هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كان النصف الأول من القرن الـ 17 عهد الصراع بين البرلمان والملك مع وصول عائلة ستيوارت للحكم ممثلة بجاك الأول الذي حاول أن يضفي على مُلكه حقا إلهيا كان من نتيجته احتدام الصراع مع البرلمان الذي جُمد طيلة سبع سنوات (1614- 1621).
تشارلز الأول
عشية موت الملك جاك الأول وتسلم ابنه تشارلز الأول الملك، كانت الحرب الأهلية وشيكة الوقوع، فقد كان هناك معسكران يقفان وجها لوجه: الملك والكنيسة الأنجليكانية والجامعات من جهة، والبرلمان والطهريون من جهة ثانية.
في صراعه مع البرلمان، قام الملك بسجن أكثر من سبعين نائبا، غير أن حاجته لموافقة البرلمان على منحه الأموال اللازمة لمحاربة إسبانيا دفعته إلى إطلاق سراح النواب والموافقة على عريضة الحقوق عام 1628، PETITION OF RIGHTS، التي فرضها البرلمان، حيث كانت أول وثيقة دستورية بعد الشرعة الكبرى MAGNA CARTA، تضمن الحريات الفردية ضد التعسف.
ولم تمض 12 سنة حتى انقلب الملك على هذه العريضة، فقام في عام 1640 بحل البرلمان، واستمرت سطوة الملك على البرلمان حتى نهاية الأربعينيات.
اندلعت الثورة البيوريتانية عام 1642 بقيادة الجنرال كرومل بمساندة من الجيش والبرلمان ضد الملك تشارلز الأول.
هزم الملك وأسر من قبل جيش الطهريين أو أصحاب الرؤوس المستديرة، ثم حكم عليه وقطع رأسه عام 1649، وتأسست الجمهورية، لحكم كروميل لمدة أربع سنوات بمساعدة برلمان عاجز، قبل أن يكرس أخيرا دكتاتوريته هو الآخر.
إلى جانب الصراع السياسي بين تشارلز الأول من جهة والبرلمان والأرستقراطية من جهة ثانية، كان ثمة صراع ديني مستمر منذ الملك هنري الثامن في القرن الـ 16 وابنتيه ماري تيودور وإليزابيت.
أحيا تشارلز الأول التسامح الديني خصوصا مع الكاثوليك، وكان زواجه من هنرييت شقيقة الملك الفرنسي لويس الثالث عشر، يعني تقاربا مع فرنسا الكاثوليكية.
شكل هذا التقارب خوفا لدى البرلمان البروتستانتي، ثم ازداد الخوف أكثر مع محاولة الملك فرض كتاب الصلوات.
لا يمكن فهم تحركات الأطراف المتصارعة في تلك الفترة إلا من خلال معرفة أهمية الدين في هذا الصراع، فـ كروميل على سبيل المثال، كان يميل إلى الجانب اللوثري في العقيدة غير المنفصلة عن تعاليم التوراة.
وليست مصادفة أن يقرأ كروميل الإصحاح السادس والسابع والثامن من سفر القضاة المتعلق بالمزارع جدعون الذي دعاه الله إلى قيادة جيوش إسرائيل والانتصار على أعدائها وقتل ملوكهم.
كان المشهد الديني منقسما بين كاثوليكية ضعيفة تطالب بالتسامح الديني، وتيار يدافع عن حق الملك في تحقيق التسامح مع الأقليات الدينية، وتيار أنغليكاني مهيمن لا يفصل بين الديني والسياسي، بحيث يجب أن يكون الدين مطابقا لهوية الدولة، وتيار آخر جاء من شمال أوروبا القارية واخترق الساحة الإنكليزية يدعو إلى الحرية الدينية (المعمدانية).
لقد وصُفت الحرب الأهلية الإنكليزية (1640- 1660) بأنها ثورة قديسين كانت فيها النزعتان التدخلية والراديكالية السياسية تعدان مثل واجب ديني.
تشارلز الثاني
في عهد تشارلز الثاني (1630- 1685) حصلت عودة إلى نوع من التسامح الديني عبر مراسيم ملكية، لأنهما مالا إلى الكاثوليكية.
لكن انتخابات عام 1679 التي فاز بها الليبراليون الويغز أججت الصراع من جديد بسبب رفضهم لتسامح الملك مع الكاثوليكية التي قد يهدد إعادة انتشارها الملكية.
كان ولي العهد جيمس الثاني كاثوليكيا، وتم إجباره التخلي عن كاثوليكيته قبيل وصوله إلى العرش، قدم زعماء الـ ويغز مرسوما عرف بقانون الإقصاء رمى إلى منع تتويج ملك لا يدين بالبروتستانتية.
