هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يراوح الهجوم الذي يشنه اللواء المتقاعد خليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس مكانه، دون أن يتمكن من اختراق أي من جبهات القتال، بفعل حالة التوازن التي أحدثها التدخل العسكري التركي لدعم قوات حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.
وبعد نحو عام من بدء حفتر، مغامرته للسيطرة على طرابلس، وصلت الحرب الآن إلى مرحلة التوازن العسكري، بفضل الدعم التركي للحكومة الليبية، الذي وازن الدعم الكبير الذي يتلقاه حفتر من عدة دول وعلى رأسها الإمارات ومصر والسعودية وروسيا بالإضافة إلى فرنسا.
ومرت حرب حفتر على طرابلس بعدة مراحل، ميزتها عدة معارك وأحداث محورية كانت نقاط انعطاف في مسار الحرب طيلة نحو عام، دون أن يحسم أي طرف الأمر لصالحه.
وشكل وصول الدعم العسكري التركي إلى طرابلس، وحصول قوات الوفاق على أنظمة دفاع جوي، صدمة لحفتر، وأفقده تفوقه الجوي، كما أن تعزيز قوات الوفاق بأسلحة نوعية ومقاتلين مدربين، أوقف التقدم السريع لمرتزقة شركة فاغنر الروسية، الذين أحدثوا فرقا في ساحة المعركة.
الدعم الخارجي لحفتر
لم يطلق حفتر هجومه على طرابلس، في 4 نيسان/ أبريل2019، بالتزامن مع زيارة الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش إلى ليبيا، إلا بعد تلقيه دعما ماليا وعسكريا ودبلوماسيا، خاصة من السعودية ومصر وفرنسا، لكن الدعم الأكبر والشامل كان من الإمارات.
فقبل أقل من 10 أيام من إطلاق هجومه على طرابلس، التقى حفتر العاهل السعودي الملك سلمان، وولي عهده محمد بن سلمان، وقالت وسائل إعلام بينها "وول ستريت جورنال"، أن الرياض تعهدت بدعم حفتر بعشرات ملايين الدولارات لتمويل حملته على طرابلس.
اقرأ أيضا: مبادرة ليبية تطالب بمواجهة "كورونا" بدلا من الصراع العسكري
على الأرض، تمكن حفتر من استمالة عدة كتائب وقبائل موالية لحكومة الوفاق لصالحه، وهو ما يفسر دخوله مدينة غريان (100 كلم جنوب طرابلس) بدون قتال وكذلك الأمر بالنسبة لمدينتي صبراتة وصرمان (70 كلم غرب طرابلس)، أما كتيبة الكانيات (اللواء السابع) بمدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)، التي وقّعت اتفاقا مع حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، بعدم مهاجمة طرابلس عقب معارك 2018، فنكثت عهدها وانضمت إلى حفتر.
وغير مستبعد أن يكون "المال الخليجي" لعب دورا في تغيير مواقف بعض المدن والقبائل الليبية، ناهيك عن تمويل عمليات تجنيد المرتزقة الأفارقة والروس.
السيطرة على المطار القديم
على الرغم من أن مطار طرابلس الدولي (25 كلم جنوبي العاصمة) خرج من الخدمة بعد معارك 2014، إلا أنه يمثل نقطة استراتيجية في إدارة المعارك بالمحاور الجنوبية للعاصمة، حيث يقع في ربوة مرتفعة، ومن يسيطر عليه تصبح منطقة قصر بن غشير، جنوبي العاصمة، مكشوفة له.
كما يمكن استخدام المطار القديم كمنطقة تحشيد، ومهبط للطائرات العمودية والطائرات المسيرة، ومنذ بداية الهجوم سعت قوات حفتر للسيطرة عليه وكانت المعارك سجالا بينها وبين قوات الوفاق، قبل أن تتمكن من تثبيت سيطرتها على المطار، رغم محاولات كثيرة لقوات الوفاق لاستعادته.
ويتفرع من المطار القديم عدة محاور أبرزها المحاور الشمالية (طريق المطار والكازيرما) المؤدية إلى وسط طرابلس، والمحاور الغربية (طريق السواني، الرملة، الطويشة) المؤدية إلى كل من حي السواني الاستراتيجي (35 كلم جنوبي طرابلس) والطريق الاستراتيجي الرابط بين السواني ومدينة العزيزية (45 كلم جنوب طرابلس)، والذي يؤدي قطعه إلى وقف الإمدادات عن قوات الوفاق في المدينة الأخيرة.
استعادة غريان
اتخذت مليشيات حفتر من غريان، نقطة ارتكاز رئيسية لإدارة عملياتها في طرابلس منذ اليوم الأول للهجوم، لكن قوات الوفاق تمكنت من تنفيذ هجوم مفاجئ وسريع في 26 يونيو/حزيران 2019، من محورين شمالي وشمال غربي، سبقها هجوم جوي مكثف على مراكز القيادة والتحكم في المدينة، وهجوم لثوار غريان من الداخل (خلايا نائمة).
اقرأ أيضا: مطالبة أممية ودولية بوقف القتال بليبيا خوفا من تفشي كورونا
ومن نتائج هذه المعركة سقوط مركز قيادة عمليات طرابلس في غريان، وسيطرة قوات الوفاق على مهبط غوط الشعال، جنوب المدينة، والذي استخدمته مليشيات حفتر كمهبط للطائرات العمودية والطائرات المسيرة التي كانت تقصف طرابلس، وسقوط منطقة الهيرة شمال شرق غريان، ناهيك عن انكشاف الدعم العسكري الفرنسي لقوات حفتر بعد ضبط صواريخ جافلين الأمريكية المضادة للدروع، والتي اعترفت باريس بملكيتها لها، وتلى ذلك مساءلة البرلمان الفرنسي لحكومة بلاده حولها دورها العسكري غير المعلن في ليبيا، مما أدى إلى تراجع كبير في دعم باريس العسكري لحفتر.
الهجوم على قاعدة الجفرة الجوية
بعد سقوط مركز القيادة الرئيس لقوات حفتر في غرب البلاد، توعدت باستعادة المدينة في ظرف قصير، لكن الذي حدث أن قوات الوفاق شنت هجوما مفاجئا ولأول مرة على قاعدة الجفرة الجوية، وسط البلاد، في 26 يوليو/ تموز 2019.
وتمكنت طائرات الوفاق المسيرة من تدمير طائرتي شحن أوكرانيتين، تستخدم في نقل الذخائر وأنظمة الدفاع الجوي، بالإضافة إلى حظيرة للطائرات بدون طيار، وتحدثت مصادر ليبية عن مقتل 6 ضباط إماراتيين في هذا الهجوم.
وكانت قاعدة الجفرة تستخدم كمركز تحشيد للأفراد والعتاد برا وجوا من الشرق الليبي إلى جبهات القتال في طرابلس ومحيطها، فضلا عن كونها إحدى مراكز السيطرة والتحكم، ونقطة انطلاق رئيسية للطائرات التي تقصف قوات الوفاق، لذلك كانت الضربة موجعة.
وهذا الهجوم دفع حلفاء حفتر للقيام بهجوم انتقامي وقصف مطار مصراتة (200 كلم شرق طرابلس) لأول مرة منذ بدء هجومه على طرابلس.
حلفاء حفتر يتسيدون سماء المعركة
بعد القصف العنيف الذي تعرضت له قاعدة الجفرة الجوية، قامت طائرات يعتقد أنها لدول حليفة لحفتر وعلى رأسها الإمارات، بهجمات كثيفة على مطاري مصراتة ومعيتيقة في طرابلس، بهدف تدمير كامل الترسانة الجوية لقوات الوفاق.
ولم تكتف هذه الدول بقصف حظائر الطائرات المسيرة على الأرض، بل تم إسقاط عدة طائرات منها عبر أنظمة دفاع جوي على غرار "بانتسير" الروسي الصنع، والذي تمتلك الإمارات عدة وحدات منه، خاصة على مستوى ترهونة.
وبعد أن تمكن طيران الوفاق من حرمان حفتر من تسيد سماء المعركة لعدة أشهر رغم فارق القوة الجوية، واجه فيما بعد صعوبات جمة، خاصة بعد الدعم الجوي واللوجيستي الذي تلقاه حفتر من عدة دول.
تدخل مرتزقة فاغنر
في النصف الثاني من 2019، بدأت قوات الوفاق وتقارير غربية ترصد وصول مرتزقة لشركة فاغنر الروسية إلى محيط طرابلس، وسرعان ما تزايدت أعدادهم من عشرات حتى بلغوا مئات، وآخر رقم تحدث عن 2500 عنصر من فاغنر.
واقتصر دور عناصر فاغنر في البداية على صيانة الأسلحة السوفيتية القديمة التي يملكها حفتر، وتدريب عناصره، قبل أن يتورطوا مباشرة في القتال عبر القصف المدفعي المركّز انطلاقا من مناطق خلفية في بلدة سوق السبت (جنوب المطار) مثلا، قبل أن يشاركوا في معارك قنص في بلدة سوق الخميس (45 كلم جنوب طرابلس) وحتى بالقرب من العزيزية.
لكن مع نهاية 2019، أصبح عناصر فاغنر يقاتلون في الجبهات الأمامية، إلى جانب الإسناد المدفعي والجوي عبر طائرات بدون طيار وأيضا أنظمة الدفاع الجوي، التي أسقطت طائرتين مسيرتين إيطالية وأمريكية بمحيط ترهونة.
ورغم استماتة قوات الوفاق في الدفاع عن العاصمة وتشكيلهم حزاما صلبا حول طرابلس، إلا أن تدخل مرتزقة فاغنر بأسلحتهم الفعالة أحدث فرقا في المعركة.
تساقطت عدة معسكرات استراتيجية للوفاق جنوبي طرابلس، في ديسمبر الماضي، على غرار اليرموك وحمزة والتكبالي ومقر رئاسة الأركان، واقتربت مليشيات حفتر ومرتزقتها إلى مناطق حرجة على تخوم الأحياء الشعبية المكتظة بالسكان على غرار حي أبو سليم، بل وأصبحت كامل طرابلس بما فيها مطار معيتيقة وميناؤها البحري تحت مرمى صواريخ غراد التي يتراوح مداها بين 20 و54 كلم.
تركيا تقلب المعادلة
بعد توقيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج، في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على مذكرة تفاهم تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري، تمكنت قوات الوفاق من التقاط أنفاسها خاصة بعد وصول دعم عسكري نوعي لها.
اقرأ أيضا: الغارديان: الإمارات زودت حفتر بخمسة آلاف طن من الأسلحة
ففي 2 يناير/كانون الثاني 2020، شنت قوات الوفاق هجوما معاكسا على المعسكرات التي خسرتها يومي 26 و27 ديسمبر، واستعادت معسكري التكبالي ومقر رئاسة الأركان، ودفعت مليشيات حفتر ومرتزقة فاغنر كيلومترات إلى الوراء، وأعادت تثبيت حزام جديد حول قلب العاصمة.
سقوط سرت
في 6 يناير 2020، وبعد أيام من تلقي مليشيات حفتر لنكسة بطرابلس أوقفت تقدمها، لجأت إلى هجوم ماكر على مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، بعد أن انشقت "الكتيبة 604" السلفية المدخلية عن قوات الوفاق، مما سهل على مليشيات الشرق من دخولها بشكل خاطف.
وقف إطلاق النار
بعد وصول الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق وحدوث توازن عسكري في طرابلس، توافقت أنقرة وموسكو على حث الأطراف الليبية على وقف إطلاق النار ابتداء من 12 يناير، وكان ذلك أول نجاح في تحقيق هدنة، رغم دعوات أممية ودولية سابقة لإنهاء الحرب في ليبيا.
وشكل مؤتمر برلين الذي نظمته ألمانيا برعاية أممية، ومشاركة 12 دولة و4 منظمات دولية، نقطة تحول نحو الاهتمام بالملف الليبي، الذي أصبح يشكل هاجسا لدى العديد من الدول نظرا لتداعياته الخطيرة على أمنها.
معارك المدفعية
رغم الاتفاق على وقف إطلاق النار، إلا أن ميليشيات حفتر واصلت خرقها للهدنة سواء عبر قصف مدفعي وصاروخي على مطار معيتيقة وعلى مينائها البحري أو حتى ضد أحياء شعبية مكتظة بالسكان، في حين غالبا ما ترد قوات الوفاق على هذه الهجمات بقصف مدفعي لتحييد مصدر التهديد، وهذا لا ينفي وقوع عدة اشتباكات عنيفة لكن مؤقتة في عدة محاور.
وأصبحت المدفعية وصواريخ غراد، السلاح الذي فرض نفسه بعد تحييد الطرفين لسلاح الطائرات المسيرة بعد دخول أنظمة الدفاع الجوي بفعالية ميدان المعركة.
وتوازن القوى بين الطرفين واقتناع كل طرف باستحالة الحسم العسكري، سيساعد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لدفع الطرفين نحو التفاوض للتوصل إلى اتفاق، والأهم من ذلك الحصول على ضمانات لتنفيذه.