هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تسبب تراجع إيرادات السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، وتحويلات المصريين العاملين في الخارج في حدوث عجز بالموارد الدولارية، مما دفع السلطات المصرية لاقتراض نحو 7.7 مليار دولار خلال عشرة أيام، ما بين الحادي عشر من الشهر الحالي بالحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، والحادي والعشرين من الشهر بطرح سندات دولارية في الأسواق الدولية.
وربما كانت هناك قروض أخرى قصيرة الأجل لم يتم الإعلان عنها، حيث جرى العرف على تأخير الإعلان عن أرصدة الدين الخارجي، فرقم هذا الدين الخارجي بنهاية العام الماضي لم يتم الإعلان عنه إلا خلال الشهر الحالي، ورصيد الدين العام الداخلي المعلن حاليا ما زال متوقفا عند بيانات شهر أيلول/ سبتمبر الماضي.
وبإضافة قرض مصر الأخير من صندوق النقد الدولي البالغ 2.8 مليار دولار، إلى قيمة السندات الدولارية التي طرحتها الخميس الماضي والبالغة خمسة مليارات دولار، إلى رصيد القروض الخارجية بنهاية العام الماضي والبالغ 112.7 مليار دولار، يصل رصيد أرصدة الدين الخارجي إلى 120.4 مليار دولار، وهو رقم غير مسبوق تاريخيا.
وقد يكون الرقم الحقيقي أعلى من ذلك، حيث جرى خلال شهور العام الحالي، بخلاف قرض الصندوق والسندات المطروحة، إعلان الاتفاق مع بنك كندا لتنمية الصادرات لتقديم قرض لهيئة السكة الحديد المصرية بنحو 226 مليون يورو، وتقديم البنك الدولي قرضا لمشروعات ريادة الأعمال بنحو 200 مليون دولار، والحصول على مئة مليون دولار من المؤسسة الإسلامية لتمويل التجارة لشراء قمح وسكر، والتفاوض مع نفس المؤسسة لشراء منتجات بترولية وسلع تموينية تصل قيمتها لحوالي 300 مليون دولار، بخلاف وزارات أخرى أعلنت عن قروض جديدة مثل وزارة التضامن الاجتماعي.
24 مليار دولار تكلفة الدين الخارجي في العام
كما أعلن البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية عن تقديم خطوط ائتمان بنحو 850 مليون يورو، لخمسة بنوك مصرية، منها بنك قطر الوطني مصر بنحو 200 مليون دولار، وبنك القاهرة بمئة مليون، وبنك الإسكندرية بمئة مليون دولار.
كما أعلنت وزيرة التعاون الدولي عن وجود مشاورات مع عدة جهات دولية للاقتراض منها. وأعلن مسؤول في وزارة المالية عن السعي لاقتراض تسعة مليارات دولار أخرى بخلاف القرض الذي تم الحصول عليه من صندوق النقد الدولي، منها نحو خمسة مليار دولار جديدة من صندوق النقد الدولي، كما أعلن بنك مصر عن سعيه لاقتراض 250 مليون دولار.
ولم يقتصر مأزق نقص الموارد الدولارية على تراجع بعض الموارد الدولارية، كالسياحة والتحويلات، وتراجع مشتريات الأجانب لأدوات الدين المصري من أذون سندات خزانة بنحو 14 مليار دولار خلال شهر آذار/ مارس وحده، نتيجة تداعيات أزمة كورونا.
لكنه يزداد مع بلوغ قيمة أقساط وفوائد الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل، المطلوب سدادها خلال العام الحالي، 20.7 مليار دولار، بخلاف 3.3 مليار دولار لفوائد وأقساط الدين قصيرة الأجل خلال الشهور التسعة الأولى من العام الحالي، حسب بيانات شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، مقابل 13 مليار دولار لتكلفة الدين الخارجي من أقساط وفوائد في العام الماضي.
واعتادت السلطات المصرية طلب تأجيل بعض الأقساط خاصة من الدول الخليجية، وإعادة الاقتراض قصير الأجل لما يتم سداده من الدين قصير الأجل، إلا أن تراجع أسعار النفط وتآكل الاحتياطيات والاضطرار لإصدار سندات دولية؛ يجعل إمكانية العون الخليجي لمصر ليست كبيرة، ومن هنا كان الاتجاه للمزيد من الاقتراض من صندوق النقد ومؤسسات مالية إقليمية، أوروبية وإسلامية وعربية.
الدين الخارجي ثلاثة أضعاف الاحتياطيات
وإذا كان الدين الخارجي قد تخطى 120 مليار دولار، فإن هذا الرقم يمثل ثلاثة أضعاف قيمة الاحتياطيات من العملات الأجنبية التي تراجعت إلى 37 مليار دولار في شهر نيسان/ أبريل الماضي، بنقص 8.5 مليار دولار خلال شهري آذار/ مارس ونيسان/ أبريل.
كما يعني ذلك أيضا زيادة تلك القروض بنحو 77 مليار دولار عما كانت عليه أرصدة القروض في نهاية فترة الرئيس محمد مرسي، والبالغة حينذاك 43.2 مليار دولار، أي بمتوسط زيادة سنوية 11 مليار دولار خلال السنوات السبع للنظام العسكري الحالي، مع الأخذ بالاعتبار توقع زيادة تلك القروض خلال الشهر الأخير من العام المالي الحالي والذي ينتهي في نهاية حزيران/ يونيو القادم.
ورغم أن المادة 127 من دستور عام 2014 الذي صدر في عهد النظام العسكري الحالي، تشير إلى أنه لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض أو الحصول على تمويل إلا بعد موافقة مجلس النواب، فقد فوجئ الجميع بالطرح الخارجي للسندات البالغة قيمتها خمسة مليار دولار يوم الخميس الماضي، دون عرض على البرلمان، كما جرى في إصدارات سابقة للسندات التي تم طرحها في الخارج.
وإذا كان عدد من قيادات تيار اليسار قد تقدموا دعوى ضد الرئيس محمد مرسي أمام مجلس الدولة بسبب زيادة الدين الخارجي في عهده، فلا يتوقع أن يتكرر شيء من ذلك حاليا بسبب مناخ الخوف، رغم أن إجمالي زيادة القروض الخارجية في فترة الدكتور مرسي بلغت 8.8 مليار دولار، نتيجة نقص المعونات الدولية التي بلغت 800 مليون دولار، منها نصف مليار دولار من قطر.
ويتضمن التوزيع النسبي للدين الخارجي البالغ حوالي 120 مليار دولار، ما بين 31 في المئة للمؤسسات الدولية متعددة الأطراف، و25 في المئة كقروض وودائع ثنائية من دول، و22 في المئة للسندات الخارجية، و9 في المئة لتسهيلات الموردين والمشترين، و9 في المئة للديون قصيرة الأجل، و3 في المئة لاتفاقات إعادة الشراء.
الفوائد ترفع الدين إلى 163 مليار دولار
وفي ما يخص قروض المؤسسات الدولية، فأكثرها من صندوق النقد الدولي بنحو 15.7 مليار دولار، ويليها حسب بيانات أيلول/ سبتمبر الماضي؛ البنك الدولي بنحو 10.7 مليار، وبنك الاستثمار الأوروبي 3.1 مليار دولار وبنك التنمية الأفريقي 2.8 مليار دولار.
وبالنسبة للقروض الثنائية وحسب بيانات أيلول/ سبتمبر الماضي، فأعلاها للسعودية بنحو 8.8 مليار دولار، والإمارات 6.6 مليار دولار، والكويت 5.2 مليار دولار، والصين 3.6 مليار دولار، وألمانيا 2.9 مليار دولار.
واذا كانت تقديرات الدين الخارجي المتحفظة تصل حاليا لأكثر من 120 مليار دولار، والذي تمتد فترة سداده إلى عام 2071، أي أنه ما زالت هناك 51 عاما للسداد، فإن تقديرات الفائدة لتلك القروض تصل إلى حوالي 43 مليار دولار، بما يجعل قيمة الأقساط والفائدة تزيد عن 163 مليار دولار، أي أن قيمة الفائدة تمثل نسبة 36 في المئة من قيمة أصل الدين.
وتزيد قيمة الفائدة عن قيمة أصل الدين في الاقتراض من خلال طرح السندات في الخارج، والتي بلغت قيمتها حاليا 25.9 مليار دولار، بينما بلغت قيمة الفائدة على تلك السندات أكثر من 29 مليار دولار، لتصل نسبة الفائدة عليها 112 في المئة، وليصل مجموع المطلوب سداده لأصل وفوائد تلك السندات الخارجية 54.9 مليار دولار، وذلك بسبب ارتفاع الفائدة، خاصة في الإصدارات التي تصل مدتها إلى 30 عاما، والبالغ عددها ستة إصدارات حتى الآن، والتي بلغ سعر فائدة الإصدار الأخير منها الخميس الماضي 8.875 في المئة، بينما تصل نسبة الفائدة على سندات الثلاثين عاما في فرنسا حاليا 0.72 في المئة، وفي بريطانيا 0.58 في المئة والولايات المتحدة 1.37 في المئة وإيطاليا 2.47 في المئة.
بل إن سعر الفائدة على السندات لمدة ثلاث سنوات ولمدة خمس سنوات في بريطانيا حاليا سلبية، كما أن الفائدة على السندات ذات الآجال ثلاث سنوات وخمس سنوات وسبع سنوات وعشر سنوات في فرنسا سلبية حاليا.
ولهذا تضمنت الموازنة المصرية التي قدمها وزير المالية للبرلمان لإقرارها، والتي جرى إعدادها قبل ظهور تداعيات كورونا على الاقتصاد المصري، استحواذ تكلفة الدين من أقساط وفوائد للدين الحكومي المحلي والخارجي على نسبة 49 في المئة من الإنفاق العام في الموازنة، وهي النسبة المرشحة للزيادة في ضوء تداعيات كورونا السلبية وزيادة الإنفاق الحكومي وزيادة الاقتراض المحلي والخارجي.