هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافيين نوريميتسو أونيشي وكنستانت ميهوت من جزيرة نورموتير، يقولان فيه إن سكان الجزيرة الهادئة راقبوا بفزع وغضب الصور القادمة من باريس.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه في الوقت الذي بدأت تنتشر فيه الشائعات بأن إغلاقا شاملا سيتم فرضه قريبا لمنع تفشي فيروس كورونا، اكتظ المسافرون على القطارات، وبعضهم معه لوحة ركوب الأمواج، لافتا إلى أنه لم يكن هناك شك حول وجهتهم.
وينقل الكاتبان عن الدكتور سيريل فارتانيان، وهو واحد من 6 أطباء في الجزيرة، قوله إن ذلك الفعل "غير مسؤول وأناني".
وتلفت الصحيفة إلى أن الجزيرة تبعد حوالي 5 ساعات عن باريس، ما دفع بالعمدة، نويل فوشر، لمحاولة إغلاق الجسر الوحيد الذي يربط الجزيرة بالأراضي الرئيسية، إلا أن السلطات القومية قالت إن ذلك غير قانوني، مشيرة إلى أن فوشر وصف التدفق إلى الجزيرة بأنه "غزو"، وقال: "لم يكن بإمكاننا فعل شيء تجاه ذلك؛ لأنه لم يتم حجز الناس في مناطق إقامتهم الرئيسية".
ويفيد التقرير بأن عدد سكان الجزيرة تضاعف بين ليلة وضحاها إلى 20 ألفا، مشيرا إلى أنه بعد حوالي أسبوعين من الإغلاق فإن عدد الحالات المشكوك بكونها إصابة بالكورونا على الجزيرة وصلت إلى 70 حالة.
وينوه الكاتبان إلى أن سكان المدن الأثرياء في فرنسا وفي أنحاء أوروبا، خرجوا من مراكز الأزمة إلى بيوتهم الثانية، حيث القرب من البحر والجبال يخفف من ألم البقاء في البيوت، ووجود اتصال إنترنت معقول يسمح بالعمل عن بعد، مستدركين بأن الخشية هي أن يساعدوا على نشر الوباء في مناطق تفتقر إلى المستشفيات التي يمكنها التعامل مع زيادة مفاجئة في عدد المرضى، ما يزيد من الخطورة على السكان المحليين الذين هم في الغالب من المسنين ومحدودي الدخل.
وتقول الصحيفة: "ربما أكثر من أي شيء آخر، أثار التدفق إلى البيوت الثانية الغضب على ما كشفته هذه الجائحة العالمية كل يوم: الهوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء، وليس هناك مكان فيه الغضب أشد مما هو في فرنسا، التي فيها 3.4 مليون بيت ثان -أكثر من أي من جاراتها- وأثقلت سياستها في السنوات الأخيرة الجدل حول عدم المساواة".
ويشير التقرير إلى أنه على عكس الطبقة التي تملك بيتا ثانيا، فإن الكثير من الأوروبيين يواجهون قضاء أسابيع الحجر في مساحات ضيقة، والبعض فقد عمله في الوقت الذي يستمر فيه الآخرون في العمل، وأحيانا بقليل من الحماية، في وظائف أجورها قليلة، مثل عمال السوبر ماركت والتوصيل، التي تشمل مهامها الاتصال بالناس.
ويذكر الكاتبان أن الحكومة الفرنسية حثت في البداية المواطنين على العمل من البيت لإبطاء انتشار الفيروس، إلا أنه بسبب خشية الحكومة أن يرفض الناس الذهاب للعمل بسبب الخطورة على الصحة، فإن وزير المالية برونو لي مائير، حث الموظفين كلهم على القيام بـ"الأنشطة الضرورية لإبقاء البلد تعمل، فعليهم أن يذهبوا إلى أعمالهم".
وتورد الصحيفة نقلا عن السكان المحليين والباريسيين على الجزيرة، قولهم إن سكان المدن الذين وصلوا إلى الجزيرة ذهبوا مباشرة إلى الشواطئ، وشوهدوا يتفسحون ويمارسون ركوب الأمواج والعدو وركوب الدراجات الهوائية، مشيرة إلى أنه تم الانتقام منهم بخرق إطارات عدد من السيارات التي تحمل لوحة تسجيل باريس.
وينقل التقرير عن فريدريك بوكارد، (47 عاما) ويعمل مزارع محار: "إن تصرفهم كان غير مقبول.. إن الأمر كان وكأنهم في إجازة"، فيما قالت كلود غورود، (55 عاما)، وهي من سكان الجزيرة: "كان يجب علينا إغلاق الجسر قبل أسابيع".
ويفيد الكاتبان بأن الكثير في إيطاليا، وهي الدولة ذات العدد الأكبر من الإصابات والوفيات، هربوا إلى الجنوب من الشمال، وهي المنطقة التي فرض فيها الإغلاق أولا، مشيرين إلى أنه بالرغم من غياب أرقام أكيدة، فإن العديد من المسؤولين في الجنوب نسبوا انتشار العدوى إلى ذلك التدفق.
وتورد الصحيفة نقلا عن عضو المجلس الإقليمي في صقيلية لشؤون الصحة، روغيرو رازا، قوله الأسبوع الماضي على التلفاز، بأن العديد من الإصابات الجديدة في صقيلية - 846 حالة في ذلك اليوم فقط- سببها تدفق 40 ألف شخص من مناطق أخرى.
ويشير التقرير إلى أنه في إسبانيا، قام رئيس الوزراء السابق، خوسي ماريا أزنار، بحزم أمتعته للذهاب إلى الفيلا الخاصة به في ماربيلا، التي هي منتجع سياحي على البحر الأبيض، حيث يمتلك فيه المشاهير فللا، وغادر مدريد في اليوم الذي تم فيه إعلان إغلاق المدارس والجامعات، وأثار هذا غضبا على منصات التواصل الاجتماعي، وتمت المطالبة بمراقبة أزنار وحجزه داخل فيلته.
ويلفت الكاتبان إلى أن السلطات في ألمانيا نصحت الناس بعدم الذهاب إلى بيوتهم الثانية، وفي ولاية ماكلنبيرغ – فوربوميرن الشمالية، حيث راقبت الشرطة الحدود، منع المسؤولون الناس استخدام بيوتهم الريفية إلا إذا جاءوا للعمل.
وتنوه الصحيفة إلى أنه تم توجيه الفنادق في ألمانيا للإغلاق، لكن فندق سونيبتشل الكبير في سفوح الألب في بافاريا حصل على استثناء من الإغلاق، فهو يستضيف ملك تايلاند، الملك ماها فاجيرالونغكورن وحاشيته، مشيرة إلى أن الملك يتردد كثيرا على بافاريا، ويملك فيلا على بحيرة في توتزنغ، جنوب غرب ميونخ.
ويذكر التقرير أن رئيس الوزراء في اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، أعلن الإغلاق العام الأسبوع الماضي، بعد أن أهمل سكان المدن مناشدته بالبقاء في البيت وفروا إلى القرى والجزر، التي ليس بإمكانها التعامل مع حالات فيروس كورونا إن وصلت.
ويشير الكاتبان إلى أن عمداء عدة جزر في بحر إيجة طالبوا الحكومة بمنع انتقال الناس من الأراضي الرئيسية إلى الجزر، ووصف مكتب عمدة جزيرة ميلوس القادمين الجدد "بحصان طروادة الذي يمكن أن ينشر الفيروس في المجتمع"، لافتين إلى أن دولا أخرى -بما فيها بلجيكا والنرويج وكرواتيا- قامت بمنع الناس من الذهاب إلى بيوت الإجازات خلال فترة الحجر.
وتستدرك الصحيفة بأنه بالرغم من أن العديد من الأثرياء الفرنسيين يملكون بيوتا ثانية، ما يزيد من خطر نشر الفيروس، فإن الحكومة لم تفرض قيودا على الوصول إليها، مؤكدة أن لفرنسا تاريخا طويلا في الهروب من العاصمة خلال الأوقات الصعبة، حيث كان تفشي الطاعون والكوليرا سابقا، وكانت النخبة تفر من باريس إلى الريف خلال المشكلات السياسية.
وينقل التقرير عن الاختصاصي الاجتماعي في المركز القومي للأبحاث في باريس، جان فيارد، قوله: "لطالما كانت النخبة الاجتماعية تضع رجلا في المدينة والأخرى في الريف.. ويتركون المدينة في أوقات انتشار الأوبئة، وكانت تلك دائما هي القاعدة"، وأضاف قائلا إن فيروس كورونا ينتشر في أنحاء فرنسا بعد أن أثبتت حركة "القمصان الصفراء" الانقسام التاريخي بين باريس وبقية البلد.
ويورد الكاتبان نقلا عن عمدة نورموتير، فوشر، قوله إنه يتساءل عما إن كان تساهل الحكومة الفرنسية تجاه بيوت الإجازات يعكس "رغبة في تخفيف الضغط عن باريس"، حيث المستشفيات مكتظة بالمرضى المصابين بالعدوى، مستدركا بأن نورموتير ليست فيها مرافق لعلاج الحالات الخطيرة، حيث أقرب وحدة طوارئ تبعد 25 ميلا.
وتنقل الصحيفة عن الدكتور فارتانيان، قوله إن من المبكر الربط المباشر بين الحالات التي ظهرت في الجزيرة والقادمين الجدد، "من المعروف أن الفيروس لا ينتقل بنفسه لكنه ينتقل مع الناس".
وبحسب التقرير، فإن التقارير الإخبارية، في 16 آذار/ مارس، عن اغلاق وشيك، أدت إلى فرار عشرات آلاف البارسيين، فاكتظت محطات القطار بالمسافرين، بحسب خطوط السكة الحديدية الفرنسية.
ويورد الكاتبان نقلا عن عمدة الدائرة، دانيالا غيازي، قولها إن أصحاب السيارات شوهدوا يحملون أمتعتهم في سياراتهم، خاصة في المناطق الثرية، مثل الدائرة 16، حيث يعتقد أن 15 إلى 20% من سكانها غادروا.
وتقول الصحيفة إن التوتر كان عاليا في الأيام القليلة الأولى التي وصل فيها الباريسيون إلى الجزيرة، مشيرة إلى أنهم عندما لم يكونوا يتزلجون على الماء كانوا يشترون كميات من الطعام.
ويشير التقرير إلى أن السكان يذكرون أن إحدى القادمات من باريس غادرت مخبزا ومعها عشرون رغيف خبز فرنسيا، وفي سوبر ماركت أغذية عضوية، قام أحد القادمين من باريس بشراء كميات من طعام القطط العضوي، فيما قام شخص آخر قادم من باريس بشراء ما قيمته 325 دولارا من الأطعمة، لافتا إلى أن السكان المحليين والباريسيين تصارعوا على الخضار الطازج الذي وصل في العاشرة صباحا.
وينقل الكاتبان عن مدير إحدى أسواق السوبر ماركت، ويدعى إيزيس ريننغر، قوله: "دافعوا المشرف على الخضار وهم يحاولون الوصول من أول رأس كراث إلى أكبر رأس كراث".
وتستدرك الصحيفة بأن الأمور تحسنت بعد تطبيق القوانين، بحسب العمدة، فهناك طائرة هيلوكبتر تطير على ارتفاع منخفض لفرض الحظر على الشواطئ، وتخبر الشرطة على الأرض عن المخالفين، فيما أصدرت الدوريات على الأرض 50 تحذيرا للمخالفين.
ويلفت التقرير إلى أن بروس كيلي، وهو أمريكي من كونيتيكت، قام هو وزوجته الفرنسية بالذهاب بسيارتهما من باريس إلى بيتهما الثاني في الجزيرة، لكنهما حرصا ألا يستخدما سيارتهما التي تحمل لوحة تسجيل من باريس.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول كيلي، البالغ من العمر 59 عاما: "مغادرة البيت فعل أناني، وهو ما يدور في ذهننا معظم الوقت إلى حد ما.. لكن ما هو قاس هو منعنا من الوصول إلى الشاطئ، مع أنه لا يبعد عن بيتنا سوى 200 ذراع، ولا يوجد أي شخص هناك".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)