اعتلى جيمس الثاني عرش إنجلترا عام 1685 وأخذ يعين الكاثوليك المقربين في مناصب عليا، وألب عليه كبار رجال الكنيسة الأنغليكانية حين عين رجال دين كاثوليك في مناصب كنسية رفيعة
ومنذ هذه اللحظة، لم يعد صراع آل ستيوارت ذا طابع حزبي مع الـ ويغز وحدهم، بل أصبح شاملا، وازدادت الأزمة تفاقما مع ولادة ابن لـ جيمس الثاني، فقد عنى ذلك قيام سلالة ملكية كاثوليكية في أرض بروتستانتية.
توحد الجهود والأهداف بين البرلمان والأرستقراطية والجيش والتيارات الدينية الجديدة على ضرورة إبعاد آل ستيوارت عن العرش.
استعرت المعركة البرلمانية حول قضية استبعاد جاك من وراثة العرش، وصوت مجلس العموم بالموافقة على هذا الاستبعاد، لكن مجلس اللوردات رفض ذلك نهاية 1680.
تاريخ التميز المشهور بين التوريز والويغز يعود للصراع الحزبي القاسي، والمعقد الذي ظهر آنذاك، فالأوائل كانوا محافظين ومعادين للاستبعاد ومناصرين لتوسيع الامتيازات الملكية، أما الآخرون، فكانوا أحرارا ومؤيدين للاستبعاد، ومدافعين عن حقوق البرلمان في وجه الملك.
الثورة المجيدة
وصل دوق يورك المعروف باسم جاك الثاني -آخر الملوك الرومان الكاثوليك- إلى عرش المملكة عام 1685 رغم جميع المؤامرات ضده.
حين رزق جاك الثاني عام 1688 بابن من زوجته الثانية الإيطالية والكاثوليكية، بدا أن الكيل قد طفح، فقد كان الأمل معقودا حتى ذلك الحين، على ولادة وريث بروتستانتي، لأن الملك لم يكن له من زواجه الأول إلا ابنتان هما ماري وآن، البروتستانتيتان والمتزوجتان من أميرين بروتستانتيين.
الولادة الجديدة قتلت هذا الأمل، وفتحت أفقا مكروها لوريث كاثوليكي، أي حل يمكن اعتماده ضد هذا الأفق، إن لم يكن اللجوء إلى أحد الصهرين، وهو غيوم دورانج، حاكم هولندا وزوج ماري البروتستانتي؟
لقد وافق هذا على التدخل بعدما استدعي لذلك من طرف الأنغليكانيين وغير الأنغليكانيين، ومن طرف التوريز والويغز، ونزل على الشاطئ الإنكليزي مع جيشه في نوفمبر 1688، حيث استقبل كمحرر، وقد كتبت على أعلامه: من أجل الحرية، من أجل البرلمان، من أجل الدين البروتستانتي.
أصبح غيوم وماري، بصفة مشتركة ملكين على إنجلترا في فبراير 1689 بعد أن وافق على إعلان لائحة الحقوق BILL OF RIGHTS التي صاغها البرلمان على غرار الشرعة الكبرى، وعريضة الحقوق، إنه انتصار الملكية التعاقدية والبرلمانية على الحق الإلهي والحكم المطلق، وانتصار البروتستانتية على الكاثوليكية.
بعد هذه الثورة أصبحت الدولة أكثر استعدادا لقبول مجددين ومخالفين باعتدال للأرثوذكسية الأنغليكانية، مثل الكنيسة المشيخية، ومنح قانون التسامح لعام 1689 بعض الامتيازات المحدودة للبروتستانت المؤمنين بالثالوث، ممن يخالفون الأنغليكان في هذا المبدأ، ولو كانوا خارجين عن الأنغليكانية باعتدال.
هذا المسار التاريخي وما رافقه من بناء النظام السياسي تطابق مبكرا مع تحديد نموذج للشرعية مخصص لوضع حدا للحكم الملكي المطلق، وهو الذي حال دون تحويل الثورة الإنكليزية إلى اتخاذ مسار عنيف على غرار الجارة فرنسا.
ومع كل تمفصل تاريخي كان السادة النبلاء يحصلون على صلاحيات ودور أكبر، ومنذ القرن الـ 13 اضطر الملك إلى تشكيل محاكم للعدل تابعة للدولة إلى جانب محاكم العدل التابعة للأسياد، مع الاحتفاظ للأخيرين بإدارة الشؤون المالية والعقارية، أي أن الأسياد استطاعوا تثبيت سيطرتهم الإدارية والاقتصادية قانونيا وليس فقط واقعيا.
وهكذا حدث تقسيم للعمل السياسي: الأسياد يتكفلون بوظائف الحكومة المحلية في الأطراف، وبرلمان يأخذ على عاتقه تمثيل هذه الأرستقراطية في المركز، وبذلك تشكل مجال سياسي في إنجلترا عبر صلات تدريجية بالمجتمع، وهو الميل الذي يعني في الشؤون الاجتماعية إيثار الإصلاح على الثورة حسب برتراند رسل.