قضايا وآراء

صحة الإيرانيين في ميزان إنسانية الأمريكان

محمد موسى
1300x600
1300x600
كثيرة هي العدوات بين مختلف الدول عبر التاريخ القديم والحديث، من عداوة اليونانيون والفرس الى عداوة الفرس والرومان، إلى العداوة بين الإسلام وإمبراطورية كسرى، وصراعات متنوعة بين اليونان والأتراك العثمانيون والحرب الباردة بين الدب الروسي و"الكاوبوي الأمريكي" في القرن المنصرم، وصولا إلى توقيع المعاهدات بين الطرفين للحد من الأسلحة الباليستية والنووية والجرثومية والتي مؤخرا حلت من عقلها ولعق الأمريكي توقيعه عنها والتزامه بها عبر الانسحاب من اتفاقية معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. ففي 2 آب/ أغسطس 2019، وبمبادرة من الجانب الأمريكي، تم إنهاء المعاهدة بين اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية والولايات المتحدة الأمريكية حول حظر صواريخها المتوسطة وقصيرة المدى، الموقعة في واشنطن في 8 كانون الأول/ ديسمبر من العام 1987.

وفي خضم الصراعات والنزاعات كانت الحرب الإيرانية- الأمريكية منذ قيام الثورة الإيرانية نهاية السبعينيات، والتي اتخذت أشكالا متعددة، بشكل مباشر وغير مباشر، وأساليب متعددة تارة دبلوماسية وعسكرية تارة أخرى، ومناطق نفوذ متعددة من اليمن السعيد، حيث الحوثيين الى أرامكو السعودية والاشتباه بدور إيراني في الاعتداء عليها في عام 2019، إلى العراق حيث العجز عن تأليف حكومة بين الفريقين المتناحرين، مرورا بالشام حيث تسعى أمريكا عبر روسيا وتركيا والإسرائيلي إلى تقليص الدور الإيراني، وصولا إلى بيروت حيث الاشتباك القائم على دور الأمريكان في خروج العميل الإسرائيلي العمالة الأمريكي الجنسية عامر الفاخوري، أو دور الإيرانيين في بقاء صالات مطار رفيق الحريري الدولي مفتوحة أمام طائرات طهران التي كانت حالات فيروس كورونا متفشية فيها، حتى قال أحد المعلقين إن "نفوذ إيران أقوى من نفوذ فيروس كورونا في لبنان".

وانطلاقا من فيروس كورونا الذي اجتاح العالم من أقصاه الى أقصاه، وجعل الكوكب برمته يرتدي كمامة الوقاية من المرض من جهة وهز عرش الاقتصاد العالمي وأسواقه من جهة أخرى، وبتنا نستشرف أزمة اقتصادية أكبر من أزمة الكساد الكبير 1929 وأزمة الأسواق العالمية 2008، وما من دليل أكبر من تخصيص مجموعة العشرين ما يقارب الخمسة تريليونات دولار لمواجهة قساوة الأزمة على الجميع لا سيما الدول النامية والفقيرة.

في هذا الظروف دخل كورونا بقوة إلى العلاقة بين الدولتين ليس بعدد الحالات الهائلة والمتفاقمة من طهران إلى نيويورك، بل بالحرب الكلامية والإجرائية والتي أخذت مداها إلى أبعد حد، وصولا إلى اللعب بصحة الإيرانيين، حيث اتهم وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الولايات المتحدة بأنها تتفاخر بقتل أبناء بلاده عبر مواصلتها سياسة العقوبات ضد إيران حتى في ظروف وباء كورونا. وكتب ظريف على صفحته في "تويتر": "إدارة الولايات المتحدة تبتهج وتتفاخر بقتل مواطنين إيرانيين في عيد نوروز، عيد رأس سنتنا الجديدة". وتابع الوزير قائلا إن البيت الأبيض ينقل سياسته للضغوط القصوى إلى مستوى منقطع النظير من اللاإنسانية، بما تحمله في طياتها من الازدراء التام بالحياة البشرية وختم ظريف بالقول إن رسالة إيران إلى الولايات المتحدة هي: سياستكم سوف تجلب لكم العار الدائم، لكن إيران لن تستسلم. كذلك فقد اتهم المرشد الإيراني علي خامنئي إن الولايات المتحدة هي العدو الخبيث لإيران وقادتها محتالون وإرهابيون، لافتا إلى أنّ ادعاء أمريكا تقديم المساعدة لإيران في مكافحة فيروس كورونا أمر عجيب في ظل النقص والمشاكل التي تعانيها هي في مواجهة هذا الفيروس. وأضاف أنه "في حال صحت الاتهامات الموجهة لأمريكا فإنها تريد من خلال عرضها تقديم المساعدة لإيران الاطلاع عن قرب على آثار الفيروس على المرضى الإيرانيين"، مضيفا: "من الممكن أن تعمل الولايات المتحدة على إرسال دواء إلى إيران يعمل على تكريس الفيروس فيها وليس علاجه".

في المقابل، قال وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو: "لقد كذب خامنئي بشأن فيروس ووهان"، مشيرا إلى دور صيني في انتشار الفيروس. وقال إن خامنئي يضع حياة الناس في خطر، مشيرا إلى أن "الفبركات" الإيرانية عرضت الشعب الإيراني والشعوب الأخرى حول العالم لـخطر عظيم.

وأضاف بومبيو قائلا إن النظام الإيراني رفض مساعدة أمريكية للتعامل مع الجائحة، وقال عن ذلك: "رفض خامنئي هذا العرض لأنه يعمل بلا كلل على اختراع نظريات المؤامرة واعتبار الأيديولوجيا أولوية على حساب الشعب الإيراني". وكأني بالسيد بومبيو يحرض الإيرانيين على النظام القائم في طهران، مدللا بأن الفيروس وانتشاره صيني الهوى والمنشأ، وغامزا بأن وصول الوباء مرده الى العلاقات الإيرانية الصينية المتميزة والتي كان آخرها المناورات الصينية- الروسية- الإيرانية.

وكخاتمة لهذه المقالة وبعيدا عن السياسة المقيتة بكافة تفاصيلها بين الدولتين، ونحن نرى أرقام المصابين تفوق النصف مليون إصابة عالميا، ولا سلامة لا لإيران ولا للولايات المتحدة من الوباء، ومع عدد الوفيات التي تقارب 5 في المئة من عديد المصابين حول العالم، حبذا لو أن القادة في الجمهورية الإسلامية يجدون آلية تواكب المتغيرات الحاصلة في العالم دونما كبرياء وبروح التضحية لأجل ايران الحضارة عبر التاريخ، ولأجل المواطن الإيراني البسيط الذي يحتاج الدواء والغذاء لكي يستمر.

وليت الإدارة الأمريكية تعدل مقاربتها لأزمة كبرى بحجم وباء كورونا، بعيدا عن الأيديولوجيات في سبيل الإنسان أينما كان، لا سيما في إيران، فإنه وللحق لا شيء يعدل قيمة الإنسان في كل الأديان والقيم والمبادئ السامية، وحسبنا نقطف من صلاح الدين الأيوبي مقدرته على تطبيب عدوه.

إن الحقيقة تقول إنه من أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا، لذلك حبذا لو نرى تنازلات من كل الأطراف في سبيل الإنسان. إن القيم الأمريكية تتغنى بالقيم التي محورها الإنسان، لذا لا بد من تعديل النظرة الأمريكية للوضع الإنساني في إيران بشيء من الحلحلة إن كان عبرهم أو عبر حلفائهم، أو بغض الطرف عن العقوبات على الإيرانيين في سبيل الإنسانية أولا وأخيرا، لأن التوصيف الحقيقي للأزمة القائمة يقول إن صحة الإيرانيين في ميزان إنسانية الأمريكان.
التعليقات (1)
adem
الجمعة، 27-03-2020 11:51 م
جميل جدا لو تبدأ حكومة الملالي بالنظر بانسانية إلى معاناة السوريين و توقف إجرامها هنالك حتى تكون قدوة فتعامل بالمثل .