هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شبح الإفلاس والتصفية يحاصر أبرز قلاع الصناعة المصرية
الغموض يلف مصير آلاف العمال.. والحكومة: "لا مكان للعواطف"
البرلمان يجمد استجواب "التصفية".. ونواب: "حقوق أولادنا في خطر"
وقف 60 خلية صناعية عن العمل في مجمع الألمونيوم.. واستغاثات بلا مجيب
خبراء: تخبط السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية ساهم في تفاقم أزمة القطاع الصناعي
لم يفلح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي نفذته الحكومة المصرية على مدار ثلاث سنوات، وحصلت بموجبه على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، في حل الأزمات الطاحنة التي تحاصر قلاع الصناعة الكبرى في مصر.
ويلف الغموض مصير عشرات الآلاف من العمال المحاصرين داخل تلك القلاع الصناعية الكبرى التي تواجه خطر التصفية والإفلاس، خاصة شركة الحديد والصلب التي تأسست في عام 1954، ومجمع الألمونيوم الذي أقيم عام 1969.
ورصدت "عربي21"، تزايد نداءات الاستغاثة من قبل العمال، وطلبات الإحاطة تحت قبة البرلمان، خلال الأيام الماضية، للمطالبة بضرورة إيجاد حلول عاجلة لإنقاذ هذه الشركات من الإفلاس أو التصفية.
ووفقا لاتحاد الصناعات في مصر، يساهم القطاع الصناعي بحوالي 50 مليار دولار من إجمالي الناتج المحلي، فيما يساهم القطاع الخاص في مجمل نشاط القطاع الصناعي بنسبة 81 بالمئة والقطاع الحكومي بنسبة 19 بالمئة.
"مصير غامض"
لكن رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية (إحدى شركات قطاع الأعمال العام) مدحت نافع، قال في مقابلة مع صحيفة "الوطن" المصرية، الأربعاء الماضي، إن أزمة شركة الحديد والصلب في يد القيادة السياسية، ومصيرها ستحسمه اللجنة الحكومة التي تم تشكيلها برئاسة شريف إسماعيل رئيس الوزراء السابق.
وفي رده على سؤال حول مصير 7 آلاف عامل بالشركة، أجاب نافع بأنه "لا مكان للعواطف في الاستثمار"، مضيفا: " بالفعل شركة الحديد والصلب رمز وقلعة من قلاع مصر، لكننا نتكلم هنا عن تجربة وعلم لا تتدخل فيه العاطفة".
ومن ناحيته، شكك الجهاز المركزي للمحاسبات (حكومي)، في قدرة شركة الحديد والصلب على الاستمرار بحالتها الحالية، خاصة بعد أن تخطت خسائرها كامل رأس المال بأكثر من 5 مرات، في حين أن القانون ينص على تصفية الشركة إذا تخطت خسائرها نصف رأس المال.
اقرأ ايضا: لماذا يصر السيسي على التخلص من مصانع الغزل والنسيج؟
في المقابل، دعا عمال بالشركة إلى استثمار أصول الشركة غير المستغلة التي تقدر بنحو 10 مليارات جنيه، في تطوير الشركة وإنقاذها من التصفية، لما لهذه الشركة من دور كبير في دعم الصناعة المصرية، وخاصة في قطاع الصناعات المعدنية.
وأعلن وزير قطاع الأعمال، هشام توفيق، في تصريحات، صحفية الأسبوع الماضي، على هامش مؤتمر للشمول المالي، أنه سيتم اتخاذ القرار النهائي لتحديد مصير شركة الحديد والصلب في القريب العاجل.
وقال توفيق، في مقابلة مع صحيفة "المصري اليوم"، إنه تولى حقيبة الوزارة وشركات قطاع الأعمال تواجه خسائر بقيمة 16 مليار جنيه، موزعة بين 48 شركة خسرت كامل رأسمالها، بخلاف مديونيات بلغت 42 مليار جنيه لصالح البنوك وجهات حكومية.
وأشار الوزير إلى أنه وفقا للتعديلات المقترحة على قانون قطاع الأعمال العام، فإن "خسارة رأس المال سيكون التعامل معها من خلال أمور، منها إما أن يضخ المساهمون في الشركة الخاسرة أموالا من جيوبهم، لتكون رأسمالا إضافيا يخاطرون به، أو أن تغلق الشركة، إنما أن تستمر بالمديونية والسلف فلن يكون موجودا".
"استجواب مجمد"
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2019، تقدم النائب محمد عبد الغني، باستجواب حول أوضاع شركة الحديد والصلب، ولم يتم مناقشته حتى الآن أو حتى إدراجه لمناقشته في الجلسة العامة، وهو ما اعتبره تكتل "25/ 30" بالبرلمان تفريطا من قبل هيئة مكتب مجلس النواب في حق الأجيال القادمة في الحفاظ على ضياع أملاك الشعب وتسريح وتشريد نحو 7500 عاملا.
ودعا التكتل البرلماني، في بيان له، إلى سرعة التدخل لتطوير الشركة والحفاظ عليها وعلى أوضاع العاملين بها وحفاظا على المال العام.
وأضاف: "مزيد من التأخير يكلف الوطن كله خسائر جسيمة ويحمل الشركة مزيدا من الأعباء التي تؤدي إلى تعثرها وتخريبها تمهيدا لغلقها (...) وخسارة كيان هام كان يعد إحدى قلاع صناعة الحديد والصلب على المستويين المحلي والعربي من خمسينيات حتى سبعينيات القرن الماضي، فضلا عن أنها تعد ركيزة أساسية للصناعات الثقيلة ومكون محوري في عشرات الصناعات مثل السيارات، السفن، الطائرات، القطارات، المعدات، والآلات، والأجهزة الكهربائية والمنزلية".
اقرأ أيضا: العمال في 2019.. إضرابات تطال شركات الكبار بمصر رغم القمع
"رسالة استغاثة"
ومن داخل قلعة صناعية أخرى تواجه شبح الإفلاس، أرسلت النقابة العامة للعاملين بالصناعات المعدنية والهندسية والكهربائية رسالة استغاثة إلى رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، للتدخل العاجل لإنقاذ مجمع الألومنيوم بنجع حمادي من الانهيار.
وبحسب البيانات الرسمية، سجلت الشركة خلال الفترة النصف الأخير من العام المالي 2019 صافي خسارة بقيمة 595.7 مليون جنيه، مقابل صافي ربح بقيمة 758.3 مليون جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي.
وتراجعت إيرادات الشركة خلال النصف الأول من العام المالي الجاري، إلى 3.6 مليار جنيه، مقابل 7 مليارات جنيه خلال الفترة المقارنة من العام المالي الماضي.
وقالت الشركة، في بيان لها، إن التحول للخسارة يعود إلى 4 أسباب منها ارتفاع تكلفة الطاقة الكهربائية ومستلزمات الإنتاج الأخرى خلال الفترة، بالإضافة إلى انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه وهو ما يؤثر على الصادرات.
وبحسب البيان، تأثرت الشركة أيضا بتراجع أسعار المعدن ببورصة المعادن العالمية بلندن، كما أن استغناء الشركة عن نسبة كبيرة من استثماراتها المالية للوفاء بالتزاماتها المالية، أدى لانخفاض العائد من الاستثمارات.
اقرأ أيضا: ما حقيقة الأرقام "الوردية" للاقتصاد المصري في 2019؟
"تطور خطير"
وفي تطور خطير نحو المزيد من الخسائر وتقليل الإنتاج، قررت إدارة مجمع الألمونيوم في نجع حمادي، بحسب صحيفة "الأهالي" المصرية، إيقاف 60 خلية صناعية عن العمل في محاولة جديدة لمواجهة الارتفاعات الجنونية في أسعار الكهرباء. وتعمل الشركة بنظام الخلايا في إنتاج الألومنيوم، بإجمالي 552 خلية إنتاجية، وتنتج الخلية الواحدة نحو 1.6 طن يوميا.
وقال مسؤولون بالشركة إن "كل قرش زيادة في أسعار الطاقة يكلف الشركة الواحدة 50 مليون جنيه سنويا". ورفعت أسعار الكهرباء خمس مرات منذ 2014، وكان متوقعا أن يتم إلغاء الدعم بالكامل عن الكهرباء عام 2018/2019، وفقا لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، لكن الوزارة قررت إضافة ثلاث سنوات أخرى، على يتم رفع الدعم بداية العام المالي 2021/2020.
وأكد رئيس اللجنة النقابية بشركة مصر للألومنيوم، ياسر الجالس، إن الشركة تواجه كارثة بكل المقاييس، ويجب التدخل من رئيس الوزراء، ووزير قطاع الأعمال للإنقاذ شركة عريقة وهذه الصناعة من الضياع والإغلاق.
وأوضح أن الشركة تفتح بيوت نحو 6000 عامل، وغيرهم من آلاف العمال الذين يعتمدون على الشركة بشكل غير مباشر، لافتا إلى أن الشركة حققت أرباحا عن العام المالي 2016 – 2017 مليار و700 مليون جنيه، وحققت أرباحًا عن العام المالي 2017 -2018 مليارين و700 مليون جنيه مع زيادة الكهرباء.
وتابع: "مع زيادة سعر الكهرباء وانخفاض سعر الألومنيوم ببورصة المعادن في لندن ستنخفض الأرباح في العام الحالي بحوالي 500 مليون جنيه، ومن المتوقع تحول الشركة من الربحية إلى الخسارة".
واقترح الجالس، للخروج من هذه الأزمة، إلغاء التعامل بسعر ساعات الذروة وتثبيت سعر الكهرباء بسعر موحد بعيد عن ساعات الذروة، إلى جانب ربط سعر الكهرباء بسعر طن المعدن في بورصة المعادن بنسبة عادلة للشركة مصر للألومنيوم ووزارة الكهرباء.
اقرأ أيضا: اقتصاديون: لهذا لا يجب التفاخر بارتفاع قيمة الجنيه المصري
"تضارب مصالح"
وقال الخبير الاقتصادي، عمرو السيد، في تصريحات لـ"عربي21"، إن قطاع الصناعة في مصر لم يحظ بالاهتمام الكافي من قبل الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عدة سنوات.
وأكد أن القرارات التي صاحبت برنامج الإصلاح الاقتصادي، ومنها تعويم الجنيه، وفرض ضريبة عقارية على المصانع، وزيادة أسعار الفائدة لأكثر من 20 في المئة، وزيادة أسعار الوقود والكهرباء عدة مرات، فاقمت من التحديات التي يواجهها القطاع الصناعي في مصر.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن البنية التحتية للقطاع الصناعي بمصر متهالكة، سواء على صعيد العمالة المؤهلة أو تراخيص العمل أو الحصول على الأراضي للمشروعات الجديدة وللتوسعات أو شروط منح الائتمان أو الحصول على الخدمات المالية والائتمانية، والحصول على المياه والطاقة، إلى جانب انتشار الفساد وتخبط السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، فضلا عن ارتفاع سعر الفائدة على القروض.
وأشار السيد، إلى أن المبادرات التي طرحتها الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية، فشلت في الحد من الأخطار التي تواجه القطاع الصناعي في مصر، مستدلا على ذلك بتراجع مؤشر مديري المشتريات في مصر، الذي يقيس نشاط القطاع الخاص غير النفطي، إلى أدنى مستوى له منذ 34 شهرا في كانون الثاني/يناير الماضي.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، أعلنت الحكومة المصرية والبنك المركزي عن عدة مبادرات لتنشيط قطاع الصناعة تضمنت مبادرة لتمويل الشركات الصناعية، وأخرى لإسقاط الفوائد المتراكمة على عدد 5148 مصنعا متعثرا شرط سداد نصف الديون.
ولفت إلى أن حالة الركود في السوق المصري، أثرت سلبا على حجم المبيعات، خاصة في ظل زيادة تكلفة الإنتاج وضعف القدرة التنافسية للمنتج المصري في الأسواق الخارجية، والمنافسة غير العادلة بين شركات القطاع الخاص والشركات التابعة للجيش المصري.
وبين الخبير الاقتصادي، أن غالبية القرارات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة المصرية تكون غير مدروسة وتحمل تناقضات كبيرة قائلا: "تكون القرارات لصالح شركات على حساب شركات أخرى ولصالح قطاعات اقتصادية على حساب قطاعات اقتصادية أخرى".