زعموا أن منظمة اليونسيف أوصت بوصايا، تبرأت منها ونفتها، لكني وجدتها طريفة وأعدت صياغتها نكاية بالوباء والموبوئين إلى يوم الدين:
قالت الوصية الأولى إن فيروس
كورونا عريض المنكبين، ولا "يخشُّ" في مسامات القماش، فلا تجورنَّ على نفسك وتنتحر خنقاً.
- فيروس كورونا قصير العمر يا طويل العمر، لا يعيش في اليدّ سوى عشر دقائق، لذلك احتفظ بقارورة الكحول في جيبك، لكن لا تشربها، الكحول كلمة عربية أصلها الغَول، والغَول لا يشرب ولا يؤكل، مسلوقا أو مقليّا، يضرُّ في الدنيا بالعقل والكبد، ويُسوِّد في الآخرة كبد صحيفة الجلاء الدنيوي.
- عند سقوط الفيروس على سطح معدني، لا تنكسر رأسه، هو ضد الصدمات ويطول عمره إلى نصف يوم، قلنا إنه لا يعيش سوى عشر دقائق في اليد، لكنه يعيش نصف يوم على الشجرة، ويجزيه غسل اليد بالماء والصابون خير الجزاء. لا تنس أن تغسل يديك مدة ثلاثين ثانية على الأقل، ويفضل أن تغسلهما مدة ساعتين، وأن تغني ليديك "سنة حلوة يا جميل" ويفضّل الوضوء، صلِ ركعتين، حتى إن متّ تموت شهيداً.
- الفيروس يعيش عمراً أطول على الأقمشة، ويمكن الإجهاز عليه، وصرعه بتعريضه للتعذيب تحت الشمس، من غير أن تدعوه لفنجان قهوة وسكتة قلبية على الطريقة السورية.
- النظافة هي صمّام الأمان، وليس السيّد الرئيس (ملاحظة: اليونسيف لا يهمها أمر الرئيس، طبعا ما يهمها هو أمر كورونا).
- الفيروس ليس من الكائنات الطائرة، فهو لا يستقرُّ في الهواء، بل يسقط على الأرض ويزحف زحفاً غير أخضر.
- يموت الفيروس في الدفء، في درجة حرارة كذا... لكن
الوصايا المنسوبة للمنظمة البريئة دعت إلى عدم توفير الرعاية له بالعناق والحنان، قل وداعاً للحب والوصال، الدفء جيد لكن ثمة خوف من العدوى.
- لتكن التحية الجديدة على الطريقة التركية بوضع اليد على الصدر، التحية اليابانية جيدة لصحّة الظهر، لكن فيها شبهة ركوع، ونحن لا نركع سوى لله.
- تغرغر بالماء المالح، من غير خبز، حتى لا يصير بينك وبين الفيروس خبز وملح فيصير لك أخاً، والأخ يقتل أخاه هذه الأيام. وهذه وصية من طبيب عراقي كما زعموا، وهي مفيدة للرشح والله أعلم.
- تفاءل، الفيروس يغتال اليائسين، بطعنة في الصدر. وهذه هي الوصية الوحيدة الناجية من الكذب وهي من عندياتي.
- صف ذا ثنا دم طيبا زد في تقى ضع ظالما. وهذه وصية رائعة وهي من عند كاتب السطور الناجي من الساطور.
وصايا أخرى:
وجد كاتب هذه السطور، بعد سماع عشرات التقارير العلمية وقراءة مقالات كثيرة، أربع نصائح من العسل مغلفة بالسمِّ الإنساني، تجنباً لوباء كورونا، لا نوصي بها أبدا.
الأولى: هو أن تتعامل مع الآخرين، كل الآخرين، كما لو أنك من طبقة البراهمن الهندية والعياذ بالله، وهي من أرفع الطبقات العنصرية. وطبقات الهندوس هي بالترتيب حسب الأحرف العنصرية: البرهمن والكشاتريا والفايشيا والسودرا.
وأن تتعامل، مع أهلك كما لو أنهم من طبقة الكاشاتريا، لو كان فيك رحم ورحمة، ومع الناس كما لو أنهم من طبقة الداليت، وهي غير مذكورة في هذا السلم الطبقي، فهي طبقة في القبو، هي طبقة منبوذي المنبوذين.
الثانية: وجدت بعد تفكير وتقدير وضرب أخماس بأسداس أن تبلة الفول من الثوم وحبة البركة والعصفر مفيدة.
الثالثة: نصائح طبية عالمية تنصح بخلع الأحذية عند عتبة الباب، أمسى الألمان يقلدوننا عزيزي القارئ، وننتظر أن يتبعونا في طرق الاستنجاء حتى نبلغ ضفة النجاة.
الرابعة، أو "الراعبة": لا تشرب بول البقرة.. بول البعير مفيد لكنه لا ينفع مع كورونا، وقد ينفع لكن ليس لكورونا.
الخامسة: من لزم داره فهو آمن، أما بيت الله فقد منع عنه الحجاج السُجد الركع، وهذا حسن، إن جرى بتقدير واحترام وإكرام الناس، وإعادة الحجاج إلى بيوتهم. وتحولت دار أبي سفيان إلى مشفى وهذا أيضاً حسن، وقرأت أنَّ طبيبة سعودية أعديت بكورونا فانتقمت الحكومة السعودية الرشيدة من الفيروس بإغلاق المشفى، وقرأنا أنَّ حكومات عربية دكتاتورية تفكر في تسريع الإنترنت لمن عندهم اشتراك في البيت الذي حجر عليهم فيه، وإنَّ بعض الحكومات مسرورة من فيروس كورونا، وهي سعيدة بالتسمية، "فهو كوروهم"، وليس كورونا. واليوم وجدت صوراً لأهلي يحتفلون بالنيروز، وعيد الأم، في يوم واحد من غير مبالاة بكورونا. وذكرت كتب التاريخ أنَّ علياً بن أبي طالب أُهدي الفالوذج في يوم النيروز فقال: نوروزونا كل يوم. لكنه لم يقل كورونونا.
الكرنتينا وكورونا لفظان: أصلهما عربي
الكرنتينا لفظ إيطالي، ويعني أربعين يوماً، وهي مدة الحجر التي فرضها الإيطاليون على سفينة موبوءة، ومنها كوارتر وهي الربع، وأظن أنَّ أصلها قرنطة وهي كنية سريانية، والسريانية أخت العربية، وأصل اللفظ هو القرن، والقرنة، وهي الزاوية، والزاوية لها أربعة أضلاع، والقرنة تعني القليل.
وقد ذكّرني فيلم "الجحيم" بالكرنتينا وتعني الحجر الصحي، والفيلم من تأليف دان بروان، وبطولة توم هانكس، الذي أصيب بكورونا. الجميع متدينون في الفيلم إلا بطل الفيلم روبرت لنغدون الذي يقول إنَّه لا يفهم الله.. الإيمان هدية من السماء، وهذا كلام طيب يوافق القرآن الكريم، "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَ?كِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ". الصديق المذيع محمود الزيبق يهتم مثلي بأصل الألفاظ، أو أني أهتم مثله بأصل الألفاظ، وكلانا نأتسى بعلي فهمي خشيم وأحمد الشدياق ونحن تلاميذهما، وهما معلمانا. ورأيت أنَّ أصل لفظ الكارنتينا عربي، وكنت أعرف كورونا قبل أن تصير فيروسا شهيرا، من غير أن "يخشَّ" مسابقة سوبر ستار، له شجرة عائلة تمتد من السارس و"كوفيد- 19" ويمكن أن نسمي السيسي: "مبارك 2"، وحفتر "القذافي- 19"، وقيس سعّيد "أحمد سعيد- 9".. وهكذا..
ظاهرة الهالة الكهربائية:
في علم الكهرباء، هناك ظاهرة اسمها كورونا، وتسمّى في خطوط النقل الكهربائية بالهالة أيضا، وفي الحديث الشريف": اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور". قال الإمام السندي في حاشيته: "والكور لفُّ العمامة وجمعها والحور نقضها، والمعنى الاستعاذة بالله من فساد أمورنا بعد صلاحها كفساد العمامة بعد استقامتها. والعمامة هالة، والعمائم تيجان العرب.
وقد تنوعت الفتن في هذا العصر، وظهرت فينا الأدواء التي لم تكن من قبل، ومنها السرطان والسكتة القلبية والإيدز، ثم جاء كورونا، سيِّدها وتاجها، ثم دارت الأيام وبلغت الفردية الأوربية أوجَّها، وصار العالم قرية صغيرة مختارها أمريكا، ثم خلف مختار أمريكا فيروس حقير، دون البعوضة في الصغر ويعلوه في الحقارة. قال الله في البعوضة وهي من مخلوقاته العجيبة: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا"، أي فما دونها. حوّل الفيروس الحقير العالم إلى بيت صغير، حبسنا فيه، فاعتبروا يا أولي الألباب، واغسلوا قلوبكم قبل أيديكم إلى المرافق.
الوصية الأخيرة صحيحة.