مقالات مختارة

اعتقالات محمد بن سلمان الأخيرة تكشف ضعف السلطة

مضاوي الرشيد
1300x600
1300x600

تكشف اعتقالات الأمراء رفيعي المستوى عن أن مستقبل الأمير الشاب يقف على أرض متصدعة.

إنه صمت يصم الآذان، ذلك الصمت الذي يمارسه القصر الملكي السعودي إزاء ما نشر من تقارير حول إلقاء القبض على الأميرين الكبيرين أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف ضمن آخرين تم توقيفهم. 

ومع ذلك، فثمة الكثير مما يمكن أن يُقرأ في هذه الخطوة الجريئة التي أقدم عليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. 

يكشف اعتقال مثل هؤلاء الأمراء رفيعي المستوى عن أن مستقبل الأمير الشاب يقف على أرض متصدعة. 

أرض متصدعة
تمكنت المملكة العربية السعودية في تاريخها الحديث سريعا من حسم الخلافات التي نجمت عن تحدي ولي العهد الأمير فيصل لسلطة الملك سعود في مطلع الستينيات من القرن الماضي. ولكن في ذلك الوقت كان فيصل يحظى بمساندة جميع أعضاء الأسرة الملكية تقريبا فيما عدا سعود وأبنائه. 

سارع فيصل إلى عزل سعود وما لبث أن حصل على فتوى من علماء الدين تسمح له بخلعه. 

أما اليوم، فيبدو أن محمد بن سلمان لا يحظى إلا بتأييد والده، بينما يشعر باقي أعضاء الأسرة الملكية، وخاصة من كانوا منهم في الطريق لأن يصبحوا ملوكا، بالعزلة والمهانة، وها هم باتوا الآن قيد الاعتقال. 

لم يكتف ولي العهد السعودي بإقصاء عمه الكبير أحمد وابن عمه محمد بن نايف، ولكن أيضا نفس المؤسسة التي كان سيحتاج إليها لدعم خطوته الجريئة والمتمثلة بإلقاء القبض على أقاربه، أي المؤسسة الدينية. لم يعد يضمن ولاء كبار أعضاء العائلة الملكية ولا علماء الدين ولا قطاعات مهمة من المجتمع السعودي. تخفي حشود المصفقين الذين يحضرون مهرجاناته الجديدة وما ينظمه من حفلات موسيقية ومباريات ملاكمة حقيقة الأزمة العميقة يعاني منها آل سعود.

أزمة متفاقمة
يعيش الأمير الشاب في خوف وعزلة. وغدت ثورته التي توصف بأنها من فوق إلى أسفل تئن تحت وطأة ضغط الركود العالمي الذي دفع بأسعار النفط وسوق الأسهم المحلية في السعودية نحو التردي. 

في الماضي، كان التقشف الناجم عن هبوط أسعار النفط مجرد عقبة عابرة سريعا ما يتم التغلب عليها عندما كانت المملكة في السنوات السابقة تتعامل مع سلسلة من الأزمات النفطية وفترات الركود. 

إلا أن الأزمة الحالية مختلفة تماما. إنها سياسية وليست اقتصادية. قد لا يعمر الملك سلمان طويلا حتى يتمكن من إلقاء ظل من الدعم واستخلاص الولاء من الأمراء الساخطين لصالح ابنه، فقد بدأ الابن نفسه حكمه كمركز للسلطة باستراتيجيات جديدة غير متوقعة باتت الآن قاصرة عن ضمان انتقال سلسل للسلطة بعد وفاة الملك. 

إن الاعتقال المفاجئ لعمه ولأبناء عمومته من كبار الأمراء لهو استراتيجية خطرة ستطارده طوال مستقبله المهني السياسي. والأدهى من ذلك الأضرار التي لحقت بسمعة المملكة كبلد ينعم بقيادة عائلة ملكية يقدر أفرادها على الحفاظ على إجماعهم وعلى ضمان انتقال سلس للسلطة، وهي أضرار لا قبل لأحد بإصلاحها.

يجد ولي العهد نفسه مضطرا تارة أخر لأن يستخدم القوة ضد خصومه داخل العائلة الملكية كما فعل من قبل في نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2017 عندما ألقى القبض على العشرات من الأمراء المتنفذين وحبسهم داخل فندق ريتز كارلتون في الرياض، الأمر الذي بُرر في حينه على أنه تحرك ضد الفساد بهدف تخليص المملكة مما استشرى فيها من فساد للذمم.

لقد تمت إهانة وتهميش ذرية الراحل الملك عبد الله، وخاصة الأمير متعب الذي كان حينها يشغل منصب رئيس الحرس الوطني، حيث حرص محمد بن سلمان على ضمان أن يجرد هذا الأمير المنافس له، والذي يكبره سنا، من قاعدته العسكرية التي قد يتمكن بواسطتها من تنفيذ انقلاب ضد نجل الملك الصاعد. 

تهديد نايف
يأمل ولي العهد في القضاء على التهديد الذي قد يشكله أمير مهم آخر هو محمد بن نايف، والذي كان يعتبر لفترة طويلة صاحب القبضة الحديدية في إدارة الشؤون المحلية. 

مازالت شبكات المخابرات والأمن الواسعة، التي أقامها الأمير محمد بن نايف حينما كان الشخصية المركزية داخل وزارة الداخلية، يطارد شبحها ولي العهد حتى بعد أن جرد محمد بن نايف من كل مواقعه الحكومية الرسمية، وذلك أن ولي العهد يخشى من أن تلك الإجراءات القمعية التي اتخذها ابن عمه ضد المعارضة المحتملة في عهده يمكن أيضا أن تستخدم ضده هو. 

لقد ضمن محمد بن نايف أمن العرش تمهيدا لاعتلائه عليه. إلا أنه عاش ليرى ابن عمه الأصغر يستفيد من كافة إجراءات الرقابة والأمن المشددة التي فرضها داخل المملكة. كان جزاؤه على ما قدم أن يفصله الملك بشكل مفاجئ، وها هو اليوم، كما يشاع، رهين محبسه.

انتشرت أخبار تعرضه للإهانة حول العالم، ومازال القصر الملكي اليوم ملتزما الصمت إزاء مكان تواجده. 

تعيش سلالة آل نايف داخل العائلة الملكية الآن آخر أيامها ولن يتذكرها الناس إلا كبرج متهاو كان ذات يوم يفرض على السعوديين من خلال منظومته حالة من الرعب إذ كانوا يتعرضون لإجراءات قمعية من اعتقال تعسفي وتعذيب واختفاءات غير مبررة على يدي نايف الأب ثم على يدي نجله محمد. 

ضربة استباقية
كما ورد في الأخبار نبأ اعتقال الأمير أحمد، الأخ المتبقي للملك سلمان والذي يحق له اعتلاء العرش وقد تسنح له فرصة خلافته، وذلك ضمن مجموعة من الأمراء الذين ألقي القبض عليهم يوم السابع من مارس / آذار. والأغلب أنه لم يحتجز بسبب أي مؤهلات عسكرية أو أمنية سابقة - فلم تكن لديه أي من هذه المؤهلات أثناء وظيفته الحكومية التي لم تستمر طويلا.

بل كان إلقاء القبض عليه عبارة عن ضربة استباقية لقطع الطريق على أمير رفيع المستوى قد يشكل حالة رمزية تجمع من حولها نفرا من الأمراء الساخطين.

تذكرنا إمكانية أن يسفر الأمير أحمد عن مثل تلك الشخصية بالسنوات العشر التي حكم فيها الملك عبد الله، حيث أصبح ملكا قويا تمكن من درء الخطر الذي شكله كل من سلمان ونايف وسلطان أبناء عبد العزيز في ذلك الوقت. 

مثل عبد الله نموذجا للعديد من الأمراء الذين أسخطهم احتكار تلك الشخصيات المتنفذة الثلاث لشؤون السياسة في المملكة. وكان أحمد نفسه قد عبر عن تحفظاته على السياسات التي انتهجها الملك الجديد وابنه، ومن ذلك على سبيل المثال شن الحرب على اليمن في عام 2015. 

ولكنه ما لبث بعد عودته إلى المملكة العربية السعودية أن التزم الصمت. لربما تطلع الأمراء الآخرون الذين يعانون من التهميش إلى أحمد أملا في أن ينقذهم من مصير مظلم ينتظرهم حينما يصبح ولي العهد ملكا. 

دراما ملكية
كان بإمكان الملك سلمان تعيين أحمد وليا للعهد بعدما وقع فيه ابنه من فضائح عديدة وما صدر عنه من سوء إدارة للشؤون السياسية وللعلاقات الخارجية للمملكة، وخاصة تلك الفضيحة المتعلقة بوفاة جمال خاشقجي في عام 2018. 

إلا أن الملك ضيع الفرصة، وبإلقاء القبض على الأمير أحمد يتلاشى ذلك الرمز الذي كان يمكن على يديه استعادة الشعور بالاستمرارية والاحترام داخل العائلة الملكية. 

كان في المملكة العربية السعودية ذات يوم نظام ملكي يتشكل من مجموعة من الأمراء الأقوياء الذين تمكنوا بنجاح من احتواء كل أنواع التهديدات السياسية والاقتصادية والأمنية. أما اليوم، فقد ابتليت المملكة بحالة من عدم اليقين وتحيط بها الأخطار من كل جانب. 

من سبيل تعزيز قبضة آل سعود على السلطة عمل الأمراء على حرمان جميع السعوديين من حق العيش في مجتمع مفتوح بمؤسسات سياسية بإمكانها أن تضمن بقاء المملكة ومشاركة مواطنيها في عملية صناعة القرار. من المؤسف أن يتم تحويل السعوديين إلى مجرد متفرجين يتابعون وقائل المسلسل الملكي الدرامي.

عن موقع "ميدل إيست آي"

التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الأربعاء، 13-05-2020 08:25 م
عبد العزير آل سعود أحد دهاة السياسة العرب، سليل أسرة ذات تاريخ طويل من 1744م، أسسوا خلالها ما سمي بالدولة السعودية الأولى ثم الثانية، وبعد صراع مع الدولة العثمانية ومنافسيهم كآل رشيد، استغل عبد العزير انهيار الامبراطورية العثمانية، ليمد نفوذه بالقتال إلى نجد ثم مكة وسائر الحجاز، ليقيم مملكة الحجاز ونجد ثم السعودية عام 1932م، ودعم حكمه بالتحالف مع علماء السلفية ذوي التأثير الكبير، ثم بسلسلة مصاهرات مع القبائل ذات النفوذ، وتعاون مع بريطانيا فامريكا لضمان التأييد الخارجي، ثم توالى حكم أبناءه مستغلين عوائد النفط في تمويل ما يقدمونه للمواطنين لضمان رضاهم، وخوفاُ من امتداد ثورات الربيع العربي إليهم دعموا الانقلابات ضدها، واشعلوا حرب اليمن، ثم جاء بن سلمان المنعدم العلم والخبرة والمكانة لينفرد بالسلطة ويطيح بالعلماء، ويعتقل أبناء عمومته، ويذبح معارضيه، فيدمر بذلك بيده الأسس التي قامت عليها دعائم دولتهم، ومع انهيار عوائد النفط التي كانت تخفي عمق الفساد في الدولة وانعدام الكفاءة في إدارتها، يفقد التمويل الذي كان يكفل له المال لإسكات مواطنيه، ولا يجد إلا الصهيوني ترامب وابنته ايفانكا وزوجها كوشنر اليهوديان للتحالف معهم مستغيثاً بهم لحماية عرشه، ولا شك أننا سنشهد قريباً مع تصاعد تلك التغيرات انهيار الدولة السعودية وامتداد الثورات العربية إليها، والله اعلم.

خبر عاجل