هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
للمرة
الأولى منذ عقود تغيب عن سلالم نقابة الصحفيين المصريين في القاهرة، الوقفات الاحتجاجية
المناصرة للقضية الفلسطينية، والتي كان آخرها منذ عامين عندما اعترفت أمريكا بالقدس
المحتلة "عاصمة لإسرائيل"، وقررت نقل سفارتها إليها.
ففي
7 كانون الأول/ ديسمبر 2017، نظم صحفيون ونشطاء وقفتهم الاحتجاجية، وسط حضور أمني مكثف،
ولم يكن في علم أحد أنها ستكون الوقفة الأخيرة لهم، ودعوا إلى انتفاضة شعبية مستمرة
لدعم صمود المقدسيين الذين نزلوا للشوارع في انتفاضة جديدة للدفاع عن المقدسات الإسلامية
والمسيحية.
وقام
المحتجون بحرق علم إسرائيل وصور ترامب، فيما قام البعض الآخر بدهس العلم بالأحذية،
تعبيرا عن غضبهم من القرار، واحتفاء الإسرائيليين بالقرار، وطالبوا السلطات المصرية
بضرورة اتخاذ موقفا جادا من إعلان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة.
وظلت
سلالم نقابة الصحفيين بالقاهرة، قلعة الحريات، لعقود معقلا لنبذ التطبيع مع إسرائيل،
ورفض بيع الغاز المصري إلى إسرائيل، والتنديد بالحروب على قطاع غزة وأهلها من وقت لآخر،
ووقف الاعتداء على مقدسات المسلمين في فلسطين كافة.
"حضرت الصفقة وغابت قلعة الحريات"
واليوم،
ورغم الإعلان عن صفقة القرن في واشنطن من طرف واحد، وعدم ذكر حدود الدولة الفلسطينية
عند 1967، وأن القدس عاصمة لفلسطين في بيان الخارجية المصرية، وقبول ضمني لكثير من
الدول العربية بالصفقة بدت سلالم النقابة خاوية من أي صحفي أو سياسي.
والثلاثاء
الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء الاحتلال
بنينامين نتنياهو، عن خطة السلام في الشرق الأوسط المعروفة إعلاميا بـ"صفقة القرن"،
وقوبلت بالرفض من قبل الأوساط السياسية والشعبية الفلسطينية، وأدت لاندلاع احتجاجات
منددة بالصفقة في الأراضي الفلسطينية، فضلا عن اندلاع احتجاجات في دول عربية
وإسلامية أخرى.
يُذكر
أن مواقف وزراء الخارجية العرب تباينت من "صفقة القرن" الأمريكية، وذلك خلال
كلماتهم في اجتماع الجامعة العربية بالعاصمة المصرية القاهرة السبت، إلا أن البيان
الختامي أكد على رفض الصفقة، وعدم التعاطي معها بأي شكل من الأشكال.
يُشار
إلى أن جهات أمنية أصدرت تعليمات إلى الصحف والقنوات الفضائية بعدم الهجوم أو انتقاد
ما يسمى بصفقة القرن، واستبدالها بخطة السلام، وهو ما أكده مصدر إعلامي لمراسل
"عربي21" بإحدى القنوات الفضائية، وهو ما التزمت به بعض الصحف القومية كصحيفة
الأهرام، وبرامج بعض الإعلاميين المحسوبين على النظام.
"حال النقابة من حال مصر"
وصف
نقيب الصحفيين الأسبق بمحافظة الإسكندرية، عامر عيد، خلو سلالم النقابة من أي فعاليات،
بأن "حال نقابة الصحفيين هو من حال مصر"، مشيرا إلى أن "السلطة الحالية
سلبت حريات المواطنين الذين تنازلوا عن إرادتهم السياسية رويدا رويدا"، منتقدا
في الوقت ذاته "الاعتداء المتكرر على الصحفيين وترويعهم إما بالحبس أو الفصل".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، أرجع عيد السبب إلى أن "السلطة العسكرية الحاكمة
في مصر هي سلطة لا تراعي إعمال الديمقراطية، وواجبات حقوق الإنسان فيما يتعلق بإدلاء
المواطنين بآرائهم السياسية في الحياة العامة، ومشكلات الوطن، والوطن العربي والإسلامي".
لكنه
حمّل إدارة نقابة الصحفيين جزءا من الأزمة، قائلا: "ما يحدث يرجع جزء منه إلى
الإدارة الموجودة في نقابة الصحفيين، فهي إدارة حكومية بامتياز أكثر منها إدارة صحفية
تدير نقابة الصحفيين بنظام المخبرين"، لافتا إلى أن "تدهور حالها هو نتيجة
ما سبق".
"تحطيم رمزية سلالم النقابة"
بدوره،
قال نائب مدير وكالة أنباء الشرق الأوسط سابقا الكاتب الصحفي، أحمد حسن الشرقاوي، لـ"عربي21":
"عمدت السلطات المصرية إلى إخصاء نقابة الصحفيين عبر خطة ممنهجة طويلة المدى بدأت
منذ أيام مبارك".
مضيفا:
"كان ذلك من خلال ضم جحافل من المخبرين وأتباع الأمن، وأنصاف وأرباع الموهوبين،
ومعدومي الكفاءة المهنية، إلى عضوية النقابة، وتحريكهم كقطيع أعمى في كل انتخابات لضمان
ترجيح كفة مرشحي الجهات الأمنية لمنصب النقيب وعضوية المجلس".
ودلّل
على حديثه بالقول: "تمكنت الجهات الأمنية من الإطاحة بنقيب محترم مثل يحيى قلاش
بعد اقتحام غير مسبوق للنقابة وتحطيم رمزية سلالم النقابة وهيبتها، ليأتوا بدمية اسمها
ضياء رشوان قبل التنازل عن دور نقابة الصحفيين باعتبارها المدافع الأول عن حرية الرأي
والتعبير في مصر".
اقرأ أيضا: منظمة التعاون الإسلامي تعلن رفض خطة "صفقة القرن"
كما
استهجن الأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة، قطب العربي، تغييب نقابة
الصحفيين عن مثل تلك الأحداث، وقال إن "مصر خسرت حريتها حينما منعت السلطة الصحفيين
وغيرهم من الاحتجاج على سلالم النقابة"، مشيرا إلى أن "النظام في إطار تطبيق
رؤيته بمنع تكرار ما حدث في 2011 قرّر ألا يسمح بوجود أي وقفة على سلالم النقابة".
وأوضح
لـ"عربي21" أن "الكثير من فعاليات وأحداث ثورة يناير وُلدت وانطلقت
من على سلالم نقابة الصحفيين، فاليوم الثاني للثورة كان على سلالم النقابة، وكان الحدث
الرئيسي للثورة، كما أنها كانت ملاذا للحركات السياسية بمختلف توجهاتها؛ كحركة كفاية
والجمعية الوطنية للتغيير، بسبب تواجد عد كبير من الصحفيين يمكنهم تغطية احتجاجاتهم".
وأكد العربي أنه "منذ أكثر من سنتين لم تعد هناك
وقفات احتجاجية؛ لأن السلطات تمنعها بالقوة، وتعتقل من ينظمها أو يشارك فيها، والسلطة
تعتقد أنها حسمت المعركة بمنع التظاهر على سلالم النقابة، وقد تولد أي شرارة لاحتجاجات
أخرى سواء تتعلق بالقضية الفلسطينية أو غيرها".