بينما يسود الموقف
الإسرائيلي حالة من الضبابية تجاه الخطوات المرتقبة لحكومة الاحتلال مطلع تموز/ يوليو القادم بشأن تطبيق خطة الضم، وأمام مواقف السلطة الضعيفة؛ التي اكتفت بإعلان قرار وقف الاتفاقيات دون برنامج واضح لمواجهة الضم، ونظرا لحالة عدم اليقين على تثوير وتحريك الشارع
الفلسطيني في
الضفة الغربية، نتيجة تراكمات لسياسات السلطة وأجهزتها الأمنية لنحو 14 عاما، التي استهدفت تكبيل الضفة وإحباط مفاعيل المقاومة، يبرز السؤال الكبير: كيف سيواجه الفلسطينيون الضم؟
في هذه الأثناء قدم رئيس الوزراء لحكومة الاحتلال بنيامين
نتنياهو ورئيس الكنيست ياريف ليفين؛ لوزير الحرب بيني غانتس ووزير الخارجية جابي أشكنازي عدة سيناريوهات مختلفة، وفقا لمصادر مطلعة على مضمون الاجتماع.
وبحسب صحيفة هارتس، فقد اقترح رئيس وزراء حكومة الاحتلال أمام أزرق أبيض ضم 30 في المئة من أراضي الضفة الغربية، كما تسمح خطة ترامب.
وتراوحت السيناريوهات بين ضم 30 في المئة من أراضي الضفة الغربية، كما هو ممكن في خطة ترامب، إلى ضم رمزي لمناطق محدودة، بينما طالب أزرق بضرورة ألا تكون خطوة ضم الأراضي أحادية الجانب، ولكن بتنسيق كامل مع المجتمع الدولي.
وفقا للمعايير التالية:
- أي خطوة لتطبيق السيادة يجب أن تكون غير منفصلة عن قبول خطة الرئيس ترامب للسلام كأساس للمفاوضات؛
- ستكون هذه الخطوة محدودة ومتناسبة مع الحفاظ على اتفاقيات السلام الحالية والمستقبلية.
- تطبيق السيادة الجزئية يجب أن يأتي في الوقت نفسه الذي يتم فيه اتخاذ أي خطوات متبادلة مع الجانب الفلسطيني.
- بالإضافة إلى أنه لن يكون هناك ضم للفلسطينيين أنفسهم. وبعبارة أخرى، ينطبق القانون الإسرائيلي فقط على منطقة يعيش فيها الإسرائيليون، أو ليس فيها سكان على الإطلاق.
- بالإضافة إلى ذلك، يطلب أزرق الاستماع إلى موقف جميع الهيئات الأمنية والسياسية والإقليمية بشأن الآثار العديدة للسيناريو المختار.
في الجهة المقابلة، وصلت رسائل إلى الرئيس
محمود عباس فحواها أن "فرض السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية أمر واقع"، وأنه يجري فقط العمل على تخفيف الطريقة التي سيتم بها تنفيذ الخطوات، بشكل تدريجي ومن خلال جدول زمني أكثر مرونة.
ورغم ذلك لم تنتفض السلطة وتحضر بجدية خطة مضادة، تجعل تكلفة الضم باهظة على الاحتلال، بينما يسعى الاحتلال لتأمين جبهة غزة، ويعوّل على عدم سماح أجهزة أمن السلطة لفصائل المقاومة وعلى رأسها حماس، باختراق الخطوط الحمر في الضفة الغربية، بينما تحرص حماس على كسر الحصار عن غزة كأولوية.
وأمام هذه المعطيات وفي حال شرع الاحتلال بعمليات الضم المتدحرج أو العمليات الجراحية للتقطيع في الضفة، سيجد الفلسطينيون أنفسهم أمام خيارين في تحديد مستقبل السلطة:
- أولا: التماهي مع خيار حل السلطة الوطنية الفلسطينية، والدفع باتجاه ذلك كفرصة للتخلص من إرث اتفاق أوسلو الثقيل.
- ثانيا: الحرص على بقاء السلطة، مع تغيير وظيفتها لإدارة شؤون السكان، ولها مهمات شُرطية، مع التأكيد أنها "ليست قيادة سياسية للشعب الفلسطيني".
وللتعامل مع هذين الخياريين ثمة مجموعة من المخارج المؤقتة وطويلة الأمد؛ تتضمن:
- التوجه الإجباري نحو "إحياء منظمة التحرير الفلسطينية، لتتولى القيادة السياسية للشعب الفلسطيني"، بعد فصلها تماما عن السلطة الفلسطينية، من خلال إعادة بناء المؤسسات الاقتصادية والتعليمية والصحية، وتعزيز مقومات الصمود والعيش في الضفة الغربية (بما فيها القدس) وقطاع غزة.
- استبدال الأطر الرسمية للسلطة في التعاملات الاقتصادية والإدارية، بمؤسسات أهلية مثل الغرف التجارية، وهيئة رجال الأعمال، والتجار، بعيدا عن أي أدوار سياسية.
-في ظل غياب التنسيق المدني من قبل السلطة، ومحاولات الاحتلال فتح قنوات مع السكان لمنع تدهور الأوضاع المعيشية، يتم تحميل المؤسسات الدولية مهمة التواصل مع الاحتلال للخدمات الإنسانية الأساسية مثل العلاج، وهناك أدوار مشابهة تقوم بها الآن منظمة الصليب الأحمر والأمم المتحدة.
- في حال تم إعادة تدوير دور السلطة، فإن ذلك يحتاج إلى إعادة هيكلة الحكومة لتقوم بدور خدماتي بتوفير الاحتياجات الأساسية للسكان، وتقليص الإنفاق الحكومي، مع التأكيد أن المسؤولية الأساسية تقع على الاحتلال، والتخفيف من الأعباء المالية لناحية تحويلها إلى الإطار الإقليمي والدولي.
- الاعتماد على الذات لتطوير اقتصاد وتفعيل القطاع الزراعي، وتشجيع استهلاك البضاعة المحلية.
- الدفع باتجاه حلول جذرية تنهي الحصار عن غزة، سواء من خلال منفد خاص أو عبر مرفأ مصري، ينهي المعاناة والحالة الراهنة للقطاع.
وبناء على ما سبق؛ تبقى الظروف الحالية، الإسرائيلية والفلسطينية والإقليمية والدولية، في حالة سيولة وغير مستقرة، وما زال رد الفعل الفلسطيني غامضا، خصوصا في الضفة الغربية. وهناك جهد مصري إسرائيلي لعدم انفجار غزة، ولهذا قد يتجه الاحتلال إلى إعادة إحياء تفاهمات التهدئة مع الفصائل الفلسطينية، بوساطة مصرية والأمم المتحدة، من خلال توسيع نطاق التسهيلات.
وقد تلجأ حكومة الاحتلال إلى فتح صفقة الأسرى على أساس تنفيذ مرحلة أولى؛ يتم بموجبها الحصول على معلومات عن الجنود مقابل الإفراج عن النساء والمرضى وكبار السن.
ومهما يكن، فإن أي عامل مؤثر لم تحسب "إسرائيل" حسابه سيقلب الطاولة عليها، وسيجعل الضم مكلفا لها أكثر مما أرادت أن يحققه من فائدة، ومعطيات الميدان الراهنة تشير إلى أن جبهة غزة الأكثر ترشيحا لقلب الطاولة.