة.
فالهدف هو منع الاحتلال من تهويد الأقصى، وصناعة نموذج من معركة يمكن أن ينتقل إلى غيرها. إن الأقصى كما نراه هو راية المعركة مع المشروع الإسرائيلي على أرض فلسطين ورمزها، وإذا ما هزَمْنا الاحتلال على مستوى الرمز وتمكنَا من حماية هويته ومنع تصفيتها، فإننا نصنع نموذجا يمكن أن يُعمَّم، وأن ينتقل إلى مساحات أخرى من فلسطين.
والمحتل مرشحٌ للفشل في معركة الأقصى، فحتى لو كان سلاحه وقوته استطاعا حسم معركة الجغرافيا، أو التأثير على معادلة السكان بطرد جزء منهم بالقوة المسلحة والمجازر، إلا أنه أعجز من أن يحسم معركة الإيمان والمعتقد.
عمليا، ما نراه أن المحتل حينما نقل المعركة إلى الأقصى نقلها إلى موضع ضعفه وموضع قوتنا نحن، أبناء هذه الأمة، فإيماننا بالحق لا يتبدل. وعمليا أيضا، حينما اختارت الولايات المتحدة بدء صفقة القرن من تصفية هوية القدس، فإنها بدأت أيضا من أكثر النقاط المرشحة لإفشالها، فتغيير حالة الاعتراف القانونية بالقدس أو بأراضي الضفة الغربية أمر سهل على الورق، لكنه يتعذر في الميدان، إذا ما وجد أمامه الإصرار والإرادة.
اقرأ أيضا: حمود: دور الأردن بالقدس يتآكل والاحتلال يريده مظلة شكلية (2)