هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الناشطة السعودية الشهيرة والشجاعة، لجين الهذلول، لم تنل حريتها، ولم تحصل على تعويض بعد قضائها ألف يوم ويوم وراء القضبان، يُزعم أنها تعرضت خلالها للتعذيب على يد سيئ الصيت سعود القحطاني، الذي يعدّ مع آخرين متهما رئيسيا في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018.
مع أن الهذلول باتت أخيرا خارج السجن، إلا أنها ستظل لثلاث سنين رهن الاختبار والمراقبة، ومحظور عليها السفر لخمسة أعوام، بمعنى أنه ستبقى معلقة، وطوال ذلك لن تتمكن من التعبير عن رأيها، ولن تتمكن من استئناف نشاطها. وكما قالت شقيقتاها علياء ولينا، في أثناء مؤتمر إعلامي عبر الإنترنت يوم الخميس: "لقد تهالكت مؤسسات الدولة السعودية، ولم يعد لها من وجود ذي معنى خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ما اضطرهم إلى البحث عن تضامن دولي، بعد أن فقدوا الأمل في ضمان إطلاق سراح شقيقتهم من الحبس".
دولة شرطية مارقة
غدت الهذلول رمزا لتغول الدولة الشرطية المارقة في المملكة العربية السعودية. لا يمكن للمرء أن يتحدث عن تهالك مؤسسات الدولة السعودية؛ لأنه لم يكن لها وجود أصلا؛ فعلى الرغم من تفشي البيروقراطية، لا يوجد بتاتا في المملكة العربية السعودية مؤسسات دولة شغالة وشفافة وتخضع للمحاسبة، مثل القضاء المستقل والمجالس الاقتصادية ومجلس وطني منتخب.
وهذا مثبت بالدليل القاطع منذ إقامة الدولة السعودية كمملكة مطلقة، أسسها ابتداء ابن سعود كإقطاعية عائلية. استمرت على ذلك يحكمها لوردات حرب -بشكل أساسي أبناؤه وأقاربه الذين ساعدوه في توحيد المملكة- وعوام موالون وقضاة وضباط وعناصر مخابرات دانوا بالولاء للحكام الجدد.
ساندتهم في ذلك قوى أجنبية، ابتداء ببريطانيا، ثم فيما بعد انضمت الولايات المتحدة إلى مجموعة الحكومات الغربية التي دعمت النظام في الرياض، مقابل استمرار تدفق النفط بأسعار زهيدة. وكانت غنائم النفط شركة بين آل سعود وشركائهم وحلفائهم الغربيين، وينال العوام بعضا من فتات تلك الثروة.
إن التغيير الوحيد الذي طرأ منذ صعود الملك السلمان ونجله، محمد بن سلمان، هو أن الإقطاعيات المتعددة -أي جميع المنتفعين من سلالة مشخصنة لا شفافية فيها- تم تهميشها سياسيا، مع استمرار تلقيها منافع مالية كبيرة من الخزينة، نجم عن ذلك تعزيز منظومة سياسية جديدة، إنها مملكة سلمان المحكومة من قبل نجله ولي العهد.
الأولوية لحقوق الإنسان
لربما عجل الرئيس الأمريكي جو بايدن في إطلاق سراح لجين الهذلول، وفرض إصلاحات قضائية بسيطة مؤخرا؛ فقد كان قد قطع على نفسه الكثير من الوعود بأن حقوق الإنسان والديمقراطية ستكون لهما الأولوية في تعامله مع شركاء الولايات المتحدة، خاصة مع المملكة العربية السعودية. لربما بعث حديث بايدن في أثناء حملة الانتخابات رسالة قوية إلى حكام الرياض، خاصة محمد بن سلمان، الذي يعدّ عبئا على الإدارة الأمريكية الجديدة التي تسعى جاهدة لطمأنة العالم بأن ديمقراطية الولايات المتحدة سيكتب له النجاة، بعدما نالها من أذى في حقبة ترامب.
ولكن في حقيقة الأمر يشكل إطلاق سراح الهذلول ذروة حملة استمرت لثلاث سنين من قبل النشطاء السعوديين والمنظمات الحقوقية الدولية، الذين ينسب إليهم معظم الفضل، والذين تحلوا طوال تلك المدة بالصبر والمصابرة ووضوح الرؤية والتضامن.
أبدع المنفيون السعوديون من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان في واشنطن ولندن وبرلين وأماكن أخرى كثيرة، وأتقنوا فن الحملات السلمية ونشاطات اللوبي حول العالم؛ للحيلولة دون نسيان الهذلول. كانت شقيقاتها في البداية يترددن في التصعيد وطلب التضامن الدولي، ولكن بعد أن سدت في وجوههن كل الأبواب داخل المملكة العربية السعودية، كسرن حاجز الصمت، ورحن يطلبن التضامن من النشطاء والمنظمات غير الحكومية حول العالم.
لم تعبأ بمعاناة الهذلول والكثيرين من سجناء الضمير من أمثالها معظم الدول الغربية المتحالفة بشكل وثيق مع المملكة العربية السعودية، وظلت على هذا الحال، فكان الصمت هو الخيار المفضل لكل من الولايات المتحدة في عهد ترامب وبريطانيا تحت حكم المحافظين، وكذلك فرنسا، وذلك حتى لا يفوتوا فرص الاستثمار أو إبرام صفقات سلاح جديدة.
المقاومة السلمية وممارسة اللوبي
لربما كان بايدن بالفعل جادا في إحداث تغيير، ولكن لا يمكن توقع الكثير، وذلك أننا كما رأينا في حالة الرؤساء الآخرين، سوف يتم في الأغلب ترجمة كلام الحملات الانتخابية إلى حالة من البراغماتية ومساندة الوضع القائم في المملكة العربية السعودية. لسوف يقنع دايدن بتغيير في السلوك داخل المملكة العربية السعودية بدلا من تغيير في النظام؛ فلو بدل الأمير الأهوج من سلوكه، لربما فاز بإشادة الولايات المتحدة به، ونال العفو على ما ارتكبه من جرائم غدر داخل وخارج المملكة العربية السعودية.
لن يأمر بايدن بتغيير سري أو علني للنظام، وذلك لأسباب واضحة، حيث سيذكره مستشاروه في السياسة الخارجية بالأخطاء الفتاكة التي وقعت في الماضي. كما يمكننا أن نتذكر خطته لتجزئة العراق طائفيا، بالرغم من الكلام الكثير الذي كانت تردده الولايات المتحدة حول بناء الدولة.
لا يجوز أن ينتظر المواطنون السعوديون بايدن أو غيره من الحلفاء الغربيين المهمين إلى أن يمارسوا الضغط على النظام حتى يطلق سراح السجناء السياسيين. لقد تردت الحالة الصحية للشيخ سلمان العودة في محبسه، وتوفي عبدالله الحامد، المدافع عن حقوق الإنسان، وهو رهن الاعتقال، وتوفي الصحفي صالح الشيحي بعد فترة قصيرة من إطلاق سراحه، وتم إعدام العشرات من السجناء السياسيين في السنوات الأخيرة، بمن فيهم الشيخ نمر النمر.
يمارس التعذيب في السجون السعودية على نطاق واسع، ومع ذلك لا يحظى بتغطية إعلامية كافية. في مجتمع من المفترض أن يكون شرف النساء فيه من المقدسات، انتهك جلادو النظام أثناء عمليات التعذيب هذا الشرف وهم يأمنون العقاب. ألجم الخوف والترهيب والعنف المجتمع بأسره، حتى غدا السعوديون مشاركين في جريمة تعذيبهم. مثلهم مثل أفراد عائلة الهذلول، يعلق السعوديون آمالهم على حلفاء أقوياء ليساعدوهم في تغيير واقعهم.
ولكن، كما يقول المثل العربي: "ما حك ظهرك مثل ظفرك"، لو بقي السعوديون صامتين، فسوف يستمر النظام في ترهيبهم، ولو أمسكوا بزمام المبادرة في أيديهم واقتدوا بشجاعة عائلة الهذلول، متبنين المقاومة السلمية واللوبي، فسيكون بإمكانهم إنهاء معاناتهم تحت حكم محمد بن سلمان.
(ميدل إيست آي